مخرج يمني يكتب عن: اعداد الممثل Actors Traning

صالح الصالح *

– لمحة تاريخية :
مفهوم اعداد الممثل ليس جديدا ، فقد كان قديما يتتلمذ الممثلين الناشئين على يد الممثلين المشهورين أو يأخذون منهم اسلوب الأداء كفرقة جان راسين و فرقة موليير الجوالة .
كما أن استمرار الممثل في أداء دور معين لمدة طويلة هو نوع من أنواع الاعداد الذاتي و التطوير الذاتي الحرفي يكتسب بحكم الممارسة والخبرة تراكم التجربة كما في العروض اليونانية القديمة والعروض الالزبيثية في القرون الوسطى .

ويختلف نوعية التدريب في الماضي باختلاف توجيهات المسرح على مدى تاريخية ونوعية و المهارات المطلوبه من الممثل ففي المسرح اليوناني كان النص هو الأساس و المهارة اللفظية هي المعيار في نجاح الممثل فكان الممثل يسمى الذي يجيب ، اما في المسرح الروماني حيث كان العرض بجميع مكوناته يطغى على النص و المهارات الجسدية اهم فكان الممثل يسمى الراقص.

– وفي القرن التاسع عشر الذي يعد أهم عصور النهضة الحديثة في شتى المجالات الحياتية التى من ضمنها تطور الفن والأدب والتراجم ، فقد تبلور فن اعداد الممثل مع ظهور فن الاخراج الحديث ليكن جزء من مفهوم متكامل حول فن الممثل بكافة ابعاده ، بدلا من التمرين على الأداء والإلقاء و الصوت و الحركة و التحضير للدور و انتهاء بالاعداد الفكري و الروحي للممثل الناشئ.

تشكلت الصورة الواضحة لمفهوم اعداد الممثل و تطورت و اصبحت مناهج تعليمية متكامله ومدارس نوعية في فن الاداء ، اخذت تداعياتها مع تطور علم الاخراج و ظهور مخرجين كبار في إدارة الممثلين و توجيههم ضمن فرق أو استوديوهات تجريبية بفن الممثل حتى صارت معاهد وأكاديميات لها مكانتها و مناهجها المستقله و كوادرها التعليمية المؤهلة.

ومع ظهور تطور وتجدد متطلبات  الإخراج والتوجه نحو خلق مسرح جديد ، ومع  تنوع متطلبات الإنتاج و الإخراج وتنوع  والمدارس الجمالية التي ينتمون إليها، صارت هناك حاجة لممثل مختلف يتجاوز أداؤه مهارات الإلقاء والقدرة على التشخيص إلى القدرة على اللعب والتعبير بالجسد، كما في المسارح الشعبية، وصار لزامًا على المُمثل أن يُطوّر أسلوبه الأدائي ويُجدد تقنياته مِمّا تَطلَّب إعدادًا خاصا.

تجلى ذلك في توجه غالبية المُخرجين إلى تأسيس مدارس مسرحية ومحترفات كانت نواة للمعاهد الأكاديمية فيما بعد وللتجريب في المسرح من أهم هذه المدارس مدرسة «لو فيو كولومبييه Le Vieux Colombier التي أسسها الفرنسي جاك كوبو Jacques Copeau ( ١٨٧٩- ١٩٤٩ في بدايات القرن، والستوديو الذي أسسه الروسي كونستانتين ستانسلافسكي Stanislati . (۱۹۳۸ ) في المسرح الفنّي في موسكو، ومحترف الفرنسي شارل دوللان Charles Dullin (١٨٨٥ – ١٩٤٩) للتجريب في الفنّ الدرامي، والمدرسة التي أسسها الإنجليزي غوردون كريغ Gordon Craig (١٨٧٢ – ١٩٦٦) في حلبة غولدوني في فلورنسا.

كذلك تأثر مفهوم إعداد الممثل بالدراسات النظرية التي طوّرها الفرنسي فرانسوا ديلسارت F. Delsartes والسويسري إميل جاك دالكروز EJ. Dalcroze حول النظام الحركي وقانون التقابل كُلّ وظيفة في العقل تقابلها وظيفة في الجَسَد)، وحول طُرُق التعبير بالجسد الاسترخاء والتنفس. وبالفعل فإن طالبي الإيماء وفي الارتجال، وحول تقنيات الاسترخاء والتنفس، وبالفعل فإن غالبية المخرجين استلهموا من هذه الدراسات تمارين دخلت  فيما بعد في أساليب التعليم المنهجية.

– استند شارل دوللان في المحترف الذي أس على نماذج مستقاة من المسرح الإليزابني ومن الكوميديا ديللارتة ومن المسرح الياباني ليتوصل إلى عرض مسرحي مبني على أداء المُمثل وأسلوب دوللان يقوم على حن الممثل على أن يَشعُر بالدور الذي يُؤدِّيه قبل أن يصل إلى مرحلة التعبير.

وقد طرح لذلك مجموعة تمارين منها تمارين الجسد والارتجال ليكتشف المُمثل وسائله الخاصة في التعبير) وتمارين القناع الحيادي Masque neutre والقناع النصفي ليكتشف المُثل قُدرات التعبير بالجسد لا بالوجه ولبسه بحواسه الخَمْس). كما وضع تمارين مستوحاة – من حركات الحيوانات.

– أما غوردون كريغ الذي أراد جَعل المسرح فن الحركة في الفضاء، فقد استوحى الكثير من الكوميديا ديلارتي وعُروض الدُّمى”، وتطلب من المُمثل أن يكون دمية خارقة Surmarionnette تقوم بأداء حيادي له طابع طقسي بَدَلًا من أن يُجسد شخصيات فردية لها بعد بسيكولوجي، ولذلك استبعد أي تحضير بسيكولوجي للدور . كذلك فإن الروسي فسيقولود مييرخولد My hold . ١٩٤٠) اهتم بإعداد المُمثل جسديا من خِلال تمارين رياضية عنيفة تساعده على تطويع الجسد بشكل كامل (انظر بيوميكانيك).

منهج ستانسلافسكي :
طرح كونستانتین ستانسلافسكي منهجا متكاملاً في إعداد المُمثل سجله في كتاباته ويدور حول محاور ثلاثة: إعداد المُمثل، بناء الشخصية، إعداد الدور.

يدمج ستانسلافسكي في منهجه بين التقنيات الداخلية والخارجية للتوصل إلى ما يُسمّيه الحالة المبدعة و الحقيقة الإنسانية للشخصية.

وقد انطلق في ذلك من رفضه للكليشهات وللأداء التقليدي المُبالغ به في المسرح الروسي، ومن الرغبة في الدخول في عُمق النصّ من خلال التركيز والاندماج.

وقد اقترح ستانسلافسكي على ممثليه القيام بقراءة مُسبقة ودقيقة للنص القراءة ما بين السطور) تليها قراءة جماعية حول الطاولة قبل الشروع في تحضير العرض. كذلك طلب من المُمثل أن يَستكشف القُدرات المُبدعة الكامنة في داخله وأن يستثمر المخزون الحياتي الذي أطلق عليه اسم الذاكرة الانفعالية Mémoire affective لتحقيق التطابق بين تجربته الحياتية ومسار الشخصية في العمل، وللتوصل إلى تفسير وفهم الشخصية واكتشاف حقيقتها الداخلية قبل تشخيصها فنّ المُعايشة). كذلك طَوّر من الإيماء ستانسلافسكي تقنيات جَسَديّة مُستمدَّة  من الايماء والارتجال للوصول الى مصداقية في الأداء.

ستانسلافسكي تقنيات جَسَدِيّة مستمدة من الإيماء والارتجال للوصول إلى مصداقية في الأداء.

من الذين تأثروا بمنهج ستانسلافسكي الروسي يفغيني فاختانغوف E. Vakhtangov (۱۸۸۳ – ۱۹۲۲) الذي يُعتبر أسلوبه في إعداد المُمثل خُلاصة بين منهج ستانسلافسكي وميير ،خولد لكنّه ذهب أبعد من ستانسلافسكي تطوير الأداء الحَرَكي.

دخل منهج ستانسلافسكي إلى أمريكا مع مايكل تشيخوف chekh۱) ١٨٩١ إلي ستراسبرج L. Straber  ١٩٨٢)

معاهد التمثيل :

تَطوَّر منظور إعداد المُمثل وتنوعت الأساليب التي تؤدّي إليه مع تأسيس المدارس الأكاديمية  ومعاهد التمثيل التي كرست مناهج تعليمية تجاوزت هَدَف تحضير عرض ما وتكريس أسلوب مُحدَّد إلى إكساب المُمثل قدرة على أداء كافة الأدوار وبكافة الأساليب مع دعمه بثقافة  مسرحية نظرية .

يعتبر كونسر فاتورا الذي أسس عام
١٧٨٦ المؤسسة التعليمية الأولى في الغرب .
وفي ألمانيا تأسست أول مدرسة بإدارة المُمثل كونراد إيكوف (۱۷۲۰-۱۷۷۸) الذي أخضع الدراسة فيها لشروط دقيقة وأعد فيها أفضل المُمثلين الألمان.

أوّل مدرسة لها طابع رسمي افتتحت في إنجلترا عام ١٨٦١ ، أما في امريكا فتعتبر أكاديمية نيويورك للفنّ الدرامي التي تأسست عام ١٨٨٤ أوائل المدارس المسرحية هناك، كما أنّ تدريب المُمثل يَدخُل ضمن التعليم الجامعي في روسيا أقدم مؤسسة مسرحية تعليمية الغيتيز GITES التي تأسست عام ۱۸۷۸ في موسكو وتَحوّلت إلى كونسرفاتوار عام ١٨٨٦ . بالإضافة إلى هذه المعاهد هناك الكثير من المدارس الخاصة في إعداد المُمثل أشهرها مدرسة الفرنسي جاك لوكوك J. Lecoq

في العالم العربي
، كان المُمثلون من الرواد يكتسبون خبرتهم بالمُمارسة في الفرق المسرحية، ويُقال إن السوري إسكندر فرح كان مختصا بتعليم التمثيل في الفرقة التي أسسها عام ۱۸۸۳ السوري أبو خليل القباني (۱۳۸۳- ۱۹۰۲) في حين كان القبّاني ينصرف إلى أمور الغناء والتلحين وحين أسس فرح فرقته الخاصة كَلْف المُمثل المصري رحمين بيبس الإشراف على تدريب المُمثلين. في عام ١٩٠٤ سافر اللبناني جورج أبيض (۱۸۸۰-۱۹۵۹) إلى فرنسا مبعونا على نفقة الخديوي عباس حلمي بقضد تعلم فن التمثيل لكي يعود ويفتتح مدرسة لتعليم الأداء، وبالفعل دخل الكونسرفاتوار وتتلمذ لدى المُمثل سيلفان فاكتسب طريقة أداء نقلها لممثليه لاحقا.

افتتحت المعاهد المسرحية اعتبارًا من منتصف القرن، وأوّل معهد هو كونسرفاتوار الفن الدرامي في القاهرة الذي تأسس عام ١٩٣٠، ثم أنشىء المعهد العالي لفن التمثيل في ١٩٤٤ وتحوّل إلى أكاديمية عام ١٩٦٢. في العراق تأسس قسم مسرح تابع لمعهد الفنون الجميلة في بغداد عام ١٩٤٠، وفي عام ١٩٦٨ تأسس قسم آخر للمسرح في الجامعة في تونس تأسست أوّل مدرسة للمسرح في ١٩٥٩ ثم طُوِّرت إلى معهد للمسرح، وفي نفس العام تأسست مدرسة للمسرح في المغرب في لبنان أنشأ منير أبو دبس ستوديو المسرح في ١٩٦٠ ثم افتتح قسم الفن المسرحي في جامعة بيروت بإدارة أنطوان ملتقى. وأوّل معهد تمثيل في ليبيا تأسس عام ١٩٦٢ ، وفي الجزائر عام ١٩٦٥ وفي الكويت ۱۹۷۳. في سورية تأسس المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق عام ۱۹۷۷ .

* ناقد ومخرج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى