ناقلة صافر.. استراتيجية الحوثيين لإبقاء المجتمع الدولي تحت تهديد مستمر بوقوع كارثة لتحقيق عديد مكاسب “ترجمة”
معين برس | ترجمة خبر للأنباء:
مركز “انسايد ارابيا” الأمريكي للدراسات
يعتبر تعريف ألبرت أينشتاين للجنون على أنه “فعل الشيء نفسه مرارا وتكرارا وتوقع نتائج مختلفة”، مطابقاً لما عليه العالم العربي الذي يمر بحلقة مفرغة من الكوارث، ما يتسبب في خسائر فادحة للمدنيين، ولذلك، فإن هذه المآسي تنطلق من نفس المشكلة: التعامل مع أي موقف بمعادلات صفرية.
يتكرر “الجنون السياسي” الذي أدى إلى تفجير بيروت في أغسطس على نطاق أوسع من قبل الحوثيين في اليمن، حيث يستخدمون التهديد الوشيك بحدوث تسرب نفطي كارثي من خزان صافر وهو سفينة نفط مهجورة ومتحللة مع حمولة بحوالي 1.14 مليون برميل من النفط الخام لا تزال على متنها، في البحر الأحمر للابتزاز ودعم نفوذهم السياسي.
أصبح النفط الذي تقدر قيمته بحوالي 70 مليون دولار أمريكي، نقطة خلاف في المفاوضات بين الحوثيين والحكومة اليمنية، وكلاهما أكد مطالباتهما بالشحنة والسفينة.
في يوليو الماضي، وصفت الأمم المتحدة التسرب النفطي المحتمل بأنه أكبر بأربع مرات من التسرب النفطي إكسون فالديز في 1989 في ألاسكا. وفي الشهر التالي، قال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الأمين العام يدعو إلى إزالة أي عقبات أمام الجهود اللازمة للتخفيف من المخاطر التي تشكلها ناقلة صافر دون تأخير.
كانت ناقلة النفط دون مراقبة منذ مارس 2015، عندما سيطر الحوثيون على الساحل المحيط بمرساها في البحر الأحمر، قبالة شواطئ مدينة الحديدة اليمنية، وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، رفض الحوثيون وصول الأمم المتحدة لتفقد الناقلة المتدهورة.
حتى إن الحوثيين ذهبوا إلى أبعد من ذلك من خلال التهديد باستهداف السفينة إذا تمكن المجتمع الدولي من الوصول إلى الناقلة دون إذنهم، وفقا لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية.
تشير مثل هذه الخطوة إلى نية الحوثيين في الحفاظ على الوضع الراهن، على أمل أن تنظر إليهم الدول الأخرى كلاعب رئيس في المنطقة عندما يتم جلبهم إلى طاولة المفاوضات جنبا إلى جنب مع القوى المتناحرة.
يمكن أن يؤدي تسييس الحوثيين للقضية، إلى جانب سياسة الاستخفاف التي تتبناها الدول المجاورة والمجتمع الدولي، في النهاية إلى حدوث انفجار أو تسرب نفطي على نطاق واسع بما يكفي لتدمير النظم البيئية بأكملها في البحر الأحمر لعقود، ويمكن أن يلحق ذلك الضرر بجميع البلدان التي تشترك في ساحل البحر الأحمر، ناهيك عن التأثير المميت على 28 مليون شخص يعتمدون على هذه النظم البيئية في معيشتهم.
بصرف النظر عن الضرر البيئي الكبير الذي قد يسببه تسرب النفط، فمن المرجح أن تتأثر التجارة العالمية بشدة، في مثل هذا السيناريو، سيؤدي تسرب النفط إلى إغلاق ميناءي الحديدة والصليف، على بعد 50 كيلومترا فقط من موقع صافر، وهذا بدوره سيعرقل حركة التجارة العالمية وكذلك المساعدات الإنسانية التي يتم تسليمها لملايين اليمنيين.
انتهت صلاحية السفينة البالغة من العمر 44 عاما نظرا لأن العمر التشغيلي للناقلات البحرية التي تماثلها يبلغ 25 عاما فقط، والآن تسربت مياه البحر إلى السفينة بينما من المحتمل أن تكون الغازات المنبعثة شديدة الاشتعال قد تراكمت في غرف الاحتجاز، وبعد حدوث تسرب في نظام التبريد، دخلت المياه غرفة الماكينات، ما دفع مجلس الأمن إلى عقد اجتماع خاص في يوليو.
لكن الأسوأ من ذلك، أنه وسط تعقيد الحرب في اليمن، فإن مجرد رصاصة طائشة من تبادل إطلاق النار بين الفصائل المتناحرة يمكن أن تؤدي إلى انفجار مدمر للناقلة، ويمكن مقارنة الانفجار الذي سيحدث بحجم انفجار ميناء بيروت، مع تداعيات أكثر كارثية تتعلق بنطاق تسرب أوسع. في الواقع، يتميز النفط الموجود على ظهر الناقلة بخصائصه الخفيفة التي يمكن أن تنتشر وتصل شمالا إلى قناة السويس في مصر.
في يوليو الماضي، كان هناك تقدم بعد أن توصل مكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع إلى اتفاق مع الحوثيين لإرسال فريق من مفتشي الأمم المتحدة لإجراء تقييمات أولية وإصلاحات محتملة للسفينة، كما تطرقت المحادثات إلى التعاقد مع مقاول تجاري لإجراء إصلاحات أكثر شمولا والاستعداد لاستخراج النفط الخام.
وبحسب التقارير، كان من المقرر أن تخضع العملية لإشراف الحوثيين ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع وأن تنطلق في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس الماضي، لكن الحوثيين تباطؤوا مرة أخرى ولم يتم اتخاذ أي إجراء بعد.
تلكؤ حوثي
وينظر الحوثيون إلى إبقاء المجتمع الدولي تحت تهديد مستمر لوقوع كارثة بيئية كاستراتيجية يمكن أن تحقق العديد من المكاسب، حيث تستهدف المليشيا ممارسة أكبر قدر ممكن من الضغط لتسليط مزيد من الضوء الدولي على اليمن وحركتهم، وستكون هذه ورقة مساومة قيمة خلال محادثات السلام الأوسع نطاقاً مع الأمم المتحدة والجانب السعودي والإماراتي.
وسواء نجحت هذه الاستراتيجية أم لا، فلا يزال بإمكان الحوثيين اللعب بورقة رابحة أخرى، وإذا لم ينجح أسلوب الضغط، فسيتعاون الحوثيون في النهاية مع الأمم المتحدة أو كيان آخر لحل المشكلة.
وفي تلك المرحلة، يأمل الحوثيون في أن يتم تصويرهم على أنهم منقذون وأن يحصلوا على إشادة إقليمية ودولية لمنع وقوع كارثة بشرية وبيئية، ومن المرجح أن يتم مكافأتهم على هذا التعاون.
وفضلا عن ذلك، فإن القلق الدولي بشأن التداعيات البيئية يسمح أيضا للحوثيين بتأطير المجتمع الدولي على أنه أكثر اهتماما بالضرر الذي يلحق بالنظام البيئي أكثر من اهتمامه بالشعب اليمني، وهذا بدوره يغذي هدف الحوثيين لاكتساب المزيد من الشعبية في الداخل كحركة مقاومة.
سيتعين على الحوثيين عاجلا أم آجلا، التعاون مع الأمم المتحدة، لأنهم لن يكونوا قادرين على تجنب اللوم على التسبب في كارثة مروعة واسعة النطاق، والتي من المؤكد أنها ستعني نهاية المليشيا الايرانية.