التركيز على إسقاط سلطة المليشيا الحوثية أحد الأخطاء الكبرى في تاريخ اليمنيين

مصطفى محمود *

جادلني بعض المثقفين المحسوبين على المليشيا الحوثية، بأن حراك الاقيال وبقية القوى اليمنيه المناهضه للمشروع الامامي، برغم التضحيات التي قدّمتها لم تتمكن في النهاية من إسقاط المليشيا الحوثية وهذا يعني أن القوى الجمهورية انتهت، أو أنها في طريقها إلى التلاشي، ولا سيّما أنها حاليًا بعيدة بدرجة كبيرة عن إجبار المليشيا الحوثيه على التسليم.

حسناً في هذا المقال سنناقش قضيتين أساسيتين في هذا السياق: الأولـى: من الحقائق التي يغفلها المثقفون أن الثورات التي تتمكن من اسقاط الاحتلال او الحكم الديكتاتوري، في السنوات الاولى من اندلاعها تفشل في تحقيق الأهداف التي قامت من اجلها.

والثـانيـة: الذي لايعرفه الكثيرون أن حراك الاقيال وبقية القوى الوطنيه تهدف بالأساس إلى تغيير البراديم (نظام التفكير في السياسة والثقافة في بنية المجتمع). وما إسقاط المليشيا الحوثية سوى إحدى الطرق للوصول إلى تغيير البراديم، بل إنه قد لا يكون أفضلها، كما يقول تاريخ الثورات الحديثة.

فإذا نظرنا إلى ثورة 26سبتمبر المجيدة تمكنت من اسقاط سلطة الكهنوتي محمد البدر سريعاً فسقطت اهدافها مع سقوطه وبقيت الجمهورية مشروع غير مكتمل الاهداف والغاية وما الحوثي اليوم إلا احد نتائج سقوط اهداف الجمهورية يوم سقوط سلطة البدر.

ان الثورة او معارضة او حركات احتجاجية شعبية او عسكرية او جميعهم معاّ اذا تمكنت من اسقاط السلطة الفاسدة في السنوات الاولى لاندلاعها تسقط اهدافها
فالثورة الإيرانية والروسية والمصرية، مثلًا، تمكنت من إسقاط النظام الحاكم بشكل كلي، غير أنها أنتجت نظام حكم لم يكن أفضل من الأنظمة السابقة، على الأقل على مستوى الحريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، أي أنها لم تتمكن من تغيير البراديم السياسي المسيطر على تلك المجتمعات، وهو براديم تسلطي دكتاتوري فاسد.

بينما الثورة الفرنسية التي عانت الكثير، وقد عاد النظام الذي كان قبل الثورة أكثر من مرّة إلى الحكم، فإنها ثورة ناجحة، ليس لأنها تمكنت في النهاية من إسقاط النظام، ولكن لأنها فرضت في النهاية براديم المساواة والحقوق والحريات ودولة القانون الذي قامت من أجله، وما يقال عن الثورة الفرنسية يقال عن الثورة الأميركية أيضًا، من حيث إن نجاحها كان بسبب تمكنها من تغيير البراديم السياسي والاجتماعي المسيطر، وليس بسبب تمكنها من إسقاط نظام الحكم السابق فقط، والحصول على الاستقلال.

التركيز على إسقاط المليشيا الحوثية أحد الأخطاء الكبرى في تاريخ اليمنيين، صحيح ان الأوضاع في زمن الحرب، صعبه وشديدة العسرة بل انها معقدة ومتسارعة، ولكن هذا أحد أخطاء الشرعية وبقية القوى المناهضه لمليشيا الحوثي لقد اعتقدت أن انتصار المشروع الجمهوري الاتحادي لن يتحقق الا اذا بدأت بهدف إسقاط المليشيا الحوثية، الخطأ هنا أن التركيز على المسارات الأخرى في النضال لم يكن بدرجة التركيز على اسقاط سلطة المليشيا الحوثيه.

ان للنضال الوطني ضد المليشيا الحوثية، وضد كافه المشاريع الصغيرة مسارات وأهداف متشعبة ومتداخلة، تتعلق بأمور عديدة: مثل، تعزيز وتعميق الهوية اليمنية، العدالة الاجتماعية، المساواة، إنصاف المهمشين انهاء الطبقيه والفوارق الاجتماعية ، نبذ ثقافة العبودية والكهنوتيه وقابلية الاحتلال المباشر او بالوكالة، تأكيد مركزية حقوق اليمنيين، تحفيز الشعور بالمسؤولية داخل المجتمع، كشف زيف الأفكار النمطية السلبية التي نمَّط بها الاحتلال والفكر السلالي الكهنوتي اليمنيين فضح زيف الأيديولوجيات الشمولية المسيطرة على المجال السياسي اليمني، إعادة الثقة بين اليمنيين من جهة، وبين هويتهم وتاريخهم الحضاري من جهة أخرى، التفكير في وطنية جديدة يلتف حولها اليمنيون.

ولذلك فإن تحفيز هذه المسارات يعدّ استمرارًا لنصالاتنا الوطنية المقدسة، وليس من المقبول أن يقفز كفاح اليمنيين فوقها.

إن المراقب لمسار الكفاح ضد