بندر المخا.. مهرجان جمع كل اليمن
عبدالسلام القيسي
عدت لتوي من مهرجان بندر المخاء،تعمدت التنقل من مكان لآخر، والمرور بين الناس في حفلهم الكرنفالي وكنت أجدني أتنقل بين اليمن كلها، كل اليمن، فكل المدن هناك في الكورنيش، وكل الألوان هناك، وهناك اللهجات كلها، من أعلى البلاد ومن أسفل، ومن الوسط، شمال وجنوب وشرق وغرب، لكنات وملامح كثيرة إمتزجت بهوى واحد وبتصفيقة واحدة وهنا الإعجاز الذي أحبه فأنا تأسرني التفاصيل الصغيرة والتفاصيل الضائعة في سديم الضجيج، فلا تهمني الأغنية وتهمني محادثة طرية بين شابين أحدهما من صنعاء وثانيهم من تعز، وابداً لا تشدني الرقصات بل شدني ابن المخاء من الفريق التنظيمي، الذي بكل جد يجتهد لإيجاد صورة جميلة للمهرجان، ولا تهمني أنا المسرحية بل جذبتني تشكيلة الأطفال في المسرحية بلهجاتهم المختلفة،أحدهم من أعلى البلاد، طفل له قدرة التحدث المسرحي،وثانيهم وثالثهم من الساحل،وشكلوا مزيجاً خالصاً من التوحد الوطني في اللاوعي، واللاشعور هو الشعور الحقيقي، فهؤلاء الأطفال جمعتهم معركة مقدسة،جمعت الآباء، فتوحد الأبناء، وجلست كثيراً من الوقت مع شخصين هما في المقاومة الوطنية وثالثهم (عبدالكافي القاضي) فالأول وهو (فؤاد البزاز) من ريمة ومن تعز الثاني واسمه( اياد اللبيني )من صبر تعز،وأما القاضي فمن المخاء،وتحدثنا عن الأشياء كلها،ولقاني صراف إحدى الصرافات في المخاء ويفسح المكان،افسحه،ووجدت قبالتي (وسيم الجبري) من ابناء جبل حبشي يسكن ولديه محل في المخاء القديمة وأعرفه ولي منه وقت كثير،فهؤلاء كلهم من كل بلاد جمعهم الكرنفال، ويهتفون لليمن خلف زهرات المخاء، ومع أشبال الساحل، وصحبة فنان تهامي جميل ..
شاهدت الطفلة التي ربحت تلفون ( ردمي ٩ ) وهبطت جرياً من المنصة،الى حيث أمها، وسألت نفسي وتكلمت مع روحي بصمت، في عمرها هذه الطفلة كان حلمنا ( لعبة أتاري ) ويغشى على قلوبنا لحصولنا عليها ماذا لو أنني فزت مثلها بهذا العمر؟ أطفال هذه الأيام محظوظون،وبشدة،فنحن عشنا طفولتنا ولا نحلم بهذه الجوائز ..
ليس مجرد مهرجان،هو عندي خلق مجتمع جديد،مجتمع بهدى القائد،طارق صالح،وإعجازه أنه نجح في خلق مجتمع في وقت وهذه الحرب قد مزقت مجتمع، يعيد ترتيب النسيج وقد تفركش النسيج والإعجاز وهنا أكون قد كررت كلمة الإعجاز ثلاث مرات أن تلئم ما فرقته الحرب والجغرافيا،وسأكرر إمتناني لهذه اللحظات فكنت ألحظ الصورة الغائبة عن الجميع، قبالتنا المصورين، فيهم التهامي والتعزي والصنعائي والريمي، حتى في التصوير هناك تشكيلة وطنية،وفي حراس المهرجان،المخاوي والتهامي والصنعاني والذماري والإبي ..
أما القلب النابض للمهرجان فهم ابناء المخاء،شباب وأطفال،ومكتب الثقافة، ومدارس المدينة،دون نسيان المكتب السياسي الذي بدعمه هو قيم هذا المهرجان، وهو ليس الأول، وبحضور أمينه العام ورؤساء دوائر وعلى لوحة المهرجان هناك المجلس الرئاسي، السبعة،فهم هذه البلاد وعليهم تعقد الآمال،ولسان حال الناس كلهم : نريد منكم عودة البلاد .
وأما البحر فهو يسار الناس،يحميهم ويمنحهم الشعور الباذخ،بر وبحر،جبل وساحل، ونهفات السماء بزرقتها المبثوثة في البحر تتلون أرواح الناس في البندر، وتؤكد معهم على واحدية الحياة والمصير.