سمير اليوسفي يكتب عن | تاريخ الإخوان المسلمين
سمير اليوسفي يكتب عن | تاريخ الإخوان المسلمين
بقلم : سمير رشاد اليوسفي *
الحركات الإسلامية التي نشأت في القرن العشرين كان دافع نشوئها استعادة الخلافة بعد سقوط الدولة العثمانية. وتعتبر جماعة “الإخوان المسلمين” أكبرها وأكثرها تأثيراً.. فما الذي أنجزته؟
أسسها حسن البنّا عام 1928، مُظهراً إياها عبر خطاباته وكتاباته بعبارات برَّاقة، وتصوّرات يغلب عليها التوفيق والتلفيق؛ على أنّها بوتقة لكل الجماعات والمذاهب التي سبقتها، متجنباً الغوص في تفاصيل الاختلافات التي تُميزها عن بعضها البعض؛ فالمهم عنده إقامة دولة.. وعلى ذلك اعتبرها سلفية، سنية، صوفية، سياسية رياضية.
لم يأبه للتناقض بين سلفية ملك #السعودية وزيدية إمام #اليمن .. فأطلق عليها اسم اقتبسه من وصف الملك عبد العزيز آل سعود لمن قاتلوا معه، في الفترة 1912-1924، بداية تأسيسه الدولة السعودية الثالثة (إخوان من أطاع الله).
كما تلقّب بالإمام، وأسمى ولده البكر “سيف الإسلام”؛ أسوة بإمام اليمن حينها، يحيى حميد الدين. واتخذ لها شعاراً قريباً من شعار مملكتيهما هو “المُصحف بين سيفين”.
عام 1936، حضر البنّا مؤتمر الحج الذي كان يعقده عبد العزيز بعد انتهاء الموسم، وعند وصوله لمصافحته انحنى مقبلاً يده، ثُم طلب منه السماح بتأسيس فرع للإخوان المسلمين في المملكة.. وبدهاء، أجابه الملك: “ماذا تقصد بهذا الطلب.. كُلنا إخوان.. وكلنا مسلمون”!!
لم ييأس البنّا وظل حريصاً على التقرب منه، فوجّه أعضاء الجماعة أثناء زيارة عبد العزيز لمصر، عام 1945، بالاحتشاد للترحيب به عند استقبال الملك فاروق له في المطار، وهتفوا أثناء خروجهما: “مرحباً بك في مصر.. مرحباً بك مع المليك المؤمن”..
وعند نزولهما من القطار في الإسكندرية، استقبلتهما حشود الإخوان وبضمنها شاب أزهري، وقف فارداً طوله بقصيدة مطلعها “ملائكة تلك أم أنبياء، أم ابن السعود إلى مصر جاء”.. وكان ذلك الشاب هو يوسف القرضاوي. هدفَ البنّا من توطيد علاقته مع الملك عبد العزيز السماح له بالتحرك في موسم الحج بين أعضاء الوفود من مختلف الأقطار الإسلامية، للترويج لجماعته.
كما استغل حسن البنّا تنامي المعارضة ضد الإمام يحيي وخلافه مع آل الوزير، فكلف الفضيل الورتلاني بإدارة ملف اليمن؛ لقناعته أنّها مهيأة لحكم الإخوان أكثر من غيرها، وخلُص الورتلاني لتكوين تحالف للانقلاب على الإمام، بعد أن لمس رغبة معارضيه في الخروج عليه.. وصاغ لهم دستوراً بالتعاون مع فقهاء الإخوان في مصر وصفوه بالمقدس.. غير أنّ الورتلاني هرب بعد قتل الإمام العجوز، وفشل الانقلاب الذي صار يُعرف بثورة 1948، بالتزامن مع صدور حكم ضده بالإعدام.
يجزم معظم إخوان اليمن ومنهم عبد المجيد الزنداني، المراقب العام السابق، أنّ الزبيري كان أولَ مراقبٍ للإخوان في اليمن، بسبب لقاءاته بالإمام البنّا وعلاقته بالفضيل الورتلاني أثناء دراسته في دار العلوم بالقاهرة.. لكن الدكتور عبد العزيز المقالح في تصديره لديوان الزبيري كذّب هذه المعلومة.. ونفاها أيضاً ابن أخت الزبيري، الأستاذ “زيد الذاري”، في حديث لي معه قبل 15 عاماً، نقلاً عن والدته، أشرتُ إليها حينها في صحيفة الثقافية، وأكدها لي قبل ثلاثة أشهر مجدداً.. وهو سياسي وباحث وصديق عزيز.
وسمعت من غير شخص كانوا مع الشهيد الزبيري أثناء مكوثه في مصر، بعد ثورة يوليو، عن تملّصه من حضور اللقاءات التي كان يدعو لها الإخوان وأنّه كان يؤدي صلواته داخل منزله.
كما لا يوجد في قصائده ما يشير إلى ارتباطه بهم ولو تلميحاً.
ولو كان إخوانياً لأعلن انتماءه -لا سيما بعد اختلافه مع السّلال، ونفوره من عبد الناصر- ولما دعا لتأسيس “حزب الله”، بالتشاور مع الشيخ عبد الله بن حسين مع بدء تقارب الشيخ الأحمر حينها مع الأمير سلطان بن عبد العزيز، بتوصية من أخيه الملك فيصل، الذي يُروى عن الشيخ عبد الله أنّه حظي بدعمه؛ تكفيراً عن عدم اكتراثه لمناشدة والده وأخيه الأكبر حميد قبل أن يقتلهما الإمام أحمد.
والمؤكد أنّ عبده محمد المخلافي هو أول مراقب للإخوان، كما أنّ ياسين عبدالعزيز القباطي هو المراقب الثالث والحالي لهم.
في الفترة التي سبقت تأسيس البنّا لجماعة الإخوان، حاول محمد رشيد رضا التنظير لاستعادة الخلافة الإسلامية من مدينة الموصل العراقية؛ لكونها تجمع السنة والشيعة والأكراد، ولم يلق تجاوباً.. وماتت فكرته بعد إعلان أتاتورك قيام الدولة التركية، وسقوط الخلافة العثمانية. والغريب أنّ تنظيم “داعش” بعد قرابة 100 عام عليها وقبل 5 سنوات أعادها للحياة بإعلان العراقي “إبراهيم عواد” نفسه خليفة للدولة الإسلامية، في آخر خطبة جمعة من شهر شعبان من على منبر المسجد الجامع في الموصل، وغيّر اسمه إلى “أبو بكر البغدادي”.
وفِي مصر بمجرد أن فجّر الضباط الأحرار ثورة يوليو ضد النظام الملكي، سارع الإخوان لتأييدها ودعمها، ووصفوها بالحركة المباركة وروجوا بعد نجاحها أنّ محمد نجيب وجمال عبدالناصر وغيرهما من قيادات الثورة كانوا مواظبين على حضور جلسات المرشد وأحاديثه كل ثلاثاء.. وفي حديث لجمال حماد –كاتب بيان الثورة الأول الذي قرأه السادات– قال: “إنّ عبد الناصر وخالد محيي الدين وعبد المنعم عبد الرؤوف وكمال الدين حسين لم يكونوا أخواناً فقط، بل هم جزء من التنظيم السري للإخوان المسلمين، أقسموا على الطاعة للإمام في المنشط والمكره، أمام عبد الرحمن السندي”..
وأكّد انتماءهم للإخوان أيضاً المرشد السابق محمد مهدي عاكف، في حوار تلفزيوني مع قناة “مكملين”، مشيراً إلى أنّ “الصاغ محمود لبيب مؤسس تنظيم الإخوان داخل الجيش كان المسؤول التنظيمي عنهم”. ومؤكداً أنّ عبد الناصر حصل على أسماء أعضاء التنظيم الخاص من الصاغ لبيب، في مرض وفاته.
وفي سلسلة حوارات وثائقية نشرتها بعد الثورة مجلة المصور، تحت عنوان: (قصة ثورة الجيش من المهد إلى اللحد)، قال جمال عبدالناصر: “كان يجمعنا وينظمنا المرحوم الصاغ م.ل.”..
كما ظهرت كتائب حركة الإخوان بشعارها في احتفالية الذكرى الأولى لثورة يوليو، ضمن العرض العسكري.. دلالة على عمق علاقتها بمجلس قيادة الثورة.. وتشير بعض الوثائق المفرج عنها من أرشيف الحكومة البريطانية عام 2014، كانت مرسلة من سفارتها في مصر بين عامي، 1952 و1954، إلى أنّ تلك المودة استمرت لأكثر من عامين، ثم تحولت إلى قطيعة؛ بسبب محاولات الإخوان الوصاية على الثورة، وإصرارهم على عرض قراراتها على مجلس الإرشاد، للموافقة عليها قبل إصدارها، فانقلب الدعم إلى تحريض، وعنف، وتخطيط لانقلاب، واتصالات مع السفارة البريطانية لدعمهم مقابل بقاء الإنجليز في مصر.. والشروع بمحاولة الاغتيال المعروفة بحادث “المنشية” عام 1954، والتي دبرّها التنظيم الخاص واعترف بها المرشد السابق عاكف، في حواره مع قناة “مكملين” أيضاً.
وبتحليل محتوى خطابات جمال عبد الناصر، يتضح أنّه كان قد أعاد الاعتراف بجماعة الإخوان المحظورة منذ مقتل البنّا، في الوقت الذي ألغى فيه كل الأحزاب السياسية بمشورة منهم.. كما تظهر خطاباته بعد أعوام سخطه من وصايتهم عليه، رُغم أنّه منحهم الفرص للانخراط في خدمة مصر دون إملاء أو أذى.. وفِي خطابه عقب محاولة قتله كان واضحاً أنّه خبير بخططهم ومكائدهم.
قبل 4 أعوام نشرت مجلة “الرجل” السعودية صورة نادرة للصفحة الأولى من جريدة “التاج المصري”، كانت تصدر في أربعينيات القرن الماضي، عن المحفل الماسوني في مصر، وفيها صورة لمقال بقلم سيد قطب، عنوانه “لماذا صرت ماسونياً؟”، ومما قاله فيه: “ثم لم ألبث حتى عجبت من أمر نفسي وساءلتها لم هذه الحيرة وهذا التردد؟ فأجابتني السؤال سهل وميسور، والجواب من القلب للقلب، فعرفت عندئذ أني صرت ماسونياً؛ لأنني أحسست أن الماسونية بلسم لجراح الإنسانية”.
وللوهلة الأولى كدت أجزم أنّ المقالة مختلقة عليه، استناداً إلى أنّه قابل الموت بطيب خاطر كما تزعم مدونات الإخوان.. غير أني تركت مساحة للشك؛ تصديقاً لما أرّخه الاخوان عنه قبل انضمامه لهم، وأنّه كتب مقالة في الأهرام يدعو فيها صراحة إلى أن يعيش الناس عَرايا كما ولدتهم أمهاتهم” وهناك من كذّب المقالتين معاً.. ويحتاج الأمر لمزيد من الاستقصاء.
والأكيد أنّ كتب ومؤلفات سيد قطب -بعد عودته من بعثة لعامين في أميركا- نقلت جماعة الإخوان من تلفيقات البنّا التي تحتمل الأمر ونقيضه معاً، إلى هوية واضحة التطرف تتسم بتكفير الأفراد والمجتمعات، ونسبتها لجاهلية ما قبل الإسلام.. كما أنّ تضييق عبد الناصر الخناق على الإخوان وتصديره للثورة ضد الأنظمة الملكية في المنطقة ودعمه لها بالمقاتلين والسلاح والمال وإصراره لاحقاً على إعدام سيد قطب.. كل ذلك سمح بانتشار فكر الإخوان في معظم دول الخليج؛ باعتبارهم يشكلون المعارضة القوية التي يُعوّل عليها للقضاء عليه أو إضعافه.
وجاء صعود الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز لعرش المملكة ليُمثل طوق نجاة للإخوان المسلمين، فوجه باستيعاب الهاربين من حكم عبدالناصر بوظائف في مختلف المدارس والمعاهد العلمية والجامعات، علاوة على المساجد والجوامع ومراكز التأثير على اختلافها.. نتج عن ذلك خلق منافسة بينهم وبين من تبقى من السعوديين متأثراً بجماعة “إخوان من أطاع الله”، ومنهم جهيمان العتيبي المولود عام 1936، الذي عاش فترة من التيه هرّب فيها المخدرات إلى السعودية، وفقاً لفيلم أعدته قناة الـ BBC العام الفائت عن حركته.. قبل أن يعود للسير على خُطى والده الذي قاتل إلى جانب رجال القبائل من «إخوان من أطاع الله» ضد الملك عبد العزيز بن سعود، في معركة السبلة. وفي أعقاب القضاء على حركته التي اقتحمت الحرم.. استمر تنافس الإخوان المسلمين مع الجماعات السلفية التي نشطت في السعودية، ومنهم “إخوان بريدة” والسروريون.. تحت لافتة “الصحوة الإسلامية” ولم تجد السعودية بُدّاً من فتح المنافذ لهم للذهاب إلى اليمن وأفغانستان.
وكانت السعودية بعد مصالحتها بين الجمهوريين والملكيين في اليمن، وجهت باستنساخ معاهدها العلمية وتسليمها للإخوان.. وزادت في دعمهم بعد الحاجة إليهم مع سعي الحزب الاشتراكي في الجنوب للتمدد شمالاً.
فاستغل الإخوان تلك الأحداث لتشكيل عقول الناشئة الذين صاروا بعد عقدين تياراً جارفاً يطلق عليه تيار الصحوة، يمتلك مئات الآلاف من المقاتلين… (يتبع)
* سياسي وصحافي من اليمن.