خديجة خالد تكتب | مكانة المعلم اليمني في سنوات الحرب
خديجة خالد
إن النظرة الحديثة للمعلم تتمثل باعتباره معلم مربي ، قدوة، ويمثل دعامة أساسية من دعامات الحضارة فهو صانع أجيال ،وناشر علم ورائد فكر ومؤسس نهضة؛ وإذا كانت الأمم تقاس برجالها فالمعلم هو باني الرجال وصانع المستقبل.
المعلم له دور عظيم لينشأ جيلاً صاعداً مواكبا للحياة الحضارية ،محتفظا بقيمه الدينية ، متسلحاً بالعلم.
فمهنة التعليم من أجل المهن وأقدسها. والمعلم هو حجر الزاوية في العملية التربوية والتعليمية ، هو مربي الأجيال، وصانع الرجال، ووريث الأنبياء في أسمى رسالة وهي رسالة العلم ، وهو البنّاء الذي يضع حجر الأساس في شخصية الفرد وصقله ، ودوره يمتد لتنمية قدرات الأجيال وتعزيز الاتجاهات، وتربيتهم تربية صحيحة ليكونوا قدوة يُحتذى بهم.
ومنذ القدم المعلم يحتل مكانة عظيمة في المجتمع ، والتاريخ الإسلامي يزخر بقصص وشواهد ترفع من قيمة المعلم ولقد صدق الشاعر حينما قال :
قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا
فما هي مكانة المعلم اليمني في سنوات الحرب؟ ؟
منذُ سبع سنوات يعاني اليمن من حرب ظالمة أهلكت النسل والحرث، وجعلت البلد يعيش أسوأ حالة إنسانية في العالم، حسب توصيف منظمات يمنية ودولية؛ إذ تسببت الحرب في تردي الوضع الاقتصادي وتوقف الصادرات وعجز أطراف النزاع عن صرف مرتبات الموظفين.
وألقت الحرب بتبعات قاتمة على اليمنيين، لا سيما موظفي الدولة الذين لا يملكون مصدرًا آخرَ للدخل، منهم ما يزيد عن 170 ألف معلم يعيشون أوضاعًا إنسانية صعبة للغاية، بسبب توقف رواتبهم.
لذا فقد لجأ كثير من المعلمين إلى البحث عن مصادر دخل أخرى من أجل تأمين دخلهم المعيشي، والاستمرار في الحياة، فيما تخلى كثيرون عن وظائفهم ولجأوا للبحث عن بدائل أخرى للعيش، بينما لا يزال هناك آخرون يقومون بعملهم بنصف راتب في المناسبات الدينية والوطنية في المناطق الشمالية؛ بينما يستلم المعلم راتب بقيمة 20$ في المناطق الجنوبية في ظل الأنهيار الحاد للعملة الوطنية في تلك المناطق ؛ ومما سبق يتضح للجميع أن المعلم لا يستطيع توفير الأساسيات الضرورية للحياة؛ لذلك لجأ كثير من المعلمين إلى ممارسة أعمال يدوية لكسب لقمة العيش لأطفالهم، كالعمل في البناء بأجر يومي، أو باتوا باعة متجولين، بعدما نفدت مدخراتهم، مع العلم أنّ ضعف رواتبهم لا تسمح بالادخار أساسا.
والصورة المؤلمة للمعلمين ـ خاصة في المدن ـ أن بعضهم في الشوارع والأحياء يطلبون ثمن الدواء أو الغذاء والمواصلات، وبعضهم يستعطفون طلابهم الميسورين أن يمدوا لهم يد العون، وما خفي كان أعظم؛ ناهيك عن موت البعض منهم بسبب الفاقة أو عدم حصولهم على ثمن الإسعافات الأولية، وكثيرون أقدموا على الانتحار بشكل أو بآخر؛ لأنهم لا يستطيعون النظر إلى وجوه أطفالهم وزوجاتهم، مما ترتب عليه انخراط أبناءهم في جبهات القتال؛ لأنهم يئسوا من قدرة آبائهم على الوفاء بالتزاماتهم.
هذا هو المعلم اليمني وهذه مكانته في ظل أستمرار الحرب وأنعكاساتها ؛ فأي جهد تطلبه الأمة منهم لصناعة أبناءهما و علاج أدواء جهل عقولهم،يقول الشاعر :
إِن المعلمَ والطبيبَ كلاهُما
لا ينصحانِ إِذا هما لم يُكَرما
فاصبرْ لدائكَ إِن أهنتَ طبيبَهُ
واصبرْ لجهلكَ إِن جفوتَ مُعَلِّما
إن للمعلم الدور المركزي والأساسي في تقدم المجتمعات ونهوضها، هو الذي يصنع الأجيال ويعدها للمستقبل كي تنهض بأوطانها في كل المجالات العلمية والتقنية، ولهذا نجد معظم دول العالم تهتم بالمنظومة التعليمية وتسعى إلى تطويرها بشكل مستمر بما يتناسب مع التطور الكبير والمتسارع الذي يعرفه العالم في كل المجالات، خاصة الدول المتقدمة التي وعت وبشكل مبكر أن الركن الأساس في إصلاح المنظومة التعليمية هي تحسين وضعية المعلم عبر الاهتمام بوضعه المادي وتكوينه المستمر وإطلاعه على كل جديد في عالم التربية والتعليم وعالم المعرفة، مما يحفزه على أداء مهامه على أحسن وجه.