أحمد سيف حاشد يكتب| اعتذار لجهنم
أحمد سيف حاشد
- وتتم مأساتي أنا النائب عن هذا الشعب المنكوب.. شعب تغتصب حقوقه ونائبه يريدون اكراهه على التحشيد إن أراد عيش وحقوق..
- هربوا من استحقاقات كشف الفساد ومحاسبة الفاسدين إلى التكليف بالتحشيد مقابل ثلاثمائة ألف ريال هي أصلا من صميم حقوقنا..
- هكذا يكون الابتزاز.. ابتزاز بالحقوق.. غير أن الفساد كان أذكى في الهروب من استحقاقات كشفه فضلا عن محاسبة الفاسدين إلى التحشيد.
جمجمتي تكتظ بقهر الجوع اللاسع والمتراكم سبع عجاف.. أرباب النعمة تبتز الناس بشظف العيش وفتات الصدقة.. نصف “معاش” في رأس العام ما عاد يساوي عُشره، والنصف الأخر في منتصفه.. بين المد والمد، مدٌ يمتد وجحيم.. فتات تصرفه بعد عراك ولجان وكشف الإشعاع الذري..
“معاش” في العام نفسك فيه.. عينك فيه.. طمعك يجتاحه مثل الطوفان.. تحاول صدّه أمام الأعين.. تحتار وتتردد.. تسأل نفسك: هل أصرفه؟! تمعن حولا في عمق التفكير تجوس، وكأنك تريد عبور حدود الكون.. فتات معاش لتراه تحتاج إلى مجهر ..
فتات معاش تبخله علينا وتبتز.. تنز عليه دما وصديدا، وتمن علينا طوال العام.. عيون تأكلنا وتبكيه.. تصرخ فينا ندما: “ما أكثره.. نحن اليوم بحاجته.. حالنا أضيق وحاجتنا أشد.. مسيس الحاجة يشتد.. نحن الحق ونحن أحق..” فتات معاش تراه عين البخل وفيرا جدا جدا..
جبايات الفحش وفرتها تسد وجه الشمس.. وفتات “معاش” تصرفه في العام ما عاد له وزن أو حجم.. سلبت من العمر المهدور حقوقه.. كف الشح الخشبية تصرف صدقة.. وإن طالبنا بأكثر؛ فعلينا أن نهرع إلى الجبهة على اربع.. وفي الجبهة الموت المستعجل يقول لك: مُت شهيدا يا هذا، ولا تمن على الله بموتك.. أنت مع الله تجاهد..
من أين جاء كل هذا الشح؟! من أين أتى هذا البخل الفاحش؟! البخل دميم جدا.. تأخذ تريليونا ولا تعطي فتات في الشهر لأستاذ يربي الجيل.. لماذا تنتعل التعليم؟! لماذا تريد الجهل يعلو ويسود؟! لماذا تهين الأحرار وتريد أن تستعبدهم؟! ثم تقول لنا “هيهات منّا الذلة”..
تجبي الترليون ولا تعطي نتفة.. وإن أعطيت فتاتا تبدو كمن أنتزع قلبك من بين ضلوعك رغما عنك.. جهنم تخجل مما تفعل.. هذا بخلا، أم فحشا في البخل، أم فحش الطغيان..؟! جاري التعذيب وما كنت أظن أني سأبقى أتعذب سبع عجاف، ويريني الله هذا البخل المرعب، وسادية هذا الطغيان..
عفوا .. عفوا.. عذر بثلاث وأكثر يا جهنم..
وإن كنت قاض ابشر بنصف معاش.. جاء هذا النصر بعد جعجعة وطحين.. جاء بعد مخاض وعُسر ولادة.. مخاض طال مداه لمعاش باتت قدرته بالكاد تحبو وتزحف.. ما أكرمهم يا ويل البخل!! أين تعيش يا قِسْطاس العدل وأنت تحكم بنصف معاش تلاشت قدرته حتى بات فتات ضاع بين الأضراس..
كيف تفكر؟! أين تعيش؟! هكذا صار الكون لديك خرتيتا أو دونه.. نصف الراتب ما عاد ليكفي غنمة.. هل بات القضاء غنيمة حرب؟! أم صار العدل لديكم رخيص جدا إلى هذه الدرجة؟! هل صار العدل حراج؟! هراء هذا أم هو مزحة..؟! مثل جئنا عليه اليوم “شر البلية ما يضحك”.
هذا “معاش” أم إفساد تمنهجه بنصف معاش.. أنت ترغمه بمد يده.. تحمله على الرشوة رغما عنه.. تفسده بإمعان وإرادة.. ما عاد العدل عزيز.. أنت تهينه وتنتعله من الساس إلى الرأس.. هذا ليس بعدل.. هذا إفساد مكتمل الأركان..
هل سمعتم عن قاض يقتات هواء أو ملح ليعيش.. انت لا تنشد عدلا.. أنت تريد قاض جائع خاضع.. محتاج معوز.. قاض يتوسل منك لقمة عيشه.. نصف الراتب لا يكفي إيجار البيت.. أنت تريد أن تكون له رب النعمة، تأمره وتوجهه حيث شئت وكما ترغب وتريد.. قضاء فقد الحد الأدنى من ذاته واستقلاله وحياده..
أنت تريد قاض وقضاء هش.. تريد قضاء ذل.. لقمة عيشه مغموسة بذله.. نحن في بلاد الإسلام ما عاد لنا في القضاء ملاذ.. ألا يكفيك خزيا أن تفتح معهده لفاشل، وتمنعه عن “عيال الناس”.. والختام هنا ببيت الشعر:
يا شيوخ العُرب يا ملح البلد ***من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
الجوع يحاصرني.. يضرب طوقه على جلدي كجلد حمار.. يخنقني.. ويكتم أنفاسي.. هذا الكهنوت يقتات لقمة عيشي ومعاشي.. يسمن من جوعي.. يتورم ويتبعج من كل مكان.. يتفسخ جلده من سمنته.. ينفجر فسادا كالجيفة.. ما أجيفه..!! تشتم جيفته من خلف حدود الكون إن كان للكون حدود.. تجوع ومن جيفته تتقيأ معدتك المملوءة خواء..
تتناهشنا تماسيح وضباع وسباع.. صرنا مزقا إربا بين الأنياب.. باسم الله نموت في الجبهات، وباسم الله نموت من الجوع.. باسم الله أنت تحيا رغدا ونحن نموت ونجوع.. الله لا يبتز ولا يدفعنا للموت كرها من أجل السلطة.. فلماذا تبتزون دمنا بلقمة عيش؟! وتسوقونا أرتالا محاطب حرب عبثة..
لماذا الإرغام على ما نكره.. تذلونا بفتات ورواتب باتت أصغر من شحة صدقة.. ما أبخلكم يا بخل الويل.. نحن سبع عجاف لا فسحة فيها ولا منفس.. عام مجاعة يذهب، وعام يدركه أشد وأثقل وطأة.. الجباه اتوا على المال مثل جهنّم، بل أشد وأشره منها.. عذرا.. عذرا.. بالعذر ثلاثة وأكثر .. نحن ظلمناك يا جهنم..
قلت لصديقي: ضاق الحال بما تعلم .. ضاق بنا حتى بات أضيق من خُرم الإبرة.. حاول أن تفتح منفس حتى بقطر عقلة أصبع.. لعلي أخرج منخر يشتم نسمة بحر تنعشني من هذا الضيق.. الجو كئيب جدا، والعطن يزاحم بعضه.. الجيف تحاصرني وتكتظ، والجو هنا رطب وعفن..
فأجاب صديقي: ومن أين نجد نسمة بحر تنعشنا، والكون برحابته قد صار مزكوما، وزكامه أكبر منه.. العفن يحاصرنا مثل الجوع.. لا خروج منه ولا هجرة.. طريقك مسدودا بالعفن وبالجوع، وبمنحدر قد تسقط من شاهقه.. في الخارج تيه ورعب سقوط ..
في اليوم ألف مفسدة تحتشد في وجه بصيص النور.. تهاجم كل بصيص لتسود العتمة.. فساد يهرسنا من العظم إلى العظم.. لازلنا منكوبين دون نهاية.. محكومين بجيفِ تقتات الأمعاء.. تعتاش على جثث الموتى وبرك الدم.. ما عاد للفضاء فضاء.. الفضاء بات ملوث بالكربون.. الكون مزكوم يا أصحاب.. ما عاد للكون رحاب..
كل سعة ضاقت، وتلاشى كل فساح.. الحرب تأكلنا من أولنا، والجوع يقتات ما بقي منّا.. الحرب تلاحقنا بشاعتها دمارا وخرابا.. والأمل تلاشى وتبدد.. الحلم الميمون بات سراب.. لا مناص لنا.. لا مفر ولا مهرب، إلا بوعي ثوري يقتلع طغيان الظلم ، والعهد يكون وفاء.. لنعيش ونحيا بعزّة..
اليوم تقتلنا الحرب، وتسحقنا دكاكات الجوع.. وفساد مثل الطوفان.. وكهنوت يعطي قفاه لكل مهول، ويلاحق طفلة ترقص وتحاول أن تنتزع فرحتها من وجه الجوع والموت الباذخ.. فشل مثل الشمس.. وكهنوت يفكر بحياة الأفخاذ وتطورها، ويمعن في التفكير بما تحت السُرّة.. مفارقة تحكي عاهات ومأساة العقل.. كارثة تحتاج قيامة..
تاريخ الكهنوت تحكمه الغلبة.. غارق في قاع محيط من دم.. عفن التاريخ يشتد ويتراكم عفنه.. يستجر ماض ولّى من ألف سنة.. يريد أن يحكم هذا العصر بالفكر المتحجر بالكلس والنُخب الصدئة.. والعودة إلى الزمن الأول، وحروب الإخضاع بالقوة.. غربة وعي متصحّر بألف غياب وضياع.. بوصلة معطوبة من زمن غابر، وعقل مقفل بات بلا مفتاح..
صبري نفذ وأهتد الحيل.. وريال كالنجم هوى إلى الدرك الأسفل حتى صارت طبعته أكبر قيمة منه.. كيف لرذاذ يتلاشى من أول وهلة أن يسقى عاطش تشويه الشمس.. لا زالت أرباب النعمة وولاة الأمر تتوعدنا بجائحة مجاعة أكبر فتكا مما صار..
تجوع المعدة فتقتات دواخلها.. تتغرغر أمعائي فيتشفى فيها، ومن حنجرتي يطلع بعض أنين متقطع بالوجع اللاسع كالنار.. فيقتات التجويع فمي ولساني وحنجرتي حتى يعدم صوتي الموجوع بالجوع.. يشتد الحال ونصير نثار رحى جور وحصار.. ثم ودون حياء يشكوا هو من حصار الأغراب، وهو يتبعج سمنة.. الناس تموت في الحرب وتموت من الجوع.. سبع عجاف أكلتنا وتعيد مأكلنا للمرة الألف ولم تشبع..
أحمد سيف حاشد
- وتتم مأساتي أنا النائب عن هذا الشعب المنكوب.. شعب تغتصب حقوقه ونائبه يريدون اكراهه على التحشيد إن أراد عيش وحقوق..
- هربوا من استحقاقات كشف الفساد ومحاسبة الفاسدين إلى التكليف بالتحشيد مقابل ثلاثمائة ألف ريال هي أصلا من صميم حقوقنا..
- هكذا يكون الابتزاز.. ابتزاز بالحقوق.. غير أن الفساد كان أذكى في الهروب من استحقاقات كشفه فضلا عن محاسبة الفاسدين إلى التحشيد.
جمجمتي تكتظ بقهر الجوع اللاسع والمتراكم سبع عجاف.. أرباب النعمة تبتز الناس بشظف العيش وفتات الصدقة.. نصف “معاش” في رأس العام ما عاد يساوي عُشره، والنصف الأخر في منتصفه.. بين المد والمد، مدٌ يمتد وجحيم.. فتات تصرفه بعد عراك ولجان وكشف الإشعاع الذري..
“معاش” في العام نفسك فيه.. عينك فيه.. طمعك يجتاحه مثل الطوفان.. تحاول صدّه أمام الأعين.. تحتار وتتردد.. تسأل نفسك: هل أصرفه؟! تمعن حولا في عمق التفكير تجوس، وكأنك تريد عبور حدود الكون.. فتات معاش لتراه تحتاج إلى مجهر ..
فتات معاش تبخله علينا وتبتز.. تنز عليه دما وصديدا، وتمن علينا طوال العام.. عيون تأكلنا وتبكيه.. تصرخ فينا ندما: “ما أكثره.. نحن اليوم بحاجته.. حالنا أضيق وحاجتنا أشد.. مسيس الحاجة يشتد.. نحن الحق ونحن أحق..” فتات معاش تراه عين البخل وفيرا جدا جدا..
جبايات الفحش وفرتها تسد وجه الشمس.. وفتات “معاش” تصرفه في العام ما عاد له وزن أو حجم.. سلبت من العمر المهدور حقوقه.. كف الشح الخشبية تصرف صدقة.. وإن طالبنا بأكثر؛ فعلينا أن نهرع إلى الجبهة على اربع.. وفي الجبهة الموت المستعجل يقول لك: مُت شهيدا يا هذا، ولا تمن على الله بموتك.. أنت مع الله تجاهد..
من أين جاء كل هذا الشح؟! من أين أتى هذا البخل الفاحش؟! البخل دميم جدا.. تأخذ تريليونا ولا تعطي فتات في الشهر لأستاذ يربي الجيل.. لماذا تنتعل التعليم؟! لماذا تريد الجهل يعلو ويسود؟! لماذا تهين الأحرار وتريد أن تستعبدهم؟! ثم تقول لنا “هيهات منّا الذلة”..
تجبي الترليون ولا تعطي نتفة.. وإن أعطيت فتاتا تبدو كمن أنتزع قلبك من بين ضلوعك رغما عنك.. جهنم تخجل مما تفعل.. هذا بخلا، أم فحشا في البخل، أم فحش الطغيان..؟! جاري التعذيب وما كنت أظن أني سأبقى أتعذب سبع عجاف، ويريني الله هذا البخل المرعب، وسادية هذا الطغيان..
عفوا .. عفوا.. عذر بثلاث وأكثر يا جهنم..
وإن كنت قاض ابشر بنصف معاش.. جاء هذا النصر بعد جعجعة وطحين.. جاء بعد مخاض وعُسر ولادة.. مخاض طال مداه لمعاش باتت قدرته بالكاد تحبو وتزحف.. ما أكرمهم يا ويل البخل!! أين تعيش يا قِسْطاس العدل وأنت تحكم بنصف معاش تلاشت قدرته حتى بات فتات ضاع بين الأضراس..
كيف تفكر؟! أين تعيش؟! هكذا صار الكون لديك خرتيتا أو دونه.. نصف الراتب ما عاد ليكفي غنمة.. هل بات القضاء غنيمة حرب؟! أم صار العدل لديكم رخيص جدا إلى هذه الدرجة؟! هل صار العدل حراج؟! هراء هذا أم هو مزحة..؟! مثل جئنا عليه اليوم “شر البلية ما يضحك”.
هذا “معاش” أم إفساد تمنهجه بنصف معاش.. أنت ترغمه بمد يده.. تحمله على الرشوة رغما عنه.. تفسده بإمعان وإرادة.. ما عاد العدل عزيز.. أنت تهينه وتنتعله من الساس إلى الرأس.. هذا ليس بعدل.. هذا إفساد مكتمل الأركان..
هل سمعتم عن قاض يقتات هواء أو ملح ليعيش.. انت لا تنشد عدلا.. أنت تريد قاض جائع خاضع.. محتاج معوز.. قاض يتوسل منك لقمة عيشه.. نصف الراتب لا يكفي إيجار البيت.. أنت تريد أن تكون له رب النعمة، تأمره وتوجهه حيث شئت وكما ترغب وتريد.. قضاء فقد الحد الأدنى من ذاته واستقلاله وحياده..
أنت تريد قاض وقضاء هش.. تريد قضاء ذل.. لقمة عيشه مغموسة بذله.. نحن في بلاد الإسلام ما عاد لنا في القضاء ملاذ.. ألا يكفيك خزيا أن تفتح معهده لفاشل، وتمنعه عن “عيال الناس”.. والختام هنا ببيت الشعر:
يا شيوخ العُرب يا ملح البلد ***من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟!
الجوع يحاصرني.. يضرب طوقه على جلدي كجلد حمار.. يخنقني.. ويكتم أنفاسي.. هذا الكهنوت يقتات لقمة عيشي ومعاشي.. يسمن من جوعي.. يتورم ويتبعج من كل مكان.. يتفسخ جلده من سمنته.. ينفجر فسادا كالجيفة.. ما أجيفه..!! تشتم جيفته من خلف حدود الكون إن كان للكون حدود.. تجوع ومن جيفته تتقيأ معدتك المملوءة خواء..
تتناهشنا تماسيح وضباع وسباع.. صرنا مزقا إربا بين الأنياب.. باسم الله نموت في الجبهات، وباسم الله نموت من الجوع.. باسم الله أنت تحيا رغدا ونحن نموت ونجوع.. الله لا يبتز ولا يدفعنا للموت كرها من أجل السلطة.. فلماذا تبتزون دمنا بلقمة عيش؟! وتسوقونا أرتالا محاطب حرب عبثة..
لماذا الإرغام على ما نكره.. تذلونا بفتات ورواتب باتت أصغر من شحة صدقة.. ما أبخلكم يا بخل الويل.. نحن سبع عجاف لا فسحة فيها ولا منفس.. عام مجاعة يذهب، وعام يدركه أشد وأثقل وطأة.. الجباه اتوا على المال مثل جهنّم، بل أشد وأشره منها.. عذرا.. عذرا.. بالعذر ثلاثة وأكثر .. نحن ظلمناك يا جهنم..
قلت لصديقي: ضاق الحال بما تعلم .. ضاق بنا حتى بات أضيق من خُرم الإبرة.. حاول أن تفتح منفس حتى بقطر عقلة أصبع.. لعلي أخرج منخر يشتم نسمة بحر تنعشني من هذا الضيق.. الجو كئيب جدا، والعطن يزاحم بعضه.. الجيف تحاصرني وتكتظ، والجو هنا رطب وعفن..
فأجاب صديقي: ومن أين نجد نسمة بحر تنعشنا، والكون برحابته قد صار مزكوما، وزكامه أكبر منه.. العفن يحاصرنا مثل الجوع.. لا خروج منه ولا هجرة.. طريقك مسدودا بالعفن وبالجوع، وبمنحدر قد تسقط من شاهقه.. في الخارج تيه ورعب سقوط ..
في اليوم ألف مفسدة تحتشد في وجه بصيص النور.. تهاجم كل بصيص لتسود العتمة.. فساد يهرسنا من العظم إلى العظم.. لازلنا منكوبين دون نهاية.. محكومين بجيفِ تقتات الأمعاء.. تعتاش على جثث الموتى وبرك الدم.. ما عاد للفضاء فضاء.. الفضاء بات ملوث بالكربون.. الكون مزكوم يا أصحاب.. ما عاد للكون رحاب..
كل سعة ضاقت، وتلاشى كل فساح.. الحرب تأكلنا من أولنا، والجوع يقتات ما بقي منّا.. الحرب تلاحقنا بشاعتها دمارا وخرابا.. والأمل تلاشى وتبدد.. الحلم الميمون بات سراب.. لا مناص لنا.. لا مفر ولا مهرب، إلا بوعي ثوري يقتلع طغيان الظلم ، والعهد يكون وفاء.. لنعيش ونحيا بعزّة..
اليوم تقتلنا الحرب، وتسحقنا دكاكات الجوع.. وفساد مثل الطوفان.. وكهنوت يعطي قفاه لكل مهول، ويلاحق طفلة ترقص وتحاول أن تنتزع فرحتها من وجه الجوع والموت الباذخ.. فشل مثل الشمس.. وكهنوت يفكر بحياة الأفخاذ وتطورها، ويمعن في التفكير بما تحت السُرّة.. مفارقة تحكي عاهات ومأساة العقل.. كارثة تحتاج قيامة..
تاريخ الكهنوت تحكمه الغلبة.. غارق في قاع محيط من دم.. عفن التاريخ يشتد ويتراكم عفنه.. يستجر ماض ولّى من ألف سنة.. يريد أن يحكم هذا العصر بالفكر المتحجر بالكلس والنُخب الصدئة.. والعودة إلى الزمن الأول، وحروب الإخضاع بالقوة.. غربة وعي متصحّر بألف غياب وضياع.. بوصلة معطوبة من زمن غابر، وعقل مقفل بات بلا مفتاح..
صبري نفذ وأهتد الحيل.. وريال كالنجم هوى إلى الدرك الأسفل حتى صارت طبعته أكبر قيمة منه.. كيف لرذاذ يتلاشى من أول وهلة أن يسقى عاطش تشويه الشمس.. لا زالت أرباب النعمة وولاة الأمر تتوعدنا بجائحة مجاعة أكبر فتكا مما صار..
تجوع المعدة فتقتات دواخلها.. تتغرغر أمعائي فيتشفى فيها، ومن حنجرتي يطلع بعض أنين متقطع بالوجع اللاسع كالنار.. فيقتات التجويع فمي ولساني وحنجرتي حتى يعدم صوتي الموجوع بالجوع.. يشتد الحال ونصير نثار رحى جور وحصار.. ثم ودون حياء يشكوا هو من حصار الأغراب، وهو يتبعج سمنة.. الناس تموت في الحرب وتموت من الجوع.. سبع عجاف أكلتنا وتعيد مأكلنا للمرة الألف ولم تشبع..