مروان الغفوري يكتب بابعاد عن | الحسين بن علي وقصائده

مروان الغفوري *

كان الحسين بن علي يكتبُ الأشعار، لم ينس قط أن يذكر الناس في مطلع كل قصيدة أن رسول الله جدّه، وأن أمه خير نساء الأرض. ثم يتوسع في الحديث عن ذاته الشريفة: أنا البدرُ، أنا الفضة، أنا ابن الذهبين .. لا يترك قصائده تصل إلى ختامها قبل أن يتساءل: فبأي حق، وأنا البدر والذهب الغالي، يذهب الحكم إلى سواي. كان يفعل ذلك في حياة أبيه، ثم وهو محاط بأهله وعمومته، وكان شعره مما يستحسنونه ويحفظونه. فلم يحدث أن أخبره والد، مثلاً: لا يا بني، الناس سواسية. أو: دعك عن هذا، الدين لله والأرض للجميع. أو: إنما بعث رسول الله نبياً لا ملكاً. إلى غير ذلك. إن مثل هذه التصويبات يستحيل أن تصدر عن علي. يستحيل كليّاً.

أعماله الشعرية تقول الكثير حول فلسفته، انفعالاته، ورؤيته للإسلام والناس والعالم.

قال يوماً ما:

أَنا اِبنُ الَّذي قَد تَعلَمونَ مَكانَهُ
وَلَيسَ عَلى الحَقِّ المُبينِ طَخاءُ

أَلَيسَ رَسولُ اللَهِ جَدّي وَوالِدي
أَنا البَدرُ إِن خَلا النُجوم خَفاءُ

أَلَم يَنزِلِ القُرآنُ خَلفَ بُيوتِنا
صَباحاً وَمِنَ الصَباحِ مَساءُ

يُنازِعُني وَاللَهُ بَيني وَبَينَهُ
يَزيدٌ وَلَيسَ الأَمرُ حَيثُ يَشاءُ

فَيا نُصَحاءَ اللَهِ أَنتُم وُلاتُهُ
وَأَنتُم عَلى أَديانِهِ أُمَناءُ

بِأَيِّ كِتابٍ أَم بِأَيَّةِ سُنَّةٍ
تَناوَلَها عَن أَهلِها البُعَداءُ.

وأنشد شعراً فقال:
ــــــــــ

بِعَلِيِّ الخَيرِ مِن بَعدِ النَبِيّ
وَالنَبِيِّ القُرَشِيِّ الوالِدَين

خيرَةُ اللَهِ مِنَ الخَلقِ أَبي
ثُمَّ أَمّي فَأَنا اِبنُ الخيرَتَين

فِضَّةٌ قَد خَلُصَت مِن ذَهَبٍ
فَأَنا الفِضَّةُ وَاِبنُ الذَهَبَين

مَن لَهُ جَدٌّ كَجَدّي في الوَرى
أَو كَشَيخي فَأَنا اِبنُ القَمَرَين

وأنشد يقول:
ـــــــــــــ

أَنا الحُسَينُ بنُ عَلِيّ بنُ أَبي
طالِب البَدر بِأَرضِ العَرَبِ

أَلَم تَرَوا وَتَعلَموا أَنَّ أَبي
قاتِلُ عَمرٍو وَمُبير مرحَبِ

وَلَم يَزَل قَبلَ كُشوفِ الكَربِ
مُجَلِّياً ذَلِكَ عَن وَجهِ النَبِي

أَلَيسَ مِن أَعجَبِ عَجَبِ العَجَبِ
أَن يَطلُبَ الأَبعَدُ ميراثَ النَبِي

وكتب شعراً فقال:
ـــــ

أَنا اِبنُ عَلَيِّ الحبرِ مِن آلِ هاشِم
كَفاني بِهَذا مَفخَراً حينَ أَفخَرُ

وَجَدّي رَسولُ اللَهِ أَكرَمُ مَن مَشى
وَنَحنُ سِراجُ اللَهِ في الأَرضِ يزهرُ

وَفاطِمَة أُمّي سُلالَةُ أَحمَدٍ
وَعَمّي يُدعى ذا الجَناحَينِ جَعفَرُ

وَفينا كِتابُ اللَهِ يَنزِلُ صادِقاً
وَفينا الهُدى وَالوَحيُ وَالخَيرُ يُذكَرُ

وَنَحنَ وُلاة الناسِ نَسقي وُلاتنا
بِكَأسِ رَسولِ اللَهِ ما لَيسَ يُنكَرُ

وَشيعَتُنا في الناسِ أَكرَمُ شيعَةٍ
وَمُبغِضُنا يَومَ القِيامَةِ يَخسَرُ.

ــــ

قد نأتي قريباً إلى دراسة رؤية للرجل للسياسة والعالم من خلال أشعاره.

قبل أن أترككم أود أن أخبركم أن خصمه يزيد بن أبي سفيان [الإمبراطور الأموي الثاني] كان وقت فراغه يكتب الأشعار أيضاً، وكان يذهب بقصائده بعيداً. الإمبراطور يزيد سيموت عن 38 عامّاً، وستعيش أمه زهاء عقدين من الزمان بعد وفاته. لطالما شتم الحُسينُ وجماعته يزيداً بأمه، فهي العاهرة التي دخلت التاريخ من أسوأ أبوابه. ولكن من هي أم يزيد؟ كانت مثقفة عربية طليعية، مسيحية تنتمي إلى الكنيسة الشرقية/ السريانية. كتبت الشعر، وكانت جميلة مختالة، تعلم أنها تزوّجت الإمبراطور من خلال استراتيجية “السلام عبر تبادل النساء”. ما إن صارت “السيدة الأولى” حتى صار مسيحيو الشام وزراء في مركز الإمبراطورية، ومستشارين. كانت ميسون شديدة الولع بابنها الوحيد، فخورة بمعارفها وموهبتها، أخذت الغلام إلى البادية وعلمته الشعر والآداب واللغة. نجحت ميسون، فيما يبدو، في صناعة مثقف شاب أخذ الإمبراطورية باكراً وغادرها بعد أقل من أربعة أعوام. كتب يزيد عن الحب والفقد والخسران والبادية، كتب عن الليل والنخيل والتيه، وتذلل في قصائده للجميلات، وجثا لهن في غيابهن وأهال على نفسه التراب غداة رحيلهن. عاش داخل قصيدة قديمة، يمكننا القول. لم يكن بدراً ولا قمراً، كان ابن شاعرة عربية..

وكان يقول:

وَلَمّا تَلاقَينا وَجَدتُ بَنانَها
مُخَضَّبَةً تَحكي عُصارَةَ عَندَمِ

فَقُلتُ خَضَبتِ الكَفَّ بَعدي أَهَكَذا
يَكونُ جَزاءُ المُستَهامِ المُتَيَّمِ

فَقالَت وَأَلقَت في الحَشا لا عِجَ الجَوى
مَقالَةَ مَن بِالحُبِّ لَم يَتَبَرَّمِ

بَكَيتُ دَماً يَومَ النَوى فَمَنَعتُهُ
بِكَفِّيَ فَاِحمَرَّت بَنانِيَ مِن دَمِ

وَلَو قَبلَ مَبكاها بَكَيتُ صَبابَةً
بِسُعدى شَفَيتُ النَفسَ قَبلَ التَنَدُّمِ

وَلَكِن بَكَت قَبلي فَهَيَّجَ لِيَ البُكى
بُكاها فَقُلت الفَضل لِلمُتَقَدِّمِ

ـــــ

عن يزيد والحسين الشاعرين [ابن الأرض، وابن السماء] يمكن أن نكتب الكثير جداً، لو أتيح لنا الوقت.

* من حائط مرون الغفوري في #فيسبوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى