هل كان بالإمكان الحفاظ على الوطن … وهل ينفع الندم؟!

محمد علي الجناني

في ظل الأوضاع التي عاشتها وتعيشها اليمن خلال السنوات الأخيرة، كثيراً ما يخطر ببالي سؤالاً ويطرح نفسه قائلاً : هل كان بالإمكان الحفاظ على البلد وعدم الانزلاق إلى ما آلت إليه الأوضاع الحالية في اليمن، وبتتبع التركيبة المختلفة والمعقدة للأطياف السياسية والطبيعة المجتمعية والقبلية وخصوصية اليمن بمشاكله الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية كانت المرحلة تقتضي مراعاة هذه الخصوصية وهذا الوضع وعدم الانجرار إلى تفجير الوضع في كل ربوع اليمن وضرورة احتواء الموقف ومحاولة اصلاح الوضع بأقل الأضرار، وتجاوز الانسداد السياسي، وبناء شراكة حقيقية بين جميع الأطراف السياسية، وإصلاح ما يمكن إصلاحه تجنبا للوصول إلى حالة الصراع والتناحر والانفلات وغياب الدولة وتهديد كيانها وتصدر الميليشيا المسلحة للوضع في ظل غياب تام للدولة بمؤسساتها المختلفة.

والمتتبع للوضع لليمن قبل 2011 يلحظ وجود نموذج للتعايش اقتضتها المصلحة. هذا النموذج كان يأخذ في الاعتبار التوازنات السياسية والطبيعة القبلية والتركيبة الجغرافية للبلاد، ومع انتهاج سياسة التوازنات التي كانت سائدة وبرغم أن حزب المؤتمر الشعبي العام – أكبر أحزاب اليمن –الحزب الحاكم حينها بحكم أغلبية مقاعد البرلمان ، كان هناك تواجد للمعارضة في السلطة بوجه أو بآخر وكانت هناك مساحة للحرية لا بأس بها والتعبير عن الرأي مكفول وهكذا وجدت نوع من الديمقراطية ولو بحدها الأدنى إذا اخذنا في الاعتبار خصوصية اليمن بتعقيداتها السياسية وبحكم اختلاف وتنوع أطيافها السياسية والقبلية والاجتماعية في خصوصية تختلف عن غيرها من البلدان النامية ذات الديمقراطية الناشئة.

فالديمقراطية بشكل عام مطلب لكل الشعوب وهدف تناضل لتحقيقه وترسيخه كل الأطياف السياسية، لكن أيضا يتطلب أن تكون هذه الديمقراطية وفق خصوصية كل بلد وعدم استيرادها وتطبيقها كلياً كما هي في البلدان التي قطعت شوطا كبيراً في الديمقراطية، فما يصلح من آليات للديمقراطية في بلد قد لا يصلح في بلد آخر وهكذا الحال بالنسبة لليمن، فممارسة الديمقراطية بآليات محددة في بلد قد يكن مهددا للأمن والاستقرار وكيان الدولة وخروج الوضع عن السيطرة في اليمن.

لا ننكر وجود اختلالات كبيرة في مجالات عدة حينها ابتداء بالنظام السياسي والنظام الاقتصادي والتركيبة المجتمعية والمشاكل والاختلالات الأمنية وضعف التنمية وغياب التوزيع العادل للمشاريع التنموية في ربوع الوطن. هذا هو ما نقصده بإصلاح الأوضاع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً وتنموياً بما يناسب وخصوصية اليمن كبلد وبما يحفظ له كيانه وسيادته، والحفاظ على القليل الذي أنجز لضمان تحقيق المزيد، لا كمن يريد الشيء كله ولعدم حيلته فقد ما بيده وهذا للأسف ما وصلنا إليه اليوم. فقدنا وطن بكرامته وسيادته وأمنه واستقراره وأصبحت الدولة غائبة والبلد ضائع وابناءه يتقاتلون ويصطفون تحت رايات عدة. تعددت المشاريع، واختلفت الأهداف، وضاع اليمن بشتات أبناءه واختلافهم، ولن يصلح اليمن أو يعود إلى سابق عهده إلا بتصفية النوايا، واجتماع كل الأطراف تحت هدف واحد، والاختلاف الذي لا يفسد للود قضية، وقبول الآخر وترك سياسة الإقصاء، ويبقى الوطن هو مرجع الجميع. هذا هو الضمان الوحيد وبغيره سنظل تائهين نمشي في طريق بلانهاية فيسقط الكثير في طريق الضياع وصحاري التيهان، وسنندم حين لا ينفع الندم حينها ستكون العودة مستحيلة بعد أن قطعنا المسافات البعيدة في طريق الضياع ومواطن الشتات.

في إحدى مقابلاته مع احدى القنوات التلفزيونية العربية، قال الرئيس الراحل صالح:” إن حكم اليمن كالحكم على رؤوس الثعابين” فهو يعرف اليمن وتعقيداتها وتعدد مراكز النفوذ فيها، حيث كانت توجد شخصيات ومراكز نفوذ تنافس الرئيس وسلطة الدولة ومؤسساتها لكنه نجح إلى حد ما في التعامل مع كل الأطياف والتكوينات السياسية والقبلية مما خلق نوع من التوازن فرضته طبيعة المرحلة. حيث كان بالإمكان مواصلة الحوار والتوصل لاتفاق يعمل على الحفاظ على ما تم أنجازه، وإصلاح ما يمكن إصلاحه من أوضاع البلد تجنبا للانزلاق والوصول إلى ما وصلنا إليه، إلا أنه – وللأسف– بوصول الأطراف إلى طريق مسدود وتوقف الحوار بين مختلف الأطياف سلطة ومعارضة خسر البلد كثيراً ودفع الجميع ثمن ذلك غالياً.

قد يقول قائل كان صالح يستخدم سياسية التوازنات واللعب عليها لمصالحه و إطالة بقائه في السلطة وهذا يطرح سؤالاً آخر أيضا ، أين كان دور المعارضة المنشغلة بمشاكلها ولم تجتمع على هدف واحد؟، بل كشفت الأيام أن تنسيقها لم يكن بالشكل المطلوب وتجمعها كان هشاً وسادت عدم الثقة بين أغلب الأحزاب التي كانت منضوية تحت ما يسمى بأحزاب اللقاء المشترك – تجمع يضم أحزاب رئيسية معارضة للنظام الحاكم آنذاك – والمفترض أن يكن دورها أكبر حينها، وأن يحدث هذا الدور فارقاً في الساحة، ولكان شكل ضغطاً على النظام الحاكم وتحقيق وانتزاع ولو الجزء اليسير من الأهداف التي أنشئ اللقاء المشترك لأجلها.

لكن وللأسف والمتتبع اليوم للأحزاب التي كانت يوماً ما منضوية تحت راية واحدة نراها اليوم “شذر مذر”، بل يناكف بعضها بعضا، ذاك بصف، وآخر في صف، وأغلب هذه الصفوف لا تصب في مصلحة الوطن ولا المواطن، هذه المواقف لا ولن تعيد يمناً مستقلاً ذو كرامة وسيادة وبناء دولة قانون، بل تزيد الولوج إلى الضياع والتيهان أكثر.

والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هل كان ولازال بالإمكان تدارك الموقف وإنقاذ البلد مما وصل إليه أم أن الوقت قد فات وهل ينفع الندم؟! فالأيام والأشهر وربما السنوات القادمة كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى