المرأة العظيمة
آزال الصباري
في يوم المرأة أعتقد أن المرأة اليمنية لا سيما في هذه الظروف تستحق أن يشار إليها بالبنان، ويرمز إليها بالعظمة والشموخ، لا يشترط أن تلازم هذه العظمة مناصبٌ أو كراسٍ.
المسؤولية التي تتحملها المرأة كبيرة، وقد أثبتت بقوتها وعزيمتها أنها قادرة على تحدي الزمن والظروف، وكأن أفعالها اليوم تقول: أنها هنا، المرأة الأم المربية والعاملة، السند والعضد، أنا هنا لأعين أسرتي وزوجي في هذه الأزمات المخيفة، أنا هنا لأحمل حقيبتي وأقاسم الرجل العناء والكد نهارا، وأدير وظائف البيت وأربي الصغار مساءً.
تساعدني طبيعة عملي على مراقبة تلك العظمة، أعمل معلمة منذ ٢٠١٢،قبل تخرجي بعام، ويتزامن هذا التاريخ مع تقلب حال البلاد،وارتفاع الاسعار وتتابع الأزمات، وبعده بسنوات قليلة تفاقم الوضع خطورةً وقساوة، فاشتعلت الحرب، فمن جهة خسرت بيوتٌ الأيدي التي كانت تأتيها بالخبز والماء وتحفها بالستر والأمن والأمان، رجال كثر ماتوا، وأصبحت تلك الأسر دون معيل ، ومن الجهة الأخرى انقطعت الرواتب، فتكالبت الظروف على الرجال، انعدم المال، وارتفع إيجار البيوت، وتصاعدت الأسعار ولم يجد الرجل للفرج سبيلا ولا حيلة، وفي هذه الظروف خرجت النساء للعمل الشريف في المرافق الخاصة، وأكثرها وأتعبها وأقلها أجرا المدارس الخاصة.
ألتقي كل يوم بزميلاتي المعلمات، نختطف بعض الأحاديث في أوقات الاستراحة وأوقات أُخر غير معدة مسبقا للحديث، فتأتي القصص دون قصد، فتتحدث تلك أنها وشقيقاتها الثلاث يعملن بحيث تتولى هي دفع الإيجار، وتتقاسم أختاها مسؤولية توفير حاجيات البيت، وتسرد هذه حكايتها التي تبدلت من رغد العيش إلى كدِّه، فزوجها الذي كان موظفا في قطاع حكومي، عمل لفترة في حمل الأحجار فوقعت صخرة على ساقه، ومع توالي العمليات تعطلت ساقه، وأصبح مقعدا عاجزا عن أسرته، وهي الآن من تعيل الأسرة وتديرها وتتحمل نفسية زوجها المتعبة.. هناك قصص كثيرة من أعظم القصص، هي حكاية الخالة، والخالة اسم يطلق على من تعمل منظفة في المدرسة، إلتقيت بها في صبوح جماعي قبل اجتماع مطول في المدرسة،كانت تتحدث عن زوجها وكيف كانت تغار عليه من زوجته الثانية التي جاء بها ضرةً عليها في أيام العز، وكنتُ قد حضرت متأخرة،فتأخر عني فهم من تكون، كانت تجلس جواري وقد أرخت لثامها، فبدت وجهها كالهلال تزينه عينان عسليتان ويتسوطه حمرة بدت على خديها، عرفت أنها الخالة المرأة التي ألقي عليها التحية كل صباح وهي منكبة على عملها، لا أرى منها سوى بصيص عينين مجهدتين.
حينما عرفتُ من تكون، اقتربتُ منها لألتمس من عظمتها قدرا أستعين به وقت الانتكاسات، انقطعت عن الجميع لأسمع قصتها، شدني ملامح العزِّ التي أفصح عنها شيءٌ، لم استطع تحديده بين قوسين. سألتها عن أبنائها وبيتها، أخلصت في الحديث لتظهر أن زوجها كان رجلا شهما وكريما حينما كان يملك بيتا وتجارة صغيرة جعلته من الميسورين، ونسيت تماما أنه تزوج عليها أيضا حينما كان كذلك، دمرت القذائف بيتهم وشردتهم، باع زوجها تجارته، نزحوا استأجروا بيتا لسنتين بما تبقى،ثم تمزق الجيب وانتهى الحال بهم في دكانٍ صغير، أخبرتني كم هي مجهدة من العمل وسعيدة في الوقت نفسه، لأنها تدفع إيجار الدكان وتوفر أدوات ومصاريف المدرسة لابنيها وابنتها، ضحكت بحنان وهي تخبرني أنها تشتري نصف دجاج كل مرةً كل أسبوعين، فيطلب زوجها أن تصنع منها مرقا، وملوخية، وعقدة دجاج، لأ أدري كيف يمكن أن تنجح في ذلك.
زوجها يجلس في البيت منذ سنوات ، دون عمل، وتعمل هي وحدها، حين، سألتها في حنقٍ: لماذا لايعمل زوجك؟ ردت ردا أشتد له غضبي، قالت:” إنه لم يجد عملا ويستحي أن يعمل مثلها”، ثم أستدركت” لكنه طيب ويقدرني، وأنا في آخر الأمر لا أستطيع أن أرى أبنائي يموتون جوع.” أتعبتني عبارتها الأخيرة، اشترغت الكلمات بغصةٍ في حلقي، خشيتُ أت تلاحظ ذلك، فلطفت المرارة بسؤالٍ لم يكن الأخير: ” هل تفضلين زوجك الفقير أم الغني الميسور الذي تزوج عليك؟ قالت الفقر ولا الغيرة، لولم تتقلب الأحوال لتزوج الثالثة والرابعة.