آزال الصباري تكتب عن | المرأة والمجتمع
آزال الصباري
ماذا لو حصلت المرأة على جواز سفر دون وصي، هل كل النساء ستهرب من أُسرها، هل تفضل المرأة حياة التشرد على الاستقرار الأسري العاطفي الاجتماعي، هل ستطلب كل النساء لجوءا إلى أحضان دول أجنبية، وتترك وطنها، هل ستهرب كل النساء؟ أيعقل هذا؟
هل ستتحول هذه القلوب الجميلة الصبورة والعقول المحبة والأرواح المتفانية إلى متمردات؟
لماذا سيتمردن؟ لماذا تصل المرأة لمرحلة تفكر فيها بالهروب منك أيها الرجل العظيم؟
ألم نسأل أنفسنا لماذا حدث ولجأت بعض النساء لوسيلة الهروب واللجوء؟
الحديث مستفيض والرأي في هذا الأمر يبدو شائكا، لكن دعونا نقرُّ باعترافات بسيطة، لنعترف أن الرجل خائفا من حصول المرأة على أمر أو حق أستأثر به الرجال لزمن طويل، زمن كانت فيه القوة والسلطة هي قوة الجسد، لنعترف أن الرجل يخشى حصول المرأة على جواز سفر دون وصاية،ولا يخشى أن تظل المرأة أمية تجهل القراءة، وهو يعي أن المرأة هي المؤسسة التي تشكل وتهيكل حشود الأجيال على مر العصور ، لنعترف أن جيلا غبيا مغفلا عنصريا نزقا سهل التجنيد يكتس الساحة وبهذا الجيل تدار المعارك التي تستنزف هذا الوطن وإن المرأة الأمية المغيب وعيها هي مصنع هذا الجيل الملغوم بالموت، لنعترف أن الحرب كشفت لنا جانبا كنا نجهله، ذلك هو أهمية تعليم المرأة نواة الأسرة ونقطة البداية وعظمة الختام.
لنعترف بالمقابل أن المرأة من تصنع الأسرة من تدير أمورها بصبرها بتضحيتها، بقلقلها، بتدبيرها، بكل ما تيسر لها من جهد وحيلة وتفانٍ وتضحية، سواء كانت أما أو أختا أو زوجة، لم تتنصل امرأة عن دورها الذي يلقيه عليها الزمن إلا فيما ندر وتلك حالات لا يقاس عليها، لم تتخل امرأة عن صغارها بعد وفاة الأب أو انفصاله عنها، أو غيابه، أو أهماله، تقدم المرأة صغارها على نفسها، لم يحدث أن تخلت أخت عن أشقاءها الصغار وهم بحاجتها، ولم يحدث أن تناست ابنة دورها تجاه أبويها المسنين مهما أمتدت المسافة بينها وبينهم، في حين لايقدم الرجل على نفسه أحد، ولايفضل دونها أحد، باستثناء قلة متفانية لا يقاس عليها، يفكر الرجل بنفسه أولا ثم يأتي البقية أو لا يأتون، فالرجل يتزوج ويترك أبناءه، يتزوج إذا توفت، يتزوج إذا قصرت، يتزوج إذا زاد ماله ويتزوج إذا استمرت بإنجاب البنات ولم تأتي بولي العهد،، يتخلى الغالبية العظمى بعد زواجه عن أبناءه ويقصر ويقسو، قد يجعلهم تحت أجنحته فقط ليرضى رغبة الانتقام من قلب أمهم، أو انتصارا لرجولته، أو حفاظا على سمعته أمام الناس، والابن قد يترك والديه ليعيش بهدوء مع زوجته، مع ذلك تظل المرأة هذه المتفانية الصبورة مصدر قلق العائلة، ويجب أن تراقب، وتحاسب، وتحاصر، أما حصولها على بطاقة شخصية، أو جواز سفر فإنه اعتداء سافر على حق الرجال ، ودعوة للإنفلات والتمييع للمجتمع، المجتمع الذي تديره النساء بين حجرات البيوت بينما يظل الرجل في مقيله أو في غربته.
لعترف أيضا أن العصر ليس عصر السيف والخيل والليل والصحراء وإنه عصر العقل والعلم والبناء القائم على التنافس في مواكبة التقدم ، وإن المرأة نصف هذا العصر، وإنها تفتقر لسلاح الثقة الذي يجعلها قادرة على تصحيح الأخطاء بعقلانية، وتجاوز العثرات بنضج، والتصرف بمسؤولية تجاه نفسها وأسرتها و… لماذا نصر على تهميشها وتجهيلها وتأطيرها بين مسميين إما كائنا ضعيفا جاهلا، أو كائنا خطيرا يدعو للرذيلة والانحلال؟
لنعترف أن الرجل يرتبك خجلا من صوت المرأة وظهورها وأن المرأة ترتبك خوفا من صوت الرجل وظهوره، ولنعترف أن هذاين الإرتباكين يسيران في خطين متوازيين لن يلتقيان أبدا في نقطة مشتركة تصنع رؤى جديدة متقاربة ومنسجمة، وحتما سينتج بين هذاين المسارين المتباعدين فجوات وفجوات تظهر وتبرز حينما يشتد الحناق على الجانب الأضعف.
لنفترض أن حصول المرأة على جواز سفر دون وصاية حامي الديار أمر شائك، حسنا لنخض بعض التفاصيل الأخرى، ولنتسائل، لماذا يظل الرجل خائفٌ من حصول المرأة على حق من الحقوق؟ حتى أبسط الحقوق كإدلاء رأيها،و ممارسة هويتها، أو الخروج إلى ميدان العمل، في الحقيقة الرجل يرتبك ويرتجف وتهتز رجولته لمجرد أن تتكلم أخته، زوجته، ابنته، أمه، بحضوره، يختلف هذا الارتباك من رجل لآخر بحسب المحيط الأصغر، الأسرة، فهنا من يجيز حديثها في حضوره مادامت داخل البيت فقط، وهنا من لايسمح بحديثها خارج البيت لا سيما أمام زملائه أو أمام خليط العامة، ولو حدث ذلك منها وتجاوزت صلاحيتها عليها أن تتحمل العقاب نتيجة تهورها الطائش، ولك أن تستحضر صور العقاب المنصوص عليها ، ضرب، توبيخ، منع من مغادرة البيت، ولا يوجد عمر معين يقيد صلاحية الرجل في إنزال العقوبة، فالأخ الأصغر الذي قد لا يتجاوز عشر سنوات يحق له ضرب أخته وتربيتها، حتى وإن كانت تكبره بعشرين أو ثلاثين عاما، وإن كانت هي دون شك هي من تدير له كل أمور حياته وتستذكر له دروسه وترعاه، وتغسل له فراشه الذي يبلله ليلا، عليه أن يفزَّ فزةَ رجل غيور ليضربها نعم عليه أن يضربها ويمنع عنها حتى التنفس ليكون رجلا، كيف سيكون رجلا إذا لم تكن كلمته وصوته ويده الأعلى والأعلى، وحتى وإن كانت أمه، لاضير، المرأة هي المرأة مهما بلغت من العمر، مهما بلغت من النضج، مهما نالت من مكانة، وهل هناك أعلى مرتبة من مكانة أم، المرأة هي الخطأ والخطيئة، وهي العار، وهي (منكسة الرؤوس وموطية العمائم) وعلى أصغر فرد في العائلة أن يعيد تربية المرأة، ليكن ذلك الذي الصبي العاجز عن تدبير أمر من أموره ، وليكن ذلك الشاب المراهق المفتعل لكل المشكلات التي تقع بها الأسرة، وليكن ذلك الرجل الذي قد سرق كل ذهب أمه وأخته وخزنة أبيه، ليكن أي رجل في المنزل أو خارجه من قريب أو من بعيد.
أعتقد أن الرجل تستفزُّهُ مطالبة المرأة لأي حق أو حلمها بطموح معين لأسباب ذكورية تراكمية لا علاقة لها بالأخلاق، لزمان طويل أستأثر الرجل بأحقية طولها يمتد مابين السماء والأرض، وطيلة تلك الأزمنة كانت المرأة حقيبة من حقايب سفره أو متاعا من أمتعته التي ترافقه، لم تكن المرأة كائن له حق التفكير أو المشاركة أو الاستقلال حتى في حلم تختسله من بين أستار الليالي، كل ذلك كان لنتائج دينية ومجتمعية منحت الكائن الأقوى جسديا حق السلطة المطلقة.
ويزعم الرجل أنه الأفضل حتى أمام الله، الكثير يقولون أن الله فضلهم على النساء وميزهم وينسون قوله تعالى « إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكركم عند الله أتقاكم»
فيتناسى الآية ويذهب لمواضع أخرى يحرف مقاصدها ومعانيها ليمتع نفسه بحق الوصاية ليس إلا.
- كاتبة وشاعرة من اليمن