من الوطن المنفي.. منفيون إلى المناطق المحررة
مصطفى محمود
مع ان تعبير المنفى ليس هو المفهوم الدقيق لوصف حال هؤلاء اليمنيين الذين تشتتوا في أصقاع الأرض. بأنهم “منفيون”، ولكننا لا نعثر على كلمة أخرى تحيط بهذا الحال. الهجرة أو التهجير أو الرحيل أو النزوح أو اللجوء … الخ، كلمات معبرة ولكنها مبتورة، يغلب فيها اللون المؤقت، فيها تركيز على الفعل الآني الذي تندفع إليه جماعة بشرية.
هناك نفي من نوع آخر تمارس على[ الكتاب السياسيين والاعلاميين والناشطين ] الذين خرجوا من مناطق سيطرة المليشيا الحوثية الى المناطق المحررة، عملية نفي تمارسها الشرعية من خلال حرمانهم من مرتباتهم مصدر دخلهم الوحيد وتحطيم مقومات معيشتهم، إذ ان بعضهم يتقاضون مرتبات اربعه اشهر في العام الكامل، ماجعلهم يصارعون شبح الموت في كل شيء يبحثون عنه ليحميهم من الموت جوعا ومرضا ويوفر إيجار المسكن والاحتياجات المعيشيه الضروريه وهنا يفرض علينا هول ما وصلنا إليه من “نفي”، أن نتأمل في مواضيع مثل: كيف يستقر المنفي، وهل يستقر؟ وعلى أي أساس يتوازن، وهل يتوازن؟…
من الطبيعي أن يقود اختلاف المنافي إلى اختلاف النتائج والآثار. لكن مايحدث في النفي الداخلي في المناطق المحرره ان سلطات الامر الواقع لاتريد سوى تركهم على هامش الحياة فيتضاعف النفي، فيجد المنفي نفسه منفياً مرة ثانية، مرة من وطنه ومرة من المجتمع الذي لجأليه في نطاق سيطرة القوى المعهود اليها تحرير اليمن من الحوثي ” فينتابه شعور الغربه من البعد عن مكان نشأة الإنسان وتكوينه، عن المكان “الطبيعي” حين تصبح شروط الحياة في هذا المكان قاسية إلى حد شعور المرء بأن المكان نفسه يتنكر له. ليس فقط عن الإنسان المنفي، بل وعن “الوطن المنفي”، الحال الذي يكون أكثر قسوة، لأن فيه نزع عناصر الوطن من الوطن، أو تحويل الوطن إلى منفى، أو نفي الوطن عن أهله.
ففي الاعتبار الذاتي، كما في السياق السياسي من يُنفى فهو يعد مقاوماً، ويمكن ان يكون مفيداً لليمن القادم ويمكن أن يستند نفسياً على هذا في اعتباره الذاتي، ، ولذلك النفي الذي تمارسه الشرعيه وسلطات الامر الواقع في المناطق المحررة هو عملية سرقة الوطنية اليمنية من وجدان اليمنيين، أو بكلام آخر، يجري “نفي الوطن” من وعي قطاعات كبيرة من اليمنيين الذين لم يخرجوا إلى المنافي، فجاء المنفى إلى بيوتهم، في تكامل أو تواطؤ بين الفاسد المحرر وصاحب المطامع الخارجي.