البسارة يكتب | غريب في وطني..
زياد البسارة *
مؤخرا سافر شقيقي الأكبر من وطنه ،عائدا إلى غربته حيث ينتظره بيتة وعائلته وعمله، لكن مشهد الوداع لا يحمل بصمات الفراق..
رجل يصافحني ضاحكا بطريقة مستفزة لاعراف السفر وبروتوكولات الاغتراب وكأنه يغادر سجنا لا وطنا يعيش فيه 40 مليون نسمة، أما عينيه فكانت تطاردني بتساؤلات حاولت عبثا تجاوزها أو حتى نسيانها ،،، ما الذي يبقي شعب على قيد الحياة رغم توفر كل شروط ومعايير الموت؟ ماذا ينتظر بلد في طيات مستقبله المجهول اكثر من معطيات حاضره المعلوم؟ – لم أجد حينها ما احمل عليه جواب لذلك، اكتفيت بتقبيل رأسة وأنا أردد في داخلي نشيد وطن يعزف سلامة الجمهوري على شرف توديع ضيوفه الكرام..
وطني الغريب.. هنالك مسافرون يمنيون تنتظرهم رحلة عودة هي الاطول والاغلى في تاريخ النقل البري والجوي ، حيث يتوجب عليهم إجتياز سلسلة الاحزمة الامنية المنتشرة على امتداد طريق بالغ الطول والخطورة والوعورة حتى وصولهم إلى مدينة عدن، وآخرون ما زالوا يطاردون امتعتهم وحقائبهم العالقة في عدد من المطارات الدولية التي قدر لهم أن تحط اليها رحالهم كرها، وتضع فيها اوزار معاناتهم كرها.
وطني الغريب.. هنالك مواطنون يمنيون يعملون داخل الأراضي اليمنية ليس خارجها، في مهن كالنجارة والمطاعم وبيع القات لا يستطيعون إلى أهلهم سبيلا حتى في الأعياد والمناسبات رغم وجودهم على نفس الأراضي اليمنية، وآخرون يكتفون في نهاية كل شهر بزيارة اقرب فرع للكريمي لإرسال تحويشة ما جمعوه من عملة ورقية مهترئة إلى أسرهم التي تنتظر بفارغ الصبر هذة الحوالة..
وطني الغريب.. هنالك شباب يمنيون يحزمون امتعتهم واشياءهم وذكرياتهم لمغادرة بلد لم يعد لهم فيه مكان يتسع لاحلامهم وطموحاتهم سوى اسواق القات أو جبهات القتال، وآخرون بعمر الزهور يقفون في صالة إنتظار ما بعد الثانوية حتى موعد إعلان خروج التأشيرة من الكفيل الذي لا يهمه سوى دفع المبلغ الكامل للفيزة…
وطني الغريب.. هنالك عائلات يمنية في منفى الغربة تتشوق عبثا لرؤية اقاربها في مسقط الراس بعد سنوات من الغياب لكن تذكرة الحنين إلى الوطن قد لا تسمح لها الحالة الامنية المظطربة بالعبور الآمن من نقاط التفتيش وثكنات الحرب، واخريات بلغ شوقهن إلى الديار سن اليأس بفعل ذلك الضخ الإعلامي المرعب للحالة اليمنية التي يتصورن من خلالها انه لم يعد هنالك من أرض أو انسان.
* كاتب وصحفي يمني
- من حائط الكاتب في فيسبوك