مسرحيات الحوثي المتتالية بين تصفية الأبرياء وصناعة الأوهام

مصطفى غليس

منذ سيطرة مليشيا الحوثي على العاصمة صنعاء في عام 2014، لم تتوقف عن استخدام وسائل القمع والترهيب لبسط نفوذها والسيطرة على الشعب اليمني، ومن أبرز أدواتها لتحقيق ذلك “مسرحيات الاعتراف” التي تجبر فيها الأبرياء على الظهور أمام الكاميرات للاعتراف بجرائم ملفقة، بهدف خلق ذرائع وهمية لتبرير سياساتها القمعية وصرف أنظار الشعب عن فشلها المتكرر.

تتوزع التهم التي يعدها الحوثي لضحاياه، بين البغاء والدعارة، والزناء، وغيرها من التهم المخلة بالشرف، الموجهة للنساء، والتي تلحق عارًا بالأسر التي تنتمي اليها المرأة المستهدفة، أما الرجال فتوجه اليهم تهم كالعمالة والجاسوسية والارتزاق والخيانة الوطنية، إضافة إلى قائمة طويلة من التهم الجاهزة والمفصلة على مقاس كل معارض او مخالف للتوجهات الحوثية، أيًا كانت وظيفته أو مهنته.

مع كل موجة ضعف أو تصعيد داخلي أو خارجي يمر بها الحوثيون، تزداد حملات الاعتقال التعسفية، وغالبًا ما يكون المستهدفين من الأبرياء الذين لا صلة لهم بأي أنشطة يدعي الحوثيون تورطهم فيها.

واحدة من تلك المسرحيات شهدت اعترافات مثيرة للسخرية، حيث زعمت المليشيا أن “المهندسين الزراعيين” كانوا جزءًا من مخطط أمريكي لتسميم النحل والبقر، وهو اتهام يكشف حجم العبثية والارتجال في سرديات الحوثي.

أما أحدث المسرحيات المثيرة للشفقة أكثر منها للسخرية، فقد ظهر فيها أحد الضحايا وهو يعترف بأن البريطانيين علموه كيفية استخدام الجوال، وكأن تعلم التكنولوجيا جريمة أو مؤامرة دولية.

يهدف الحوثي من خلال هذه المسرحيات إثارة الخوف بين المواطنين وترسيخ هيمنته على الشعب بإرسال رسالة واضحة لكل من يفكر بمعارضتها بأن المصير سيكون الاعتقال أو الإعدام، وأن التهم التي تقود إلى مثل هذه الاحكام جاهزة.

هناك هدف آخر فالحوثي يستخدم هذه الاعترافات الملفقة كأداة لتشويه صورة الخصوم السياسيين وتحريض اليمنيين على الدول التي تبدي اعتراضها على جرائمه التي يرتكبها بحق الشعب اليمني أو تهديده للأمن الدولي، من خلال تصويرها كمتورطة في مؤامرات خيالية.

كما تسعى مليشيا الحوثي إلى صرف أنظار الناس عن قضاياهم اليومية، مثل الانهيار الاقتصادي، والجوع، وانعدام الخدمات، من خلال اختلاق قصص مثيرة وساذجة، وهي في الوقت ذاته تقدم هذه المسرحيات كذريعة لاستمرار الحرب وإلقاء اللوم على “مؤامرات خارجية”، لتبرر الفشل في تحقيق السلام والتنمية.

إن ضحايا هذه المسرحيات يعيشون في ظروف مأساوية. فالمعتقلون يتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي لإجبارهم على الإدلاء باعترافات كاذبة، بينما تعاني عائلاتهم من الفقد، والتشريد، والضغوط الاقتصادية نتيجة غياب المعيل، وكثير من هؤلاء الضحايا يُحتجزون في سجون سرية، حيث يُحرمون من أبسط حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك حق الدفاع عن النفس أو المحاكمة العادلة.

رغم هذه الجرائم الواضحة، فإن المجتمع الدولي لم يقم بالدور المطلوب للضغط على الحوثيين للتوقف عن مثل هذه الجرائم المشينة أو للإفراج عن المعتقلين الأبرياء، ولا ننسى أن المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية تواجه تحديات كبيرة في توثيق هذه الانتهاكات بسبب التضييق الأمني والتهديد المستمر.

لا شك أن استمرار هذه المسرحيات يعكس حالة ضعف الجماعة، وليس قوتها. فكلما لجأت إلى اختلاق قصص جديدة، أدرك الشعب اليمني زيف ادعاءاتها وسعيها الدؤوب لتغطية إخفاقاتها، ويتوجب على الشعب اليمني أن يوحد جهوده للوقوف في وجه هذه الجرائم، وعلى العالم أن يتحمل مسؤوليته الإنسانية والقانونية للضغط على الحوثيين للإفراج عن المعتقلين ومحاسبتهم على انتهاكاتهم.

في النهاية، لا يمكن للظلم أن يدوم، ولا لمسرحيات الزيف أن تخدع شعبًا واعيًا إلى الأبد، والحوثي إلى زوال.

من حائط الكاتب في فيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى