“طلاق فضائي” بين #موسكو و #واشنطن

لهذه الأسباب أعلنت روسيا انسحابها من المحطة الفضائية الدولية

كتب/ سامي عمارة*

ما أعلنته موسكو حول انسحابها من المحطة الفضائية الدولية ليس جديداً. وليس صحيحاً ما صدر عن “البيت الأبيض” من تصريحات تقول إن الولايات المتحدة فوجئت بهذا القرار. يعلم القاصي والداني في موسكو وخارجها أن السلطات المعنية الروسية أعلنت عن ذلك في أبريل (نيسان) من العام الماضي على لسان دميتري روغوزين، الرئيس السابق لمؤسسة “روس كوسموس” الذي كان أشار في إطار تناوله لخطط روسيا حول الانسحاب من مشروع محطة الفضاء الدولية، إلى نفي ما قيل حول “استعداده لتمديد عمل محطة الفضاء الدولية حتى عام 2030”. ونمضي إلى ما هو أبعد، باستعادة ما قاله روغوزين حول إن “التفاعل المستقبلي مع الأميركيين في إطار محطة الفضاء الدولية، سيعتمد على موقف الولايات المتحدة”. وأضاف أيضاً “كل شيء في أيدي شركائنا الأميركيين. إذا استمرت العقوبات ضد بروغرس و TsNIIMash ولم يتم التنصل منها في المستقبل القريب، فإن قضية انسحاب روسيا من محطة الفضاء الدولية ستكون مشكلة لشركائنا الأميركيين”. وكانت الولايات المتحدة فرضت في ديسمبر (كانون الأول) 2020، عقوبات على 45 منظمة روسية، بما فيها المعهد المركزي لأبحاث الهندسة الميكانيكية “TsNIIMash” ومركز “بروغرس” للصواريخ الفضائية.

دهشة إزاء صدور قرار الانسحاب

ونضيف إلى ذلك ما أعلنه أيضاً في العام الماضي يوري بوريسوف، نائب رئيس الوزراء السابق، الذي أصدر الرئيس فلاديمير بوتين قرار تعيينه رئيساً جديداً لمؤسسة “روس كوسموس” بديلاً لروغوزين، حول حقيقة أن روسيا قررت التخلي عن استخدام محطة الفضاء الدولية وإنشاء محطتها المدارية الخاصة بها. وأوضح أن روسيا تعتزم تحذير شركاء المحطة من الانسحاب من المشروع اعتباراً من عام 2025.

وفي أول رد فعل رسمي على ما أصاب الدوائر الأميركية من دهشة إزاء صدور قرار الانسحاب من محطة الفضاء الدولية، قال دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين، “إن قرار انسحاب روسيا من مشروع محطة الفضاء الدولية بعد 2024، لم يتم اتخاذه في 26 يوليو (تموز) الحالي، ولكن قبل ذلك”. وعلى الرغم من أن بيسكوف لم يقدم أية تفاصيل أخرى حول إنهاء مشاركة روسيا الاتحادية في المشروع، فإن ما جرى “تسريبه” من معلومات، يعود تاريخها إلى السادس من يوليو الحالي، يقول إن موسكو كانت ولا تزال جادة في ما تقوله على الدوام، إن لديها الكثير من البدائل التي يمكنها من خلالها الرد على كل ما تفرضه الولايات المتحدة من عقوبات، وما تمارسه من ضغوط. وكان دميتري ستروغوفيتس رئيس الجهاز الصحافي في مؤسسة “روس كوسموس”، كشف في 6 يوليو الحالي عن معلومات تقول، “إن محطة الفضاء الدولية يمكن أن تنزل إلى ارتفاع ستبدأ عنده في الاحتراق في طبقات كثيفة من الغلاف الجوي على مدى عامين إلى خمسة أعوام، في حين أن مدارها يمكن أن يتم تصحيحه فقط بالوسائل الروسية”. ولعل ذلك يمكن أن يكون تفسيراً لما قاله روغوزين حول عدم وجود أية تقارير حول استعداد روسيا لتمديد عمل محطة الفضاء الدولية حتى عام 2030، وما صدر عن يوري بوريسوف من منصبه السابق كنائب لرئيس الوزراء، حول “حقيقة أن روسيا قررت التخلي عن استخدام محطة الفضاء الدولية، وإنشاء محطتها المدارية الخاصة بها”.

“عفا عليها الزمن بشكل خطير”

وكانت الحكومة الروسية، وبحسب موقع Vesti.ru ، عرضت التحدث مسبقاً مع الشركاء الأجانب. وأشار الموقع الإلكتروني لشبكة الأخبار الروسية الرسمية، إلى أن يوري بوريسوف نائب رئيس الوزراء “حذرهم بصدق من ضرورة مغادرة محطة الفضاء الدولية اعتباراً من عام 2025، على اعتبار أن ذلك يعود إلى حقيقة أن محطة الفضاء الدولية “عفا عليها الزمن بشكل خطير”. وكانت المصادر الصحافية نقلت عن دميتري روغوزين الرئيس السابق لمؤسسة “روس كوسموس”، ما قاله أثناء مناقشة الرحلات المأهولة إلى القمر والبعثات إلى المريخ، حول ما جرى اتخاذه من قرارات بشأن “تطوير محركات تعمل بالطاقة النووية”، فضلاً عما أكده بشأن “وجود تصميمات حقيقية لوحدة النقل والطاقة”، وصفها بأنها “ستكون اختراقاً”. وكانت وكالة “تاس” نقلت عن الجهاز الصحافي لمؤسسة  Roscosmos ما قاله روغوزين، حول إن “لدى روسيا فترة عمل في المحطة متفق عليها مع شركاء في محطة الفضاء الدولية – 2024. بعد هذه الفترة، سيتم اتخاذ القرار بناءً على الحالة الفنية لوحدات المحطة، التي وصلت أساساً إلى نهاية عمرها الافتراضي، بالإضافة إلى خططنا لنشر محطة خدمة مدارية وطنية من الجيل الجديد”.

أما عن الأسباب التي دعت موسكو إلى اتخاذ مثل هذا القرار في مثل هذا التوقيت، فإنها ليست في حاجة إلى تفسير، على ضوء ما صدر من معلومات وتقارير حول الحالة الفنية للمحطة المدارية الدولية، فضلاً عما اتخذته الولايات المتحدة من قرارات، وما فرضته من قيود وعقوبات وضغوط ضد روسيا في أعقاب بداية “العملية العسكرية الروسية الخاصة” في أوكرانيا.

“عناصر معطلة”

 وكانت المصادر العلمية الروسية خلصت إلى ضرورة اتخاذ مثل هذا القرار، وهو الذي سبق واقترحته أيضاً شركة Energia Rocket and Space ، المشغل للجزء الروسي من محطة الفضاء الدولية في نهاية عام 2020، بشأن “التخلي عن التشغيل الإضافي للمحطة”. ونقلت المصادر الصحافية الروسية عن فلاديمير سولوفيوف، النائب الأول لمدير عام Energia  والعضو المراسل في الأكاديمية الروسية للعلوم، ما قاله حول “إن عدداً من العناصر في المحطة معطلة، وبعد عام 2025 ستأخذ هذه العملية طابع الانهيار الجليدي”. وقالت المصادر إن سولوفيوف “اقترح التركيز على إنشاء محطة مدارية وطنية جديدة”.

وتعليقاً على هذه الأنباء وما يحتدم حولها من جدل يرتبط في معظمه بعلاقات روسيا مع الولايات المتحدة والدوائر الغربية، يبدو ما يشبه الإجماع حول صحة ما اتخذته موسكو من قرار، وصفه المراقبون بأنه “صائب” وصدر في الوقت المناسب، في الوقت نفسه الذي أكدوا فيه أن “الطلاق مع الولايات المتحدة يجب ألا يترك روسيا من دون وجود في الفضاء”، على حد تعبير REN TV. وقالت مصادر هذه القناة التلفزيونية الخاصة إن سبب الانسحاب من مشروع محطة الفضاء الدولية يعود إلى الحالة الفنية لوحدات المحطة، والتكلفة العالية لخدمة الأجزاء القديمة، والتي تمت مناقشتها مرة أخرى في أبريل (نيسان) 2022.

