الانتخابات السورية: انقلابات وانشقاقات وقمع، حكاية عائلة الأسد مع السلطة “تقرير”

معين برس- بي بي سي:

تشهد سوريا في 26 مايو/ أيار الجاري انتخابات رئاسية ستفضي إلى فوز شبه مؤكد للرئيس بشار الأسد بفترة رئاسية ثالثة، في تصويت تصفه واشنطن والمعارضة السورية بأنه مهزلة تهدف إلى تكريس حكمه الاستبدادي، بحسب وكالة رويترز للأنباء.

وتحكم أسرة الأسد سوريا منذ 5 عقود بمساعدة أجهزة الأمن والجيش، وتهيمن الأقلية العلوية على شؤون البلاد.

ومرت هذا العام 10 سنوات على اندلاع الحرب الأهلية التي انطلقت شرارتها عندما قمعت أجهزة الأمن بعنف مفرط تظاهرات دعت إلى إصلاحات وللحد من سطوة أجهزة الأمن.

وجذب الصراع السوري قوى عالمية واقليمية وأسفر عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين ودمار واسع أعاد سوريا عقوداً الى الوراء، لكنه يقترب من نهايته بعد أن عادت للأسد السيطرة على معظم أنحاء البلاد بدعم من حلفائه الروس والإيرانيين.


ما هي حكاية عائلة الاسد مع السلطة؟

في كتابه “تاريخ سورية الحديث.. عهد حافظ الاسد 1971 – 2000″، قال الباحث السوري هاشم عثمان إن حافظ الأسد ولد في مدينة القرداحة في محافظة اللاذقية بسوريا في 6 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1930، ولقب الأسد أطلقه المطران المسيحي أرسلانيوس حداد على جده سليمان الذي قام بحماية المسيحيين من الاضطهاد وإيوائهم أيام الحرب العالمية الأولى ولما رأى هيئته قال متحمسا: “هذا أسد”.

ودخل الرئيس الراحل كلية الطيران وتخرج طياراً حربياً، وسرح من الخدمة بعد وقوع الانفصال بين مصر وسوريا سنة 1961، ولما استولى حزب البعث على الحكم في 8 مارس /آذار من عام 1963 أعيد إلى الخدمة ليبدأ نجمه في الصعود ويرّفع في أقل من سنتين من رتبة رائد إلى رتبة لواء طيار، وعين قائداً للقوى الجوية وانتخب عضواً في مجلس قيادة الثورة حسب ما جاء في الكتاب.

كما انتخب عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث وتولى منصب وزير الدفاع قبل أن يصبح رئيسا للدولة في أعقاب ما عرف بـ “الحركة التصحيحية”.

ففي 16 نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1970 قاد الأسد ما يسمى بـ “الحركة التصحيحية” حيث جرى اعتقال القيادي البعثي والحاكم الفعلي لسوريا صلاح جديد والرئيس نور الدين الأتاسي وعدد من القيادات البعثية.

وبعد ذلك تم تعيين نقيب المعلمين أحمد الخطيب رئيساً للدولة وتولي حافظ الأسد رئاسة الوزراء وصار أميناً عاماً لحزب البعث العربي الاشتراكي.

وفي 22 فبراير/ شباط من عام 1971 تم إلغاء ازدواجية الحكم وتسلم الأسد مهام رئيس الدولة، وفي 12 مارس/ آذار ثبت استفتاء شعبي الأسد في منصبه رئيساً للدولة. ومنذ ذلك الحين تحكم أسرة الأسد سوريا، منهياً بذلك مرحلة الانقلابات التي كانت سوريا تعيش في ظلها منذ الاستقلال عام 1946.

تزوج حافظ الأسد أنيسة مخلوف، وأنجبا ابنة و4 أبناء هم بشرى وباسل وبشار ومجد وماهر.

وكان باسل، نجل حافظ الأكبر، هو الذي تم إعداده لتولي السلطة، لكن مصرعه في حادث سيارة عام 1994 دفعت بشقيقه طبيب العيون بشار إلى المقدمة. وقد تولى بشار الأسد السلطة عام 2000 بعد وفاة والده، وهو ما عارضه عمه رفعت الأسد.

رفعت الأسد

لا يعرف أحد خارج الأسرة الحاكمة حقيقة ما الذي يحدث وراء أبواب النظام المغلقة. فقد جعل والد بشار سوريا دولة مغلقة بعد أن انفرد بالسلطة فيها.

وتنحدر أنيسة مخلوف من أسرة علوية أغنى من أسرة الأسد، الذي نهض من الفقر بعد التحاقه بالجيش. وكان حافظ شخصاً شديد الريبة والشك، وكان عازماً على الاستيلاء على الحكم. وأحاط نفسه برجال من طائفته العلوية، لكن أسرته كانت في قلب النظام الذي أسسه

فقد كان شقيق حافظ، رفعت، ذراعه الأيمن، وتولى مهام كبيرة، مثل سحق تمرد جماعة الإخوان المسلمين في حماه في عام 1982. فقد قاد رفعت كتائب “سرايا الدفاع” المكونة من العلويين بشكل أساسي وسحق الجماعة ودمر معظم أحياء مدينة حماه وقتل ما بين عشرة وعشرين ألفا من سكانها.

ولكن بعد عام، وعندما كان حافظ يرقد في المستشفى بسبب مشكلات في القلب، أرسل رفعت الأسد دباباته إلى شوارع دمشق في محاولة للإستيلاء على السلطة. ولكن المحاولة باءت بالفشل بسبب وقوف الجيش والقوات الخاصة الى جانب الأسد. ولم يكن مصير رفعت السجن أو القتل، بل النفي، حاملاً معه عشرات ملايين الدولارات.

لماذا يحاكم القضاء الفرنسي رفعت الأسد، عم الرئيس السوري؟

ولم تكن مفاجأة أن يكون رفعت الأسد أول من عارض خلافة بشار لوالده. فقد قال متحدث باسم رفعت حينئذ إن ما يحدث في سوريا مهزلة ومسرحية غير دستورية وإنه انتهاك حقيقي للقانون والدستور. وكان رفعت قد جرد من منصبه كنائب للرئيس في عام 1998.

وعاش رفعت في المنفى في أوروبا حياة مرفهة متنقلا بين فرنسا وجنوب إسبانيا، معتمداً على الأموال الضخمة التي وفرتها له إمبراطورية تجارية في العواصم الأوروبية.

وانتشرت تقارير في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1999 عن اشتباكات في منشآت في ميناء قريب من مدينة اللاذقية، قالت السلطات إن رفعت كان يستخدمها لأنشطة تجارية غير مشروعة.

بشار الأسد

عكست الصورة التي قدمها الإعلام السوري عن بشار الأسد في عام 2000، سمات شاب في مقتبل العمر يطمح للدخول ببلده إلى عصر الإنترنت ومكافحة الفساد.

ويحمل بشار الكثير من ملامح والده، بعينيه الزرقاوين ووجهه الباسم وشاربه القصير، لكنه على خلاف الرئيس الراحل يمثل جيلا من الزعماء العرب الذين تربوا على ثقافة غربية. فهو يجيد التحدث بالإنجليزية والفرنسية بطلاقة ويتابع باطراد آخر مفردات التكنولوجيا.

وفي وصفها لشخصية بشار الأسد، قالت وكالة الأنباء السورية حينئذ إنه يتحلى بمقدرة فائقة على الحزم والحسم في قراره وسلوكه.

ولد بشار الأسد في سبتمبر/ أيلول من عام 1965 في دمشق، وتلقى دراسته الابتدائية والإعدادية في معهد الحرية بالعاصمة السورية، ثم التحق بكلية الطب في جامعة دمشق وتخرج منها طبيباً عاماً.

ويبدو أن طموحه المهني في ذلك الوقت قد طغى على فكرة التحاقه بمؤسسات السلطة، فقد تخصص في طب العيون بمستشفى تشرين العسكري ومارس عمله فيه عقب تخرجه، وفي عام 1992 توجه إلى بريطانيا لمتابعة دراسته في هذا التخصص ثم عاد إلى سوريا بعد عامين.

ربما كان حادث مقتل شقيقه الأكبر باسل في عام 1994، والذي كان يعده والده لتبوأ الرئاسة هو السبب في التحول الجذري الذي دفع بشار إلى دائرة الضوء ليحل محل أخيه.

وفي عام 1994 التحق بالجيش السوري برتبة نقيب، وفي عام 1995 رقي إلى رتبة رائد ثم إلى رتبة مقدم ركن عام 1997 ثم إلى رتبة عقيد ركن في عام 1999.

يذكر أن الرئيس السوري متزوج منذ عام 2001 من أسماء الأخرس والتي ولدت في بريطانيا ولهما ابنان هما حافظ (على اسم جده) وكريم وابنة تدعى زين.

فرق تسد

كتب نيل كويليام، منمؤسسة تشاتهام هاوس البريطانية، مقالا في بي بي سي عام 2015 يقول فيه إن حافظ الأسد هو مهندس سوريا الحديثة، فبعد عقود من الانقلابات والانقلابات المضادة في سوريا، استخدم الأسد الأب الشبكة التي بناها خلال وجوده في منصب قائد القوى الجوية السورية ووزير للدفاع للاستيلاء على السلطة في عام 1970.

وأرسى حافظ الأسد نظاما يقوم على قاعدة فرق تسد للحفاظ على منصبه حيث جعل السلطة تتماهى في شخصه لدرجة أنه وحده الذي كان يبقي الدولة متماسكة، وبالتالي سيترك لخليفته مؤسسات دولة وحكومة ضعيفة.

وعندما تولى بشار السلطة، اضطر في البداية للعمل مع الزمرة التي كانت تحيط بوالده، والتي ترأس العديد من أفرادها مؤسسات الدولة الأساسية مثل الأجهزة الأمنية والجيش لعقود. ولكن من أجل تأكيد استقلاليته، دفعهم ببطء إلى الهامش مفضلا مجموعة مستشاريه المقربين.

وفي معظم الحالات، كانت الوزارات والهيئات الحكومية الرئيسية تخضع لسلطة حلفاء الأسد الأب الموثوق بهم منذ السبعينيات.

وعلى الرغم من ضعف هذه المؤسسات، إلا أنها كانت بمثابة أدوات رعاية مهمة ووفرت رابطاً أساسياً بين الرئاسة وقاعدة دعمها. وعلى هذا النحو، خلقت مؤسسات الدولة إحساساً قوياً بالولاء بين موظفيها والمستفيدين منها، وبذلك أصبحت دعائم قوية للدولة.

ومن خلال إزاحة أقران والده، فرض بشار النخبة الخاصة به على المجتمع والدولة.

وكان حافظ الأسد قد صعد إلى السلطة مع جيل من القادة الذين جاء أغلبهم من المناطق الريفية واحتفظوا بصلات وثيقة مع بيئاتهم الريفية. أما الدائرة اللصيقة ببشار فهم من أبناء النخبة بشكل أساسي وهم جيل نشأ في المدن ويفتقرون لأي صلة ببيئات آبائهم، ويعتمدون على شبكات نفوذهم في دوائر السلطة.

وكان مدى سيطرة بشار على السلطة موضع نقاش كبير حتى بداية الانتفاضة السورية في مارس/آذار من عام 2011. وكانت هناك تساؤلات حول ما إذا كان بشار خاضعاً لتأثير “البارونات” الأقوياء وأفراد العائلة بما في ذلك شقيقته بشرى وزوجها الراحل آصف شوكت وشقيقه ماهر.

وكان الكثيرون يعتقدون أن بشار إصلاحي بطبيعته وأن لديه النية في تدشين مرحلة إنفتاح في سوريا لكنه كان مقيداً من قبل زمرة والده.

لقد كان ذلك فهماً سطحياً لشخصية بشار الذي عمل بعناية مع عدد من الصحفيين والأكاديميين والمستشارين الغربيين لمساعدته على الظهور بمظهر البسيط والمتعاطف والمفكر.

ومنذ عدة أعوام أذاعت بي بي سي وثائقياً عنوانه “بيت الأسد.. عائلة حاكمة خطيرة”.

وتساءلت صحيفة الديلي التليغراف البريطانية في معرض حديثها عن الفيلم الوثائقي الذي بث على عدة حلقات وأنتجه وأخرجه نيك غرين :”كيف ينتهي الأمر بطبيب العيون المعتدل إلى قتل الآلاف من الناس؟”.

وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك الفيلم يمثل عملية تأريخ مذهلة لأسرة مستبدة فضلت الثراء على حساب رفاهية الشعب السوري، وأن هناك أوجه شبه كثيرة تجمع الفيلم بمسلسل الدراما والجريمة الأمريكي آل سوبرانو وآل كورليوني الذي يدور حول زعماء المافيا في الولايات المتحدة مع فارق عدد الضحايا الهائل.

رامي مخلوف

لم تكن حكاية انشقاق رفعت الأسد هي الوحيدة داخل الأسرة، ففي مايو/آيار من عام 2020 ناشد الملياردير ورجل الأعمال رامي مخلوف، أحد أفراد العائلة الحاكمة في سوريا، الرئيس السوري بشار الأسد، من أجل التدخل لإنقاذ شركاته من الانهيار.

وفي ظهور نادر، نشر مخلوف، وهو ابن خال بشار الأسد، مقطع فيديو على حسابه على موقع فيسبوك أنكر فيه اتهامات بالتهرب الضريبي، قائلا إن الحكومة تطالبه بدفع مئة مليون دولار ضرائب متأخرة على شركة الاتصالات التي يمتلكها “سيريتل”، التي هي إحدى اثنتين فقط من نوعها في سوريا.

وسلط الفيديو الذي نشره مخلوف الضوء على الدائرة المقربة من الرئيس الأسد، وسط تقارير تشير إلى أن مخلوف وقع في خلاف مع الرئيس، وجُرّد بسبب ذلك الخلاف من معظم ممتلكاته.


خلافات رامي مخلوف وبشار الاسد

وكتب جيرمي بوين في بي بي سي يقول إن رامي مخلوف ظهر في الفيديو وهو يحدق في العدسة، ويتكلم بصوت هادئ، وكأنه يهمس بما يقول وقد بدت لحيته أكثر بياضاً بعكس الأبهة التي كان عليها في الصور، حينما كان يتمتع بالثروة والسلطة، ويعد ملياراته، ليس باعتباره من أثرياء النظام فقط، بل أغنياء أسرته أيضاً.

ولم يفقد مخلوف بريق الثروة. فهو رجل من الصعب أن يصبح فقيرا، فهذا نادر في سوريا، التي تقول عنها الأمم المتحدة إن 80 في المئة من سكانها يعيشون تحت خط الفقر، وهناك حوالي 10 ملايين شخص ليس لديهم ما يكفي من طعام، وفقد نصفهم منازلهم بسبب الحرب.

ويعيش مخلوف في إحدى ضواحي دمشق المفضلة لدى كبار الأثرياء في سوريا على الطريق المفضي إلى بيروت.

وظهر رامي في سترة (جاكت) يبدو أنها إيطالية الصنع غالية الثمن، وكان يجلس في ركن في بيته أمام كومة من خشب شجر الزيتون المرتبة بطريقة فنية استعداداً للشتاء.

وإذا كان ما يقوله رامي في الفيديو صحيحاً، وأنه تبرع بثلث ثروته، فإن هذا يعني زوال سلطته.

واشتهر رامي بتقاضيه عمولة عن كل صفقة مهمة في سوريا، ولهذا لقبه البعض بـ”السيد خمسة في المئة”.

ورامي والرئيس في نفس العمر تقريباً، في أوائل الخمسينيات، وهما صديقان منذ الطفولة. ويعرف رامي بأنه داعم قوي للنظام، وهو لا يتكلم علانية عن أسرته ولا عن السياسة ولا عن أعماله.

وقال في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز في عام 2011، حينما بدأت تشتد الحرب في سوريا، إن النخبة الحاكمة في البلاد، الأسد ومخلوف، وبعض المقربين من الأسرتين، ستقاتل حتى النهاية: “يجب أن يعلموا أننا عندما نعاني، فلن نعاني وحدنا”.

وتبين أن ذلك التهديد حقيقي، ما عدا وعده الآخر بأنهم سيبقون متحدين. إذ أن مقاطع الفيديو التي نشرها تبين أن هذا لم يعد متوفراً.

ونشر مخلوف على مواقع التواصل الاجتماعي دعاء لله بأن يرفع عنه الظلم الذي يعانيه، كما بث ثلاثة مقاطع فيديو تتضمن انتقادات للنظام. وقد تفضي هذه الفيديوهات بمعظم السوريين إلى السجن، إن وجدت في حوزتهم.

وقال مخلوف: “السيد الرئيس: الأجهزة الأمنية بدأت في التعدي على حرية الناس. هؤلاء شعبك، وأنصارك”.

وتعمل شركات في مجالات النفط، والتعمير والتجارة لكن مصدر ثروته الأساسي هو شبكات الهواتف المحمولة في سوريا.

وتتهم شركاته بأنها مدينة للدولة بمبلغ 180 مليون دولار، قيمة ضرائب متأخرة. وهذا المبلغ لا يعتبر كبيراً بالنسبة إلى رجل بهذا الثراء. وحتى ابنه محمد، الذي يعيش في دبي، يوصف بأنه ملياردير، كما يوحي مظهره على الإنترنت.

وبعد حذف أبنائه صور الحياة الباذخة من موقع انستغرام، نشر مخلوف منشورا على فيسبوك يدعي فيه تقديم عرض بدفع ما هو مدين به.

ولكن يبدو أن ابن عمته بشار لا تهمه مبالغ الضرائب المتأخرة القليلة نسبياً، بل عينه على إمبراطورية رامي في مجال التجارة والأعمال.

فقد أصبحت خزائن سوريا خاوية بعد ما يقارب عقد من الحرب التي دمرت معظم أنحائها.

واعتذر مخلوف في فيديو آخر لموظفيه، بعد أن قبضت الأجهزة الأمنية على 28 منهم.

وقال: “لا تزال الأمور القضائية معلقة دون تقدم، خاصة فيما يتعلق بمن قبض عليهم أشخاص مجهولون”.

وهم في الحقيقة ليسوا مجهولين بالنسبة إلى مخلوف. إذ أن شقيقه حافظ كان يرأس مديرية المخابرات العامة، أكثر جهاز أهمية من حيث التعامل مع التهديدات الداخلية للنظام. وهو يعرف تماما ما يمكن أن يفعله رجال الأمن والمخابرات.

نظريات سقوط مخلوف

وهناك عدة نظريات متداولة بشأن سقوط مخلوف. ويقول البعض إنه أصبح أكبر وأغنى مما يجب. وقد ظهرت بوادر الضغط عليه عندما أجبر على إغلاق جمعية البستان الخيرية، التي كانت تدير مليشيا يقدر عدد أفرادها بنحو 20 ألف رجل.

وتركز النظرية على زوجة الرئيس، أسماء الأسد، التي شبت في لندن، ويعدها السوريون أحد مراكز القوة في النظام، وتدير عدداً من المنظمات الخيرية الكبيرة.

وهناك نظرية أخرى تتركز على العلاقات مع الكرملين. فقد ظهرت انتقادات على وسائل الإعلام الروسية المرتبطة بالرئيس فلاديمير بوتين، أهم حليف وحام للرئيس الأسد، للفساد في سوريا. وكان قرار تدخل بوتين في سوريا في 2015 هو الذي ضمن انتصار نظام الأسد في الحرب.

وتقول النظرية إن الأسد لا يريد أن يفقد حماية بوتين، ورامي مخلوف ليس سوى ضحية واضحة لأنه يعد في نظر كثير من السوريين رمزاً للفساد، الذي يضرب جذوره في أنحاء البلاد.

ولا بد أن أعين رجال الأعمال المقربين من بوتين تتركز على عقود تعمير سوريا، التي ربما يرى رامي مخلوف أن له حصة الأسد فيها.

وكانت صحيفة التايمز البريطانية نشرت تقريراً في عام 2019 نوهت فيه عن وجود تصدّع داخل العائلة الحاكمة السورية جراء خلاف بين الرئيس وابن خاله الملياردير.

وأشارت إلى أن مخلوف ولسنوات كان يعتبر حجر الأساس في نظام الأسد الأب ومن ثم الابن الذي خصخص بعض أصول الاقتصاد في سوريا مما سمح لمخلوف ببناء امبراطوريته المالية.

وبحسب التقرير ذاته، فإن رامي كان يسيطر على 60 في المئة من الاقتصاد السوري قبل انتفاضة 2011.

صعود الآباء

كما قالت وكالة رويترز للأنباء إن الترتيبات المالية بين عائلتي الأسد ومخلوف بدأت مع صعود الآباء. فعندما استولى الأسد على السلطة في انقلاب عسكري عام 1970 لجأ إلى محمد، شقيق زوجته انيسة ووالد رامي لإدارة الأموال التي كانت تدرها الصناعات التي تسيطر عليها الدولة وعمولات العقود، والتي من شأنها دعم حكمه. وكان محمد، المعروف بلقب أبو رامي، يتمتع بمهارات مالية يفتقر إليها حافظ.

وقال جوشوا لاندس وهو متخصص في الشؤون السورية ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما: “كان مخلوف بشكل عام أفضل تعليما وتدريباً، ومن ثم كان بوسعه المساعدة في الشؤون المالية، وهو أمر لم تكن عائلة الأسد بارعة فيه ولم تتلق التعليم في هذا المجال كما أن عائلة مخلوف كانت أفضل في التعامل مع أهالي دمشق وحلب الذين يهيمنون على الاقتصاد السوري”.

وحصد مخلوف الأب عوائد كبيرة من هذه العلاقة. ففي السبعينيات من القرن الماضي، عُيِن رئيسا للمؤسسة العامة للتبغ التي كانت تحتكر صناعة وتجارة السجائر والتبغ في سوريا. وبعد عقد من الزمان، وسع مصالحه التجارية بصفته رئيساً للبنك العقاري المملوك للدولة، ولعب دور الوسيط في العقود الحكومية.

ونشأ الأبناء معا وكانوا مقربين من بعض. وقال أحد شركاء مخلوف السابقين إنه عندما كان رامي شاباً اعتاد الذهاب إلى منزل الأسد وكان يفتح الثلاجة مثل أي فرد من أفراد الأسرة.

وقالت التايمز إن سبب الخلاف بين الأسد ومخلوف هو رفض الأخير سداد ديون الحرب الأهلية في البلاد، وإن الأسد يحاول استخدام أموال مخلوف لتمويل ميليشيات للقتال معه في محاولات بسط السيطرة على كافة المدن والبلدات السورية. وتقدر مصادر سورية أموال مخلوف في الخارج بنحو 10 مليارات دولار.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى