تقرير : الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية والملاحية لميناء الحديدة
معين برس : تقرير
ميناء الحديدة .. بوابة العبور الى صنعاء ومفتاح القضاء على حلم ايران بالتواجد في ضفاف البحر الأحمر، بعد فقدانها هدفها الاستراتيجي بالتواجد في مضيق باب المندب الذي تم تحريره على يد المقاومة المشتركة باسناد مباشر من التحالف العربي، التي واصلت التقدم نحو استكمال تحرير المياه اليمنية في الساحل الغربي للقضاء على حلم ايران وقطع شرايين ميليشياتها الحوثية التي تستخدمها كذرع عسكري في جنوب شبه الجزيرة العربية.
اليوم باتت قوات المقاومة اليمنية المشتركة على بعد اثنين كيلو متر فقط من ميناء الحديدة وعلى مسافات متفاوته من بقية الشريط الساحلي على البحر الأحمر التي تمثل عوامل بقاء الميليشيات الحوثية التي انجرفت نحو الهاوية في سبتمبر 2014 عقب اجتياحها المدن اليمنية بما فيها لعاصمة صنعاء.
مطامع ومصالح
من الحديدة يأتي النصر والدخول الى العاصمة وانهاء الانقلاب، هذه هي الحقيقة الساطعة التي باتت ميليشيات الحوثي الإنقلابية تعيها بشكل جيد، حتى سارعت الى استجداء المجتمع الدولي بوقف العمليات العسكرية في المدينة والساحل مستخدمة الجانب الإنساني الذي لا تعيره أي اهتمام او يشكل لديها قيمة ، فمصالح قياداتها وممولها الإقليمي المتمثل بايران يأتي في المقدمة ام الشعب اليمني فهو وسيلة رخيصة لديها لاستمرار تحقيق مطامعها ومصالح حليفها.
اليوم باتت قوات المقاومة اليمنية بدعم من التحالف تسيطر على أجزاء كبيرة من الشريط الساحلي لغرب اليمن وتتمركز وحداتها العسكرية في وسط مدينة الحديدة وعلى بعد امتار قليلة من ميناء المدينة التي يعيش فيها قرابة 600 الف نسمة، وتعد المنفذ لدخول غالبية المساعدات والمواد التجارية والغذائية الموجهة إلى ملايين السكان في اليمن الذي يعاني من أزمة إنسانية كبيرة وتهدده المجاعة، نتيجة ممارسة الميليشيات الحوثية التي عززت من تحصيناتها في المدينة مستغلة تعليق القوات المشتركة بحسن نية لعملياتها العسكرية لإتاحة الفرصة امام جهود المبعوث الاممي الى اليمن لتحقيق أهدافها في رسم السلام وانهاء الانقلاب في اليمن.
يضم الساحل الغربي لليمن عدة موانئ تشكل حلقة متكاملة للعمليات التجارية والاقتصادية البحرية لليمن، فضلا على انها منافذ تواصل مع المجتمع الدولي، ودخول المساعدات الإنسانية الى البلاد، الا ان ميناء الحديدة يبقى الأكثر حيوية وفاعلية في كل تلك العمليات التي استفادت منها الميليشيات في البقاء طول الأشهر الماضية.
يعتبر ميناء المخاء من أقدم موانئ شبه الجزيرة العربية، وكان الميناء الرئيسي لتصدير القهوة بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، أما ميناء الحديدة فيقع في منتصف الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر، يليه ميناء الصليف، الذي يعد من أهم الموانئ الاستراتيجية في اليمن، ويقع إلى الشمال الغربي من الحديدة، ويبعد عنها مسافة 60 كيلومترا، وكان قديما يتم تصدير الملح منه، ويتميز الميناء بالأعماق الكبيرة، فيما ميناء ميدي، كان أهم منفذ بحري لوصول الأسلحة من الدول الداعمة للمتمردين الحوثيين.
بوارج التحالف
اليوم اقتربت قوات المقاومة اليمنية من تحرير مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي، بعد التقدم السريع الذي حققته خلال الأيام القليلة الماضية، على طول المدن والمناطق الواقعة على الشريط الساحلي الممتد من باب المندب، وصولاً إلى مشارف مدينة وميناء ومطار الحديدة، بمساندة كبيرة وفعلية من القوات الإماراتية، ومقاتلات وبوارج التحالف العربي المساند للشرعية في اليمن.
ويشكل الساحل الغربي لليمن أهمية استراتيجية على المستويين المحلي والدولي، لقربه من خطوط الملاحة الدولية، ومضيق باب المندب، والبحر الأحمر، كما شكل قلقاً عسكرياً، وأهمية اقتصادية كبرى، لاحتوائه على عدد من الموانئ، أهمها ميناء الحديدة والمخاء والحيمة والصليف وراس عيسى والخوخة، والتي جعلت الميليشيات، ومن خلفهم إيران، تستميت للحفاظ على تلك المناطق، باعتبارها الشريان الاقتصادي لهم، إلى جانب المنفذ الوحيد لتواصلهم بحليفتهم إيران التي تزويدهم بالسلاح والدعم اللوجستي عبر الساحل الغربي.
تهريب الأسلحة
تلك الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها هذه المنطقة جعلت ميليشيات الحوثي تستميت عليها وترفض أي حديث حول محافظة الحديدة بالتحديد، وذلك لما تعود به هذه المحافظة عليها من مردود مالي، وتعتبر إحدى أهم المناطق التي يتم تهريب الأسلحة منها إلى الميليشيات، وبتحرير الساحل الغربي من باب المندب إلى ميدي، سيمكن التحالف والمقاومة من دحر آخر فلول الإمامة من اليمن، وبتحريرها كذلك تطبق القوات المسنودة عربياً على العاصمة صنعاء من اتجاهات عدة، وتستطيع بعدها اقتحامها بكل سهولة ويسر، هذا إن لم تفر ميليشيات الحوثي منها.
وبعد تحرير نحو 80% من المدن والمناطق والأراضي الواقعة على الساحل الغربي لليمن، البالغ طوله 253 كم، من قبل المقاومة اليمنية بإسناد مباشر من القوات الإماراتية، باتت ميليشيات الحوثي في بقية المناطق التي تسيطر عليها ومنها العاصمة صنعاء، في حالة انهيار ومحاصرة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، كما شكلت لها ضربة موجعة خسرت خلالها العديد من عناصرها وقياداتها البارزة، ومنهم رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى الصريع صالح الصماد.
خسائر ميدانية
تبدو الضربات الاقتصادية التي توجهها القوات المشتركة والجيش اليمني أكثر إيلاماً لمليشيات الحوثي الايرانية ، خصوصاً بعد خسائرهم الميدانية والعسكرية، فآثار ضربة نقل البنك المركزي ما زال ألمها مستمراً، بل ويزداد، حيث يدخل موظفو الدولة عامهم الثالث وهم من دون رواتب؛ بفعل عبث الانقلابيين بالبنك والاحتياطي النقدي خلال العامين الماضيين.
وتكمن أهمية ميناء الحديدة بأنه يستقبل السفن التجارية والإغاثية، ويُدر عائدات مالية كبيرة تبلغ سنوياً نحو 45 مليار ريال (أي ما يعادل 150 مليون دولار أمريكي)، تستفيد منها الميليشيا، التي وظفت الميناء في مهاجمة القوات الحكومية وقوات التحالف الشرعية والتحالف، كما رفضت دفع فواتير سفن تحمل مشتقات نفطية، وتوهَّم المواطنون عبر إعلامها أن التحالف والحكومة الشرعية يرفضون دخول المشتقات، ويحاصرون اليمن اقتصادياً.
بوبة البحر الأحمر
كما أن ميناء الحديدة من أهم الموانئ اليمنية، والبوابة الرئيسة على البحر الأحمر، وتمر خلاله مختلف الصادرات والواردات، ويرتبط بقناة ملاحية بطول 11 ميلاً بحرياً، وعرض 200 متر، وحوض للاستدارة بقطر 400 م، تصل الميناء بمناطق انتظار. كما يتميز بقربه من الخطوط الملاحية العالمية، وكذلك يتمتع بحماية طبيعية من الأمواج والتيارات المائية، وغير معرَّض للرياح الموسمية.
ويمتلك ميناء الحديدة 15 لنشاً بحرياً بمواصفات ومقاييس مختلفة ومتنوعة، كما يمتلك كريناً عائماً بقوة رفع 75 طناً، وحفار بقوة 700 حصان، يعمل بصورة دائمة على صيانة وتنظيف الأعماق في القناة الملاحية وحوض الاستدارة.
مرافئ خارج إيران
واستغلت الميلشيات ميناء الحديدة في الحصول على التمويل من قبل ايران التي تعمل على امداد الحوثيين بآلاف الأطنان من الوقود شهرياً منذ أكثر بداية انقلابهم ، عبر رجال أعمال موالين لها يشترون الوقود الإيراني من مرافئ خارج إيران، ومن ثم شحنه إلى ميناء الحديدة، مخترقة بذلك الحظر البحري الذي تفرضه قوات التحالف العربي منذ مار من العام 2015، في حين عمدت الميليشيات الى استخدام خطة الافقار للمجتمع المحلي في الحديدة وصولا الى تدهور الوضع الإنساني فيها حتى وصل حد المجاعة لتستغله دوليا حتى تستمر في استثمار المنافذ البحرية في الساحل الغربي لتستمر في البقاء في المناطق تمركزها في وسط اليمن.
أهمية إستراتيجية
وتكتسب مدينة الحديدة أهمية استراتيجية كونها أحد المنافذ الرئيسية لليمن على البحر الأحمر، والتي استخدمت الميليشيات ميناءها نقطةَ انطلاق لشن هجمات بحرية ضد الملاحة الدولية وتهريب الأسلحة، ويلعب ميناء الحُدَيّدة دورا حيويا في تمكين الحوثيين من الاستمرار في الحرب، مما يدفع قوات الشرعية والتحالف العربي إلى التحرك لانتزاعه منهم والسيطرة عليه.
ظلت مدينة الحُدَيِّدة طيلة عامين من الحرب بعيدة عن خيار الحسم العسكري لقوات الشرعية والتحالف العربي؛ ما جعل من مينائها دعامة اقتصادية رئيسة لخزينة الحرب الحوثية، ورافدًا متنوع الموارد لدعم مقاتليهم في مختلف الجبهات، وبوابة لدخول مواد الإغاثة الإنسانية، فضلًا عن كونه المنفذ الرئيس لدخول الواردات السلعية التي تغطى أغلب المحافظات الشمالية ذات الأكثرية السكانية في البلاد.
هجمات صاروخية
لفتت الحديدة انتباه التحالف العربي بعد تعرض سفنه الحربية والمدنية وسفن دول أخرى، كالولايات المتحدة، لهجمات صاروخية أمام سواحلها في البحر الأحمر، وامتدادها باتجاه مضيق باب المندب جنوبًا، والحدود البحرية السعودية شمالًا. كما ركز التحالف على ميناء الحديدة، بسبب ما يُثار حول قيام الحوثيين بإعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، واستغلالها في دعم المجهود الحربي، وتسخير الميناء لاستقبال الأسلحة الإيرانية، وتهريب المهاجرين الأفارقة.
هذه المدركات، وضعت الميناء، بل والمدينة برمتها، على سلم أولويات القوات المشتركة والتحالف لتحريرها؛ ما استدعى حشد القوات وتقدمها نحوه برًّا وبحرًا. وبالمثل، يحشد الحوثيون قواتهم من كافة المناطق الخاضعة لهم، استعدادًا للدفاع عن المدينة-الميناء، لتتحول هذه المدينة إلى ثكنة عسكرية لكنها فشلت في كسر تقدم القوات المشتركة نحو المدنية من المناطق الجنوبية للحديدة.
رسوم خدمية
في ظرف تاريخي مشابه لما يجري اليوم في اليمن، لعبت الحُدَيِّدة دورًا بارزًا في ترسيخ دعائم النظام الجمهوري أثناء تعرض العاصمة، صنعاء، لحصار ميليشيا الملكيين لمدة سبعين يومًا، بين نوفمبر/تشرين الثاني 1967-فبراير/شباط 1968؛ حيث تحولت الحديدة إلى ميدان تحشيد وانطلاق لمقاتلي المقاومة الشعبية إلى صنعاء، فيما كان الميناء منفذًا لاستقبال الأسلحة وواردات الغذاء.
يُدرُّ ميناء الحديدة لسلطة الحوثيين إيرادات جمركية ورسومًا خدمية كبيرة، إلا أنه لا تتوفر بيانات دقيقة بشأنها، ويمكن تقدير ذلك من خلال ملاحظة حركة الشحن والتفريع اليومي، يضاف إلى ذلك، ما تتحصله الهيئات الإيرادية الأخرى؛ كرسوم الضرائب، والخدمات، والمخالفات، وما يُفرض من “ضرائب غير قانونية على الواردات التجارية”، التي يذهب أغلبها إلى خزينة دعم الحرب، في ظل التوقف عن دفع مرتبات الجهاز الحكومي منذ أغسطس/آب 2016.
صور مأساوية
يدرك الحوثيون أن خروج الميناء من سيطرتهم بأية طريقة، إنما يمثِّل بداية لانهيار كيان سطتهم التي تواجه، أصلًا، الكثير من العقبات الاقتصادية؛ ولذلك يعد الميناء جبهة مستقلة بذاتها، يدافعون عنها بكل الوسائل وفي كافة الاتجاهات، وتساندهم في ذلك جبهة إعلامية قوية تقدم صورة مأساوية عن الوضع المتوقع إذا اقتحمت قوات التحالف الميناء.
كما يعي الحوثيون حجم التهديد الذي يمكنهم إحداثه تجاه أمن وسلامة الملاحة البحرية، ومصالح القوى الدولية، فقاموا خلال عامين من الحرب بمضاعفة جهودهم لخلق حالة تهديد مستمرة قبالة الساحل الغربي، بطريقة مستوحاة من تجربة الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الذي نشر عددًا من الزوارق الصغيرة والسريعة في مضيق هرمز، التي تقوم بمضايقة سفن البحرية الأميركية.
تمثل المناطق الواقعة في الخطوط الخلفية لقوات الحوثيين في الحديدة وسواحلها، مثل: باجل، والضحي، وبيت الفقيه ونحوها، عمقًا تكتيكيًّا يرتبط مصيره بمصير مدينة الحديدة والمناطق الساحلية التي ترابط فيها تلك القوات دفاعًا عن هذا العمق، وعن المراكز الحيوية في المدينة، كالقواعد، والموانئ، والمطارات، وعن العمق الاستراتيجي المتمثل بالمدن والمناطق الأكثر ثقلًا وأهمية، الواقعة إلى الخلف من ذلك؛ كصنعاء، وذمار وغيرها من المناطق ذات الأهمية والثقل السكاني والعسكري، التي يعتمد عليها الحوثيون والجيش المساند لهم.
عمق استراتيجي
ويرى مراقبون انه في حال تم السيطرة وتحرير ميناء الحديدة ، فإن حالة من التشرذم ستصيب الأنساق الخلفية الدفاعية لقوات الحوثيين والجيش المساند لهم، وسيزداد معها وضع هذه القوات سوءًا، حين تكون هذه المناطق، كذلك، هدفًا تاليًا للجيش الوطني، تضيق معه مساحة الأرض تحت أقدام الحوثيين، وتصبح مناطق العمق الاستراتيجي مهددة تمامًا.
في الأخير .. تتجلى أهمية الحديدة ومينائها بالنسبة للسلطة الحكومية والتحالف العربي في سياقات متعددة، تتلخص في كيفية انتزاع عناصر الأهمية التي يستغلها الحوثيون وحلفاؤهم لتقوية موقفهم العسكري والاقتصادي، وما تتيحه السيطرة عليها من تحقيق موطئ قدم آخرى على الساحل الغربي، إلى جانب ميناء المخاء الذي استكمل تحالف الشرعية السيطرة عليه في فبراير من العام 2017.
في حين يمكن توصيف إمكانية السيطرة على مدينة الحديدة ومينائها، من قبل التحالف والقوات المشتركة، بـ”السهل الممتنع”؛ لوجود عدد كبير من المعوقات، ومع ذلك لا ينبغي الإفراط في هذا التخيل؛ إذ إن تفوق التحالف والقوات المشتركة عسكريًّا وسياسيًّا، وعوامل أخرى متعلقة بلحظة التحرك، كفيل بتخطي أغلب المعوقات، إذا استُغِلَّ هذا التفوق استغلالًا ذكيًّا.