 وفي معرض لقائه مع الرئيس فلاديمير بوتين، قال يوري بوريسوف الرئيس الجديد لمؤسسة “روس كوسموس”، إن “موسكو لا تزال تواصل العمل في إطار التعاون الدولي بشأن محطة الفضاء الدولية”. وأضاف “بالطبع سنفي بجميع التزاماتنا تجاه شركائنا، لكن القرار والانسحاب من هذه المحطة بعد عام 2024 قد تم اتخاذه. أعتقد أنه بحلول هذا الوقت سنبدأ بتشكيل المحطة المدارية الروسية”.

“أدت الغرض”؟

ومضى بوريسوف يقول إن مستقبل رواد الفضاء الروس يجب أن يقوم على “برنامج علمي متوازن ومنهجي”، فيما أشار إلى “أن كل رحلة فضائية يجب أن تثري البلاد بالمعرفة في مجال الفضاء”. وكان من المفترض أن تكون روسيا قادرة على الانتقال إلى محطة فضائية جديدة، والتي تم العمل المكثف بشأن إعدادها منذ عام 2021. ونقلت REN TV عن إيفان مويسيف، رئيس معهد سياسة الفضاء، تصريحاته حول أن “محطة الفضاء الدولية أدت الغرض الذي قامت من أجله”، كما أن قرار استكمال عمل الجزء الروسي من محطة الفضاء الدولية حتى عام 2024، تم اتخاذه في أبريل 2021 في اجتماع مع الرئيس. وأوضح أن “2024-2025 هو الوقت الذي يتم فيه توقيع جميع العقود والاتفاقيات. أي أننا لا نفعل شيئاً، فنحن ببساطة لا نمد العمل، كما حدث مرات عدة من قبل”. وأشار مويسيف إلى أن محطة الفضاء الدولية موجودة على شكل جزئين: روسي وأميركي، وسيتم تشغيل الأخير حتى عام 2030. وتابع “يجب أن نزيل الجزء الخاص بنا في 2024-2025. لم يتم انتهاك أي اتفاقيات هنا. بعد ذلك، يتم إنهاء البرنامج المأهول”.

أما رائد الفضاء الروسي ألكسندر لازوتكين فقال إنه يعتقد أن محطة الفضاء الدولية “قد أدت الغرض منها بالفعل”، لذلك لا حرج في بيان روسيا بشأن الانسحاب من البرنامج. وحول “أن روسيا ستنشئ محطة فضائية جديدة”، أوضح أن “المحطة المدارية الدولية” ومن حيث المبدأ، أوفت بما أقيمت من أجله. لقد تعلمت كل أوروبا بالفعل كيفية صنع تكنولوجيا الفضاء، وأصبح الجميع أكثر ذكاءً، وتواصلوا معنا ومع الولايات المتحدة في ما يتعلق بتطورهم التقني. لذلك علينا أن نأخذ خطوات جديدة في الفضاء”.

الوقت لإنشاء المحطة

وعودة إلى إيفان مويسيف، الذي نقلت عنه قناة REN TV تصريحاته حول أنه يتعين على رواد الفضاء الآن الاستعداد لما وصفه بـ”غمر” الجزء الروسي، حين قال إن “هذه مهمة كبيرة وصعبة، وهي ليست بهذه البساطة. في وقت ما، أغرقنا محطة (مير) الروسية بالطريقة نفسها”. أما عن الوقت المحتمل الضروري لإنشاء المحطة المدارية الروسية الجديدة، يعتقد مويسيف “أن تحقيقه لن يكون ممكناً بسرعة، سيستغرق الأمر أكثر من 10 سنوات”. وأضاف رائد الفضاء ألكسندر لازوتكين قوله، “دعونا نطير إلى القمر… ليس هناك شك أيضاً. يمكننا بالفعل صنع معدات لمواصلة استكشاف الفضاء لكوكب آخر، بشكل غير مكتمل”.

وفي مؤتمره الصحافي الذي عقده بهذه المناسبة، قال بوريسوف إن روسيا مدعوة إلى أن “تعمل في إطار التعاون الدولي في محطة الفضاء الدولية، وسوف تفي، بطبيعة الحال، بجميع التزاماتها تجاه الشركاء، إلا أن ذلك يعني أن قرار مغادرة المحطة بعد عام 2024 قد تم اتخاذه بالفعل”. واستطرد بوريسوف قائلاً: “أعتقد أنه بحلول هذا الوقت، سنبدأ في إنشاء محطتنا المدارية الروسية الخاصة”، ووفقاً له، سوف تصبح الأولوية الرئيسية لمؤسسة “روس كوسموس” للملاحة الفضائية المأهولة، مؤكداً أن موسكو “ستواصل البرنامج المأهول وفقاً للخطط المعتمدة، على أن تكون الأولويات الرئيسة لإنشاء المحطة المدارية الروسية”. وحول المهام الملقاة على عاتقه بحكم تكليفه بهذه المهمة الجدية، قال بوريسوف: “إن صناعة الفضاء تواجه أوقاتاً صعبة، حيث أرى مهمتي الرئيسة، جنباً إلى جنب مع زملائي، ليست انخفاضاً وإنما رفعاً للمستوى، من خلال تزويد الاقتصاد الروسي بالخدمات الفضائية اللازمة، وعلى رأسها الملاحة والاتصالات ونقل البيانات والأرصاد الجوية والمعلومات الجيوديسية وغيرها”. من جانبه، أكد المدير التنفيذي لشركة الرحلات المأهولة التابعة لـ “روس كوسموس”، رائد الفضاء سيرغي كريكاليف، في تصريحات نقلتها وكالة “إنترفاكس” الروسية، “أن الشركة لم تحدد موقفها بعد بشأن تمديد استخدام المحطة الفضائية الدولية لرحلاتها”.

ردود أميركية

أما عن ردود أفعال الجانب الأميركي، فقد تناقلتها الصحف والمصادر الروسية عن روبين غاتينز، مدير محطة الفضاء الدولية في وكالة “ناسا”، الذي كشف أن وكالة “ناسا” الفضائية الأميركية لم تتلق أي كلمة رسمية من روسيا بشأن قرار الانسحاب من محطة الفضاء الدولية”. وأضاف أن “الروس، مثلنا تماماً، يفكرون مسبقاً في الخطوة التالية بالنسبة لهم. نظراً إلى أننا نخطط للانتقال بعد عام 2030 إلى محطات فضائية تعمل تجارياً في مدار أرضي منخفض، فلديهم خطة مماثلة. لذا هم يفكرون في هذا الانتقال أيضاً”. وخلص مراقبون كثيرون إلى “أن انسحاب روسيا من مشروع المحطة المدارية الدولية سيكون بمثابة ضربة كبيرة لمحطة الفضاء الدولية، وهي نموذج للتعاون الدولي على مدى عقود طويلة”.

ومن المعروف وبحسب المصادر الصحافية، أن “محطة الفضاء الدولية، عبارة عن مشروع مشترك للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا واليابان وكندا ووكالة الفضاء الأوروبية، بدأ نشاطه اعتباراً من عام 2000. وقد شارك في رحلات هذه المحطة المدارية أكثر من 200 رائد فضاء من 19 دولة مختلفة، ما مثل وجوداً بشرياً مستمراً في الفضاء. وتنقسم المحطة المدارية إلى قسمين: الجزء المداري الروسي والجزء المداري الأميركي. وكانت إدارة الرئيس جو بايدن أعلنت في ديسمبر أنها ملتزمة بتمديد محطة الفضاء الدولية من عام 2024 إلى عام 2030. لكن روسيا، الشريك الأول لـ”ناسا” في محطة الفضاء الدولية، لم توقع عليها. كما تناقلت المصادر الصحافية الروسية ما قاله غاريت ريسمان رائد الفضاء السابق في “ناسا”، لشبكة CNN  في فبراير (شباط) الماضي: “لا يمكن أن يعمل الجزء الروسي من دون الكهرباء على الجانب الأميركي، ولا يمكن للجانب الأميركي العمل من دون أنظمة الدفع الموجودة على الجانب الروسي. لذا لا يمكنك الطلاق ودياً. لا يمكنك القيام بفك” ما وصفه بـ”الاقتران الواعي”.

  • المصدر: الاندبندنت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى