“الكتاب الذي لا يقرأ إلا في الظهيرة” يظهر فجأة في القاهرة

جميل السلمي
نشرت مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة، مع الأيام الأخيرة لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، كتابا شعريا جديدًا عنونه صاحبه الكاتب والأكاديمي والشاعر اليمني هاني الصلوي، وبعد عدد من الكتب الفكرية والشعرية والسردية، بــ”سرب خيزران”، وهو عنوانٌ ظهر بهذه الصيغة في الغلاف، بينما أخذ اسمًا أطول في الداخل، هو” سرب خيزران يعبر المسجل الكهرباني”.
أتى الكتاب في 344 صفحة من القطع المتوسط واحتوى باقة متنوعة كبيرة من النصوص الشعرسردية عاد فيها الشاعر إلى كل ما أحاط بأمه وتجاربها وتجاربه معها ومشاهداتها وكل ما أحاط ببلدته الصغيرة في مدينته اليمنية تعز، منطلقًا من كل ذلك وغيره إلى الأزمنة والأمكنة والكائنات والناس، وهي تجربة اتخذت من شكل ما يسمى بالكتاب الشعري صيغة لها، وإن كان هذا شكلا ظاهريًا، فالكتاب مليء بالسرود والقصص المثيرة التي يتلبسها الشعر، وتحطيم كل القوالب، والأنساق، بما في ذلك أنساقه الشخصية التي بناها في أعماله السابقة
.
الجدير بالذكر هو تشكل هذا الكتاب مما يمكن أن يكون فصولًا تلعب في سائر العمل على ثيمات عدة أهمها: الخيزران، والزعفران، الخيزرانة التي كما نصَّ الكتاب”صاحبة السمو والرفعة أمي .. تعيش في الأعالي ولا مواسم لهطولها”، والزعفرانة التي هي وفقًا للنص أيضًا، زعفران سيف غانم، حيث يحفظ هيئة أمه الزعفرانة المترقبة في السحاب”، وهما اسمان لأمه التي فقدها من سنوات طويلة بسبب إصابتها بالسرطان، مستقصيًا كل ما يتصل بهذين المصطلحين والمعنيين، وفي مقدمة ذلك تمايلات الغصن”البامبوـــ الخيزران”، وكذلك غصن البان في المعنى، متماسًا مع كل شيء، ومن ذلك مثلا ثيمة غصون البان الشعرية العربية المتوارثة، وأغاني فيروز، وهو ما نجده في جزء من متن يأخذ نفس عنوان الكتاب”سرب خيزران يعبر المسجل الكهربائي”، يقول: “بالبانِ تتكلمُ الهضبةُ وتموءُ رَقْصًا، وفراشات، فإذا ما ليَّـــــلَ بَدْرٌ تُدَلِّي سيقانها في السِّقاءِ ويستفحلُ عَشَارُها، وعِلْبُها. يرتفعُ مَدَرُها وأُوَارُهَا: ” يا غصنَ نقا مكللاً بالذهبِ.. أفديكَ من الردى بأمي وأبي.. إنْ كنتُ أسأتُ في هواكم أدبي.. فالعصمةُ العصمةُ لا تكونُ…” ــــ العصمةُ لا تكونُ أبدًا”، واضعًا هوامش شعرية غير تفسيرية في معظم الأحيان وأخرى واضحة، ومن النوع الأول وضعه هامشًا لأغنية فيروز الشهيرة “يا غصن نقا مكللاً بالذهب ..”، حيث يورد في الهامش هذه الفقرة:”معزوفة بانيةٌ تمكنتْ في عهدٍ حرٍّ ما من احتلالِ صوت فيروز وبرودهِ اليمانيةِ، وفي مصدرٍ موثوقٍ آخر مع بعض التزيُّدِ والتثبُّتِ أن العصمةَ لم يكن لها قبل الخيزرانِ مسمّى تستبينُ بهِ الأثرَ أو يستدلُّ بسلواهُ عليها”، ومن تلك الأبواب أو الفصول: مستهل السرب، عبور سرب الخيزران، زهرة السرب، في بيان ما لا يؤدى بالتنصل ولا يتأتى بالطلب، الوحش”وهو السرطان”، السلام يجرّ الكلام، وغيرها.
كل هذا وغيره، إضافة إلى وضع الشاعر، في نهاية الكتاب ثبتًا شعريا بمراجع هذا العمل ومصادره، على غير عادة الشعراء، وهي مراجع مبوبة على أقسام منها؛ مراجع جزئية، مصادر عامة، وهذا ليس غريبًا على كاتب وشاعر متفرد لا تقف ممارساته النصية عند حد.