رحلة أكاديمي على قارعة طريق الحالمة التائه..
معين برس – بقلم: د. منصور القدسي
غادرت منزلي وأنا مهموما بموعد إيجار البيت الجديد الذي نقلت إليه وملزم بسداده اليوم، ولم يحالفني الحظ بتوطيد علاقتي مع مالكه بالصبر لحين صرف راتبنا اليتيم الغير منتظم الصرف، ومحرج منه لان الرجل فضلني على غيري بإعتباري استاذ جامعي متوهما اني اعيش في وضع مختلف عما يعيشه بقية الموظفين.
حاولت عبثا بالشارع استمد قوتي وأنا اترقّب حيوية البشر بشوارع الحالمة تعز ، رغم مايتعرضون له من حصار خانق من قبل ذئاب المليشيا باطراف المدينة وعويلهم الذي
يزعجهم بصوت مقذوفاته ليخطف ارواح الابرياء ليل نهار ، إضافة لفوضي السلاح المفتعلة في أوساطهم من قبل ديوك المقاومة.
وبينما كنت أسير منهكا بالشارع قطع تفكيري صوت احد طلابي بقسم الفنون الاذاعية والتلفزيونية بجامعة الحديدة تاركا الموتور الذي كان يستقله ونزل يسلم عليَّ بحرارة، ويخبرني انه يعمل بمنظمة ويعرض عليّ خدماته, وأخذ رقم هاتفي لنجتمع بمعية زملائه النازحين بالمدينة المنكوبة، تعانقنا وأفترقنا كلا بإتجاه.
دخلت الشارع المزدحم بضجيج السيارات والبشر وأنا تائه بين ذكريات الزمن الجميل بكلية الفنون الجميلة وحالنا البائس بسبب هذه الحرب المجنونة، استوقفتني سيارة برادو وبداخلها فتاة تناديني وتوشر إليَّ ، ذهبت فوجدتها إحدى طالباتي بالحديدة ونازحة إلى تعز بسبب الحرب، حدثين جعلني أستعيد صوابي وكبريائي كأستاذ جامعي، أتذّكر نصائحي لهم بعدم الإنكسار أمام العواصف وإحترام شرف المهنة الإعلامية التي يتعلموها..
تذكرت بداية خلافي مع عيال الميليشيا عندما رفضت توجيهاتهم بتوجيه طلابي للذهاب لتصوير انشطتهم الطايفية بالجامعة، وقدمت إستقالتي من رئاسة القسم بسبب ذلك، تذكرت كلمتي الإرتجالية بحفل تخرجهم كآخر وصية لهم, وأنا أحدثهم بصفتي النقابية عن أسباب الإضراب وان قيادة الجامعة تتحمل مسئولية الإضراب لرفضها منح المدرس 50 ألف ريال بدل مواصلات من رسومهم الدراسية والمقدرة وقتها بما يقرب من ثلاثماية مليون، والتأكيد ان التحريض ضدنا بالعمالة للعدوان الخارجي إسطوانة مشروخة تستخدمها العصابة الثورية لتعتدي على رسومكم وتنهب ملايين الريالات شهريا لها وتشتري السيارات الفارهة وتزايد علينا بالوطنية الزائفة بلا حيا أو خجل، وأعلنت لهم حينها إننا سنكسر الإضراب وسنعود لتدريسكم بشرط ان يتم اعفاءكم من الرسوم ، تقديرا لظرفكم المعيشي القاهر ، وراهنت على عدم حضور لصوص العدوان الداخلي الجامعة بعد ذلك، هاجت القاعة بالتصفيق وصعد الخريجين يخلعون عقود الفل من أعناقهم ليغمروني بها حد دمعت عيناي، عند نزولي من المنصة وهم يتسابقون لعناقي..
أنتهى الحفل وطلابي بحالة قلق وتوجس حول مصيري بعد ملاحظتهم غضب عيال الميليشيا بالقاعة وإبلاغهم لي ان بعضهم تواصل مع قيادة العصابة الثورية بالجامعة والتي بدورها شكلت لجنة للتحقيق ومجلس تأديب ضدي، لرفضي قلة الأدب التي تمارسها داخل الجامعة، تواصل معي بعض الزملاء يلومني عما حصل، كما تواصل معي بعض الطلاب عن اخذ كاميراتهم وحذف فيديو الكلمة..
بادر الخيرين بالضغط علي والتنسيق لترحيلي واسرتي في اليوم الثاني، بعد تاكدهم تحريض العصابة لمسلحي المليشيا بضرورة اعتقالي، غادرت السكن الجامعي ليلا إلى الحالمة تعز … لنبدأ رحلة الشتات والتشرد في هذا المعتقل الكبير.
وانا اسير بالشارع واثق الخطوة يمشي ملكا وسط اول مدينة قاومت المليشيا، لاحظت مقر احد الاحزاب ، فتدكرت عبث عيال الاحزاب داخل الحكومة الشرعية بعدن ، تذكرت الامتيازات التي يحصلو عليها دون وجه حق ، والشعب الذي يزايدون باسمه يتضور جوعا ووجعا، تذكرت مسكني الذي نهبه عيال المليشيا بالحديدة، وتذكرت لوبي الفساد بالشرعية الذي حرمني من بدل السكن كحق مشروع بسبب انتقادي لفسادهم واعتباره والانقلاب وجهان لعملة إجرامية واحدة، تدكرت ما يصرفه هذا اللوبي اللعين من بدلات بالمخالفة لعيال الاحزاب (إيجار وسكن ونفاق وطبال).
تذكرت اني تجاوزت مكان محل التاجر الذي كنت ذاهب إليه لاقترض إيجار البيت، عدت مهرولا إليه قبل ان يغلق محله وقت الظهيرة، وأخذت منه المبلغ وعدت أواصل رحلة الإنكسار والتيه الاكاديمي مجددا بحثا عن وطن خال من جرم المليشيا وفساد عيال الأحزاب.
23 يناير 2019م