‏تغاريد غير مشفرة 1 – 9 | مساندة للمعلمين

أحمد سيف حاشد*

(1)
مساندة الموظفين وفي طليعتهم المعلمين، بشأن رواتبهم وحقوقهم المستلبة واجب اخلاقي في المقام الأول، وضرورة لا تحتمل التأجيل.

(2)
عندما كانت الحرب على أشدّها، وكان المعلمون يتضورون جوعاً، وكنت تستلم المساعدات الإنسانية باسمهم، فيما تمنعها عنهم، ولا نعلم أين تذهب بها..!!
ماذا تسمّي ما كنت تفعله؟!
وكيف يمكن أن نصدقك اليوم وكل يوم؟!
وكيف يمكن أن نأتمنك على راتب معلم جائع؟!
أغلقتم في وجوه المعلمين كل الطرق حتى تقطعت بهم السُبل..
حكمتم بإعدامهم دون إعلان..
نزيف طويل، وإعدام بطيء بدم بارد، وسادية بالغة، وفساد طوية.

(3)
بؤس العهد والمرحلة..!!
لماذا لا يكترثون بالتعليم والمعلّم؟!
لماذا لا يهتموا بالتعليم والمعلّم، رغم أهمية ذلك، وإلحاحه الذي يكبر ويتسع كل يوم من أجل المستقبل الذي نحلم به ونريد؟!!
لماذا يريدون المستقبل إن لا يكون إلا خراباً ويباباً، أو أجرداً ومتصحرا؟!!

لماذا لا يهتموا بالمعلم والتعليم قدر اهتمامهم بالاحتفالات والمناسبات الدينية والطائفية والفئوية، بل ويريدون إفهامنا أن هذه الأعياد والمناسبات هي العالم كله..؟!!

ألم يستثيرك هذا أيٍ كنت، إن كنت تعرف حقاً معنى ما يحدث، وما يلازمه من مرارة وألم وعدم..!!

غصص ذابحة وأنت ترى المبالغ السخية والكبيرة من المال العام تتدفق وتنهال بيسر وسلاسة، لصالح تلك المناسبات والاحتفالات والأعياد الفئوية، والعبثية الباذخة إلى حد يفقأ العيون ويدمي القلوب، ومعها يتم اُفتراس العدالة والمواطنة والمساواة، وما بقي من دستور وقانون وعقل رشيد..؟!!

شعبنا يهلك كل يوم، والمعلّم يتضور جوعاً، ويموت قهراً وكمداً..
تعليم مشلول من أوله إلى آخره، ويتلاشى إلى ضياع وبدد، ويتسرب المستقبل الذي كنّا نأمله من بين أيدينا.. يا بؤس الختام..
بأم العين نشهد الفقر والموت باذخا، وعيوننا عليه حاسرة ودامية؟؟

.
(4)
عندما تمنع عنه راتبه، وتقطع عيشه ومعيشته، ولم تبقِ له غير لقمة عيش مغموسة بالذل والإهانة، وحياة مشبعة بالقرف، ثم تأتي وتحدثه عن الوطن..!! أي وطن هذا الذي تتحدث عنه؟!
الكرامة والعزة تبدأ بلقمة عيش كريمة، فلماذا تمنعها عنّه بإصرار وإمعان.

(5)
تأخذ منهم كل شيء، ولم تقم بتقديم شيئاً لهم.. معادلة مختلة ومعتلة.
لوزارة التربية والتعليم موازنة سنوية خاصة بها ضمن موازنة الحكومة، ويجب أن تغطّي هذه الموازنة احتياج الوزارة من وإلى، كونها وزارة خدمية، ويتم تغطية موازنتها من الخزينة العامة، ومواردها من ضرائب وجمارك وغيرها من المداخيل.
هذا يعني أن رواتب المعلمين يجب أن تكون ضمن الموازنة العامة، وتؤدى من موارد الخزينة العامة، وقد ظل الحال كذلك منذ عقود، ولكن عندما افتتحت شهية الجبايات في الحرب، حملوا مجلس نواب صنعاء على إصدار قانون انشاء صندوق لدعم المعلم، يجني باعتراف الوزير أمام المجلس مبلغ ٨٣٠ مليون ريال شهرياً، وهو بهذا يمثل رافداً اضافياً أخر..
لقد صار لديك موازنة يفترض أن تستوعب كل ما هو هام وضروري فيما يخص التعليم، وصار لديك أيضاً صندوق لدعم المعلم، وأكثر من ذلك بات لديك عدد من المصادر والموارد الأخرى بحق وباطل..
لهذا وذاك يفترض أن يكون لديك وفرة تستطيع منها دفع رواتب المعلمين بيسر وسهولة.
أما وقد توقفت الحرب، وانقطعت الأعذار والمبررات، وتدفقت عليك من الجبايات والمصادر والموارد تريليونات الريالات؛ فهذا يعني إلزام مضاعف بمرتبات المعلمين، بل والموظفين عموما، لا يدفعه عنك عذر أو حمار.

(6)
حافز يستثير حتّى الحجارة..!!
ماذا تفعل بحافز شهري مقداره ثلاثين ألف ريال؟!!
مجرد التفكير بشيء من هذا القبيل يبدو لي بحجم كارثة..!!
لدي سؤال أخر مشبعا بالاستغراب:
أين تعيشون؟!!
يا لهول لم يبلغه أشد الأقوام بخلاً ..!!
ما أحوجكم لقليل من حياء..!!
قليل من الخجل ولو عن طريق استعارة الوجوه إن كانت الوجوه لديكم تُعار ..!!


الراتب بقدرته الشرائية الراهنة قد ذهب وأضمحل، ولم يبق منه إلى ما بدا لنا كبقايا قادم غريب لا حيل له ولا وطن.
راتبك اليوم بقضه وقضيضه لا يعز مواطن، ولا يجلب كرامة، ولا يركن عليه في ابقا موظف على قيد الحياة، فيما الكارثة أنكم تتحدثون بزهو عن ثلاثين ألف ريال، وهو مبلغ بات يحتاج إلى مجهر كوني لنراه، وقد سبق أن وعدتم به قبل أكثر من عام، وتنصلتم عن وعدكم بعد شهر، وتخليتم عن عهدكم قبل أن يستعيد المعلم أنفاسه..!!
ويل كالجحيم تم صبه على رؤوس معلمينا، ما كان يوم يخطر على بال.
ماذا يصنع حافزكم هذا غير أنه يميت معلمينا كمداً وقهرا..؟!!


كان سعر الكيلو وات الكهرباء بثمانية ريال فقط، ولا يزيد في أسوأ حال عن 15 ريال، فيما بلغ في عهدكم سعر الكيلو وات بأضعاف مضاعفة تهد الحيل وتقسم ظهر الجبل.. شاسعة لا تُحتمل معها مقارنة أو مفارقة.. يا لكلالة النظر..!!
بتنا نحتاج إلى مائة عام من عهدكم ليعود الحال إلى ما كان عليه.


وقيس على ذلك بقية التفاصيل المعيشة من “ألف إلى يا”.. أما الرفاه فما من معلم حالماً به.. لم يعد صبره يسعفه في الدنيا ولا قادر على الانتظار إلى يوم القيامة.. لقد خطفتموها منّا دنيا ودين.
إن شئتم الحق فمطالب موظفينا ما زالت متواضعة إلى حد بعيد، وهي رواتبهم، بقدرتها الشرائية التي كانت عليه في ذلك العهد، لا في عهدنا هذا الذي بات جحيمه لا يطاق، وقس على هذا وذاك كل الحقوق التي باتت غنيمة حرب، ويبدو أنها لن ترجع أو تعود إلا بقيامة خرى.


(7)
أي كرامة وأي حياة وأي وطن تتحدث عنه فيما الجوع يعلكك كل يوم..
صدق الشاعر العظيم عبدالله البردوني وهو يثور في هذه الأبيات المؤثرة:
لماذا لي الجوع والقصف لك؟
يناشدني الجوع أن أسألك
وأغرس حقلي فتجنيه أنت
وتُسكر من عرقي منجلك
لماذا؟ وفي قبضتيك الكنوز
تمد إلى لقمتي أنملك
وتقتات جوعي وتدعى النزيه
وهل أصبح اللصّ يوماً ملك؟
لماذا تسود على شِقوتي؟
أجب عن سؤالي وإن أخجلك
ولو لم تجب فسكوت الجواب
ضجيجٌ يردد ما أنذلك!

(8)
يقول فولتير: “من الخطير ان تكون على حق عندما تكون الحكومة على خطاء!!”
فولتير لم يكن يعلم أنه ستأتي حكومات يحكم فيها أربعة، فيما ديكورها يصل إلى أربعة وأربعين وزيرا، وحكومات لا تحكم، وإنما تكون وطاف وحمار لسلطة خفية..!!
سلطة خفية تحكم ولا تتحمل أي مسؤولية..!!

(9)
مقوله يتم تداولها عندما تسأل المواطن عن الحال:
صاحب عدن يقول لك: خاربه يعني خاربه
وصاحب تعز يقول لك: شتسبر
وصاحب صعده المفتهن يقول لك: سابره
فيما آخر يقول: “دوام الحال من المحال”.
وأنت هل لك رأي أخر؟؟

  • عضو برلمان صنعاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى