من مذكراتي هيفاء (3) للريح نكتب

أحمد سيف حاشد

عيون هيفاء جميلة وناعسة.. موغلة في العمق ومُستغرقة في المدى.. سحر عينيها يخطفك وإن كنت في مكان قصي.. عمقها يجذبك ثم يشدك إلى الأسفل حتى يصل بك إلى بُعد لا تعود ولا تنفك منه.. من ركب بحرها أو غزاها ما نجأ، ولن يعود إلا رقم في قوام الضحايا.. هكذا وجدت الأمر، أو هذا ما انتهيت إليه.

دعاني سحرها من بعيد لاقترب.. اقتربت فوجدت نفسي أرقص رقصة الموت.. جئتها كفراشة بأجنحتي أطير.. دعاني ضوئها في الدجى الشاتي لآتي؛ فأتيت لأحترق في الضوء الذي جلبني من بعيد.. كنت الضحية، وكانت للضحايا ولائم، ولم أكن غير رقم في العدد.

سحر عيناها يغلبك، وتحديه يهلكك.. إن أردت اختبار صلابتك، ستهوى في وهن!! سهمك لا يصيب.. حديدك مهما تفولذ، وعودك مهما قوى، يُفل بسهم من رمش عين.. لا تكابر حتى لا تصير مغلولاً بأصفاد الحديد.. أنقلب الحديد على صاحبة وصار طوع عيونها.. لا تعاند حتى لا تطويك كحبل الرشاء، أو تكسرك كثقاب صغير.

في لحظها حوريات السماء، وأسرار الذي خلقنا من علق.. يا خيبة المقتول بسبعين حورية، وفي عيون هيفاء سماء من ألق.. ويل لنا من أقدارنا، ومن خيبات الرجاء.. يا ترى هيفاء من هو المحظوظ بها؟!


في نشرة حائطية أشرفتُ على تحريرها، كتبت بروحي لا بحبر أو مداد.. كتبتُ بدم قلبي النازف بحبها.. حروف الحب أشعلتها بالحرائق والأرق.. وفي بحر عينيها العميق كتبت ما أجيد من اللآلئ وبما أجيش من الحنين.. كتبتُ خيبة بحَّار مضطرب أكثر من اضطراب البحر الذي يحاول أن يعبره.. يا خيبتي .. لا حيلة لي ولا وسيلة لأعبره.. لا زورق لي ولا لوح من خشب.

شاهدتها تقرأ ما كتبتُ، وبدهشة قلتها: يا إلهي!! فلتطلق المآذن أصواتها، وتقرع أجراس الكنائس، وتحتفل معنا السماء.. هيفاء تقرأ ما كتبتُ. وصرختُ بفرح مجلجل “وجدتها”.. يا جنة الحب النبيل.. وما لبثتُ أن صُعقت وقد أدارت ظهرها، وبحجم ما ظننت كانت خيبتي.

كتبتُ لمن أحب لواعجي؛ فمرّت كالهَبَل.. باردة كالشتاء.. متسكعة وشارده.. غير مبالية.. لا ترى ولا تحس ولا تجس.. لا تكترث بجواهري.. وربما أنا الغبي ومن فشلتُ في العبور والوصول، وفي إيصال رسائلي، بما أعيش من اعتلاج واحتدام.. عليّ أن أعترف: أنا فاشل في الحب مع مرتبة الشرف.

عنونتها في مناجاة العيون، وظننتها ستقرأ ما كتبتُ، وتعيد القراءة مرتين.. لكنها خيبت ظني بها.. غادرت بدموع تشتط بالغضب.. شتمتها في نفسي التي خرجت عن طورها، وشتمت نفسي حتى ضاقت بي السماء، وشتمت خجلي مرتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى