تفاصيل من خلف قضبان الأمنية الثانية بمأرب.. تغييب قسري وصفقات مشبوهة بين الإصلاح والحوثي
معين برس- خبر للأنباء:
أفادت مصادر خاصة بوكالة “خبر”، أن حزب الإصلاح، “تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن”، اخترق المقاومة الشعبية في محافظة مأرب (شمال شرقي اليمن)، وأصبح يمثل قوة عميقة بداخلها، واستحداثه أجهزة ضبط موازية للأقسام الشرطوية والمباحث العامة التابعة لوزارة الداخلية، واستخدام ذلك لتصفية أغراض ضد المناوئين للتنظيم، علاوة عل عقد صفقات مشبوهة مع المليشيا الحوثية في إطار المصالح المشتركة.
تفاصيل حصرية، وقصص ما بين مثيرة للشكوك وأخرى مأساوية، كشفتها مصادرنا من خلف قضبان معتقلات ما تسمى بـ”المناطق الأمنية بمأرب”، البالغة أربع مناطق، والتي قد يزيد عددها في ظل عملها بصورة سرية ومخالفة للقانون، وتغييبها عشرات المعتقلين دونما الإفصاح عن مصيرهم حتى تقرر ذلك بنفسها بعد ابتزازهم مادياً ونفسياً.
تقول مصادر في سجون المنطقة الثانية، إنه تم تقسيم المساحة الجغرافية المحررة من محافظة مأرب إلى أربع مناطق أمنية، كل منطقة تضم عدداً من السجون السرية التي بداخلها مئات المخفيين، تتولى إدارتها بشكل ظاهري المقاومة الشعبية، فيما المسؤولون المباشرون قيادات من حزب الإصلاح.
وبحسب المصادر، فإن مئات العتقلين تعج بهم عنابر سجون تلك المناطق، بينهم المسافر والجندي، والمتجول ليلا.. البريئ والمدان.. ولكن كل ذلك يُزاول بالمخالفة، والتهمة المعدَّة سلفا لكل من يتم اعتقاله “أنت حوثي”، وهي التهمة الرديفة لكل من تعتقله المليشيا الحوثية في مناطق سيطرتها “أنت داعشي ومرتزق”، وكلاهما ممارسات مليشاوية تفتت هيكل الدولة وأمنها.
ووفق المصادر، يقوم أفراد يتبعون ما تسمى بالمناطق الأمنية بحملات اعتقالات تطال الجميع، على متن أطقم عسكرية، بذريعة مخالفة الحظر، ومن ثم تبدأ عملية الفرز واستهداف من يقع في الاحتجاز من أفراد القوات الحكومية، وتحديداً العناصر الوطنية التي لا توالي الإخوان المسلمين، من بينهم الجرحى الذين أصيبوا في جبهات القتال وتعافوا لاحقاً أو الذين يعانون من إعاقات.
وذكرت أن من بين المعتقلين شباباً إمّا خرجوا لشراء ماء للشرب، أو الدواء، أو الطعام، تحت ظروف استثنائية، علاوة على اصحاب متاجر أبقوا محلاتهم مفتوحة بعد الثانية عشرة ليلا لغرض توفير احتياج السكان، وجميعهم يتم احتجازهم ومصادرة هواتفهم، وتغييبهم لأيام وأسابيع لغرض ابتزازهم ماديا خصوصا الذين يتم العثور في هواتفهم على “زوامل حوثية، أو أغان شبابية وصور فنانات”، بذريعة انهم مندسون ومخبرون، وعند قدوم أقاربهم للبحث عنهم، يتم إنكار وجودهم أو معرفة أماكن احتجازهم.
وتوضح المصادر، أن معظم الأغاني والزوامل والصور يتم تنزيلها تلقائيا من مجموعات تطبيق الواتساب، فضلا عن أن هناك بين أوساط العناصر التي تمارس الاحتجازات من يستمع إلى زوامل الحوثي، ولكن ابتزاز الآخرين، حد مغادرة المدينة عشرات الأسر والعاملين فيها، جراء تلك الضغوط والممارسات العدوانية والعنصرية.
وأكدت المصادر، أن هناك عشرات المعتقلين تم احتجازهم في النقاط الأمنية على أطراف مديريات ومدينة مأرب، أثناء قدومهم من محافظات صعدة، عمران، ذمار، وغيرها، معظمهم متورطون مع المليشيا الحوثية، ويتم معاملتهم بصورة باذخة في العلاقات والمصالح المشتركة بين الجانبين، بعكس التضييق ضد من ينتمون للقوات الحكومية الشرعية والذين يحثّون على قتال الحوثي بشكل أوسع وتحرير المواقع والمديريات التي سيطرت عليها.
صفقة مشبوهة
أحد المحتجرين في المنطقة الثانية، أفاد وكالة خبر، بوصول محتجز جديد، الأسبوع الماضي، إلى العنبر الذي يتم احتجازهم داخله، “من بين عدّة عنابر أخرى”، كان يطلق عليه اسم “تركي”، وحين سأله المحتجزون عن المحافظة التي كان قادما منها قبل احتجازه، قال: “من الجوف”، وأضاف بجرأة: “أنا تبع السيد رأساً وعد أخرج”.
لم يكن “تركي” مبالغاً حين قال ذلك، فهو بحسب شهود عيان في المعتقل، كان يرتدي سلسلة حديدية على معصمه تحمل رقماً، وهي ذات السلاسل التي يرتديها عناصر المليشيا لإثبات هوياتهم حين تتفحم أو تتمزق جثثهم أثناء المعارك، ولعل هذه الحادثة هي ما أكد للمحتجزين عمق العلاقة بين الطرفين، واستهداف العناصر الحاثة على قتال المليشيا.
المصدر المحتجز أوضح أن مسؤولي السجن كانوا يقومون بإخراج “تركي”، بين الحين والآخر ثاني أيام اعتقاله، لإجراء مكالمات هاتفية بشخص قِيل إنه الضمين، ويقيم في المملكة العربية السعودية، وبدوره كلَّف شخصا آخر بالمتابعة من محافظة حجة.
وفي صدد الحديث عن “تركي”، يضيف مصدرنا: “بعد تواصل تركي بالضمين كان يتم إخراجه من المعتقل ليغيب ساعات طويلة، وعند عودته كان يقول لهم إن الضمين أرسل مبلغا ماليا كبيرا للمسؤول على السجن مقابل نقله إلى فندق مجاور والسماح له بالبقاء فيه لساعات واعادته المعتقل في وقت متأخر، إلى حين وصول الشخص المكلّف بمتابعة الضمانة واستكمال إجراءاتها، ليتم الإفراج عنه في وقت قياسي لغرض استخراج جواز سفر من مأرب والسفر إلى السعودية، بحسب إفادة “تركي” نفسه لهم”.
مصادر أخرى رجحت أن صفقة مالية أبرمها الضمين والمسؤولون عن السجن مقابل السماح لـ”تركي” بالخروج لاستخراج جواز سفر، ومغادرة البلاد نحو السعودية، خصوصا وعناصر المليشييا تدرك جيدا عدم قدرتها الوصول إلى محافظة عدن خشية اعتقاله بعد أن ثبت تورطه بعمق العلاقة التنظيمية مع المليشيا الحوثية، ذلك ما أثارت حوله الشكوك أكثر.
مصادر “خبر” أفادت أن مسؤول سجن المنطقة الثانية يدعى “أبو علي”، بينما نائبه هو من يدير أعماله، وبداخل المعتقل قرابة 500 محتجز.
قصّة محتجز
محتجز آخر، طلب عدم ذكر اسمه، روى لوكالة خبر، أسباب احتجازه، التي قال إنها نتيجة عمله في أحد المحال التجارية ليلا، الذي تعرض لمداهمة ضمن أخرى، لمداهمة ليلية انتهت بتغييبه في سجون “الإصلاح” بالمنطقة الأمنية الثانية لأكثر من 10 أيام.
ويضيف، “حاول نائب مدير المنطقة أن يمارس ضغوطاً ضدي، بعد أن رفض الإفصاح لأحد أقاربي عن وجودي لديهم، واتهمني بالعمالة مع مليشيا الحوثي لإدراكه المسبق أني من أشد المطالبين باستعادة ما خسرته القوات الحكومية الأشهر الأخيرة من مواقع ومساحات واستكمال تحرير المحافظة”.
وأوضح، أنه تم منعه من التواصل بأحد أقاربه أو معارفه وإبلاغه باعتقاله لمتابعة قضيته، ولولا شهود عيان من الجيران أدلوا لأحد أصدقائه بمعلومات عن نوع الطقم العسكري الذي اقتاده، ربما لطالت فترة تغييبه بدون ذنب، حد تعبيره.
وبحسب “المحتجز”، طلب نائب المنطقة بطريقة غير مباشرة مبلغا ماليا، وعند تجاهل ذلك قام بعرقلة إطلاق سراحه لأكثر من 10 أيام، -بالرغم من صدور أمر الافراج- حينا بحجة غياب “مسؤول الزنزانة” وآخر تحت مسمى “تعرض هاتف المعتقل الثمين للكسر والتلف” لغرض مصادرته.
وأفاد أنه تحت الضغوط النفسية والجسدية تم تبصيمه وهو معصوب العينين، على أوراق لا يعرف ما يتضمن محتواها، اتضح لاحقا أنه كُتب عليها اعترافات بابتزازه فتيات، واستخدامه أرقاما وهمية، بحسب ما ذكر له أحد الوسطاء حينما كان يتابع قضيته فيقدمها له مدير السجن، دونما السماح له بمقابلة الشخص المحتجز، وذلك لمواجهة المعتقل بها وابتزازه مادياً.
وذكر أن أحد باعة نبتة القات بالمدينة، أُعتقل تعسفا من قبل أحد أفراد تلك العناصر بعد أن دخل في مشادة كلامية انتهت بإشهار الأخير سلاحه الشخصي في وجه البائع، واقتياده لاحقا إلى المعتقل وتلفيق تهمة ضده مضمونها “حفر خنادق مع المليشيا الحوثية”، مشيراً إلى أن البائع ما زال يقبع خلف القضبان لأكثر من 45 يوماً.
ويؤكد أن عشرات المعتقلين الذين تربطهم علاقة بمليشيا الحوثي يتم الإفراج عنهم في أقل من أسبوع. في حين البقية يبقون عرضة للابتزاز المادي والتطفيش من المحافظة، وجريمتهم الوحيدة أنهم لا يكنّون أي ولاء سياسي أو حزبي لحزب الإصلاح.
وتبقى المعتقلات الخارجة عن إطار القانون العام للدولة اليمنية مصدر قلق وابتزاز، فضلاً عن تفتيتها دور الأجهزة الحكومية التي تعمل بالإنابة عنها.