هل الإسلام يجب ما قبله أم ما بعده؟
زياد البسارة *
ينضج الموروث السردي الديني الذي بين أيدينا اليوم بالكثير من المأثورات والمقولات التي تحتاج إلى اعادة مراجعة للارضية اللفوية التي بنيت عليها هذه النصوص – لاسيما وقد إتخذت الكثير منها طابع القادسة والحصانة المذهبية غير قابلة للنقاش أو المداولة – حيث يصبح من “الزندقة” محاولة قراءتها أو فهمها لما يمكن أن تحتكم بموجبها جملة النصوص والسرديات المتوارثة وفق قواعد اللسان العربي في تقرير مدلولها ومعانيها بدلا من إجترارها على ألسنة الخواص والعوام على حد سواء خارج السياق اللغودي التي تحمله.
الإسلام يجب ما قبله.. جملة مأثورة جرى تصديرها وتكريرها في المخيلة الذهنية العربية على أنها تعني بإن الإسلام “يبطل” ما قبله من العادات والأحوال والممارسات السيئة التى عاشها مجتمع من المجتمعات أو فرد من الأفراد – ومع دخول أيا منهما في “دين الإسلام ” يصبح هذا القرار وهذه الخطوه بمثابة تكفير عن الذنوب والآثام التي وقعا فيه عمدا أو سهوا.
وبناء على هذا الفهم التقليدي المصحوب بالاعتقاد المتوارث أصبح من السهل تبييض الكثير من الصفحات السوداء في سيرة بعض التابعين والمتأخرين – بل – وشطبها من تاريخ ميلادهم في كثير من الأحيان – بناء على هذا ” الصك اللغوي الخاطئ ” في فهم معنى هذه الجملة والتي ترتب عليها تعطيل محاولات فهم الإسلام الذي يجب ما قبله.
فقد جرى توظيف هذه المقولة بما ينسجم مع مبدأ “الميكافيلية” القائمة على فكرة “الغاية تبرر الوسيلة” والتي تتنافى تماما مع جوهر رسالة الإسلام من حيث كونها لم تأتي طوق نجاة لتبييض سيرة العباد من الاخطاء والذنوب والمعاصي بقدر ما كان هذا الدين القائم على الفطرة السوية التي فطر الناس عليها هو منطلق تكوين النفس البشرية المجبولة على الخير والإحسان والاستقامة منذ أن كانت عدما في عالم الذر.
وبالتالي فما هذه الشرور والخطايا والذنوب التي يرتكبها الإنسان في حياته إلا خروج “بشري” عن النص المقدس الأول القائل في محكم كتابه “وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى…”.
لذلك لم يكن الإسلام حدثا طارئا في حياة البشر ليذكرهم بخرجوهم عن ذلك النص المقدس فحسب – بل كان فعل أصيل سابق لخلق الإنسان ، وبالتالي فقد كانت مهمة جميع الانبياء والمرسلين اعادة الامة إلى مرحلة “ضبط المصنع ” التي خلق آلله عليها هذا الانسان وسائر المخلوقات.
وفق العرف اللغوي السائد في لسان العرب فإن الفعل المضارع المعتل “يجب” أصل ثلاثي من الفعل الماضي “وجب” لا يحتمل سوى معنى واحد فقط يعني ” نضوج الشي وأستواءه بما يسمح بإعادته إلى الوضع الطبيعي الأول ” كما في قوله تعالى ” فإذا وجبت جلودهم بدلناهم بجلود غيرها ليذوقوا العذاب…” أي بمعنى “نضجت جلودهم”.
وعلى إعتبار أن مفهوم الحق يقترب كثيرا من هذا المعنى بكونه يعني ” الشي الثابت والناضج الذي أستوى إليه حال الشي القائم ” بعكس الباطل والذي يعني “الشي المتغير ” الآسن “الذي لم ينضج ” فاسد ” أو تغيرت حركته وسريرته”..
إن فهم مقولة ” الإسلام يجب ما قبله ” على أنها تعني بإن الإسلام يبطل ما قبله من العادات والأحوال والممارسات قد ترتب عليه جملة من التصورات والاجتهادات القاصرة التي وضعت الاسلام ذاته في حالة متأخرة في كثير من المجالات التي كانت تستدعي أن يكون حضوره سابق في كل ما يتصل بالكون بشكل أساسي وبالانسان المستخلف فيه.
وحين نتأمل الرابط بين قوله تعالى ” كان الناس أمه واحده فأختلفوا…” وقوله أيضا ” إن الدين عند الله الاسلام…” – نفهم من ذلك أن الله قد خلق الناس أمه على دين واحد يقوم على الخير والفضيلة فأختلفوا في إجتهادهم لتطبيقه حتى إختلفوا – لذلك كان الإسلام هو الطريق الوحيد والتطبيق الأمثل لهذا الدين الذي فطر الله الإنسان عليها وهو الرسالة الجامعة التي دعت إليها مواكب الانبياء والمرسلين.
وبهكذا وصف لا يمكن أن يستقيم فهم الاسلام الذي يجب ما قبله بمعنى أنه ” يبطل ” ما قبله من العادات والأحوال والممارسات السيئة التى عاشتها المجتمعات قبل مجيئ رسالة محمد كما لو أن هذا الإسلام هو رسالة النبي محمد وحدة لا سواه.
بل أن الإسلام الذي يجب ما قبله ” يجب أن يكون بمعنى “يحق” الشعائر والممارسات والتشريعات التى نادى بها جميع الانبياء والمرسلين بدء برسالة النبي ابراهيم وحتى رسالة عيسى إبن مريم – وذلك لأن الإسلام هو رسالتهم جميعا والذي هو التطبيق الامثل لفكرة الدين الحق الذي فطره الله ومن احسن من الله فطره – وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى “ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان خنيفا ولم يكن من المشركين…”
ويبقى الحديث عن الإسلام فيما اذا كان يجب ما قبله أم ما بعده موضوعا للنقاش – على إعتبار أنه سيبنى على الأخذ بأحد هذين الخيارين نسق معرفي خاص يتحدد فيه مركزية الإسلام في التاريخ الإنساني – لكن- بناء على فهم واضح لمعنى الوجوب الوارد في هذه الجمله والذي يتأرجح ما بين الحق والباطل.
فعلى إفتراض أن الوجوب المقصود في هذه الجملة بمعنى ” يبطل ” يصبح من الضرورة أن نقول ” الإسلام يجب ما قبله ” على إعتبار أن الإسلام هو الأصل في التدين وفي رسالة جميع الانبياء وما بعده شوائب وأخطاء في التدين
واذا ما أعتقدنا بإن الوجوب المقصود في هذه الجملة بمعنى “يحق” يصبح من الاهمية أن نقول “الإسلام يجب ما بعده ” نظرا لكون الإسلام يحمل صفة العالمية في جميع الرسالات.
…اقول ما عندي والله اعلم
- من حائط الكاتب في فيسبوك