فكري قاسم يكتب | امسكوا السارق!!

فكري قاسم

مش من مصلحة الحكومات والأنظمة العربية الفاسدة أن تقطع أيادي اللصوص؛ لإنها لو فعلت ذلك فمن سيصفّق لها إذن؟


عندما وازن “بريشت” بين القانون والعدل واللصوصية
اعتبر أن القانون هو التسمية المؤدبة للسرقة والقهر، وأن المجتمع يطارد اللصوص الصغار ليحمي لصوصه الكبار.

وذلك صحيح إلى حدا كبير.

مثلاً، سيهرع شارع بأكمله لمطارة لص سرق حذاء من المسجد، وسيمسكوا به ويوسعوه ضربًا ينسيه إسمه ومقاس الحذاء الذي يلبسه كمان.

لكن الشارع نفسه سيقف متفرجًا لبيبًا حيال الوزير الفاسد وهو يسرق الوضائف العامة ويبيعها لمن يدفع له او يمنحها لأهله وذويه سيقف موقف المتفرج وهو يرى.مدير العقار وهو يبيع الاراضي العامة لهوامير الفساد سيطبق فيه ولن ينبس ببنت شفة وهو يشاهد احتكار المواد الغذائية والأمة بأمس الحاجة لما يسد به رمقه سيرفع الراية البيضاء ويقول انا ليس لي علاقة والفاسدون يتاجرون بدماء إخوانه وينهبون ثروات بلاده ويتحكمون بمصير الأمة ويطمسون هويتها ودينها !!

ومش كذا بس،،

بل إنك ستجد الشارع الذي طارد سارق الحذاء يقف بإجلال وتعظيم لسرّاق البلاد، وسيمنحهم ألقاب التبجيل، وسيضرب لهم تعظيم سلام مربع، ويسميهم وزراء ومدراء وقادة ورؤساء!!..

قبل فترة لا بأس بها، بالمناسبة، دخل إلى حارتنا بمنتصف الليل لص وقلبها رأسًا على عقب، واستيقظ جميع الأهالي من نومهم هلعين من صراخ صاحب البيت الذي تسلل إليه اللص وراح يصيح بكل صوته:

  • أمسكوا السارق

وبدأت من تلك اللحظة المطاردة بعد اللص من زقاق إلى زقاق ومن سقف إلى آخر .

كلهم خرجوا من بيوتهم متشنجين يدوروه بالسراج ويصيحوا :

– وين سار ؟ أين جاء ؟

الذي أخذ البندقية وخرج يلاحقه بيعمل له طلقه أو طلقتين، والذي نتع له صميل وخرج يصيح:

– أين جاء الملعون ابن الملعون
والذي خرج بالجنبيه يدور السارق بيطعن ابوه.
والذي قفز ونتع سيف قديم معلق للزينة في غرفة الإستقبال وخرج مهرول بسروال النوم ولا عنتر شايل سيفه في معركة بوقت متأخر من الليل لإسترجاع الأندلس المفقودة..!!

حتى جاري الذي ظل يردد دائمًا أن صوت المرأة عورة، نهر زوجته وأهانها بشدة يومها لأنها لمحت السارق يهرب من أمامها ولم تصرخ أو تغوّر .

كلهم عمومًا خرجوا يدوروا السارق يشتوا يمسكوه عشان يخرجوا غَرْقتهم من لصوص المجتمع الكبار فوق رأسه، ومافي معاهم غريم إلا هوه.

واستمرت ملاحقة السارق والبحث عنه لمدة ساعتين من دون أي جدوى، لقد كان لصًّا خفيفًا شبيه الريح، لو أن لدينا وزارة شباب ورياضة بنت ناس، وتعتني بالمواهب لكان ذلك اللص الخفيف أحد لاعبي القوى المعتبَرين في العالم، لكن اللصوصية نفسها هي التي دمرت كل موهبة في البلد على أي حال..

وعاد الجميع إلى بيوتهم قبل أذان الفجر بخفي حنين فيما كان اللص الخفيف قد اختفى تمامًا مثل فص ملح ذاب..

وفي اليوم الثاني مباشرة استيقظ أهالي الحارة من نومهم على ارتفاع مهول في أسعار السلع الأساسية التي تدخل إلى كل بيت، ولكن من دون أن يفكر أحدهم يخرج يدور السارق الخفي الذي امتدت يده إلى لقمة عيشهم..!!

والآن عمومًا يمكنني أن أطمئنكم، وأقول :

الحمد لله؛ لأن اللصوص الصغار أقلعوا تمامًا عن مغامرة الدخول إلى حارتنا من بعد تلك المطاردة الليلية وراء لص خفيف طار مع الريح..

لكن الكارثة الحقيقية والمستمرة في عصد حياتنا بشكل يومي هي أن اللصوص الكبار ما يزالون يتسللون إلينا طيلة الوقت عبر السلع والمواد الأساسية التي تدخل إلى بيوتنا كل يوم بأسعار مضاعفة وما فيش من يخرج ليصيح : امسكوا السارق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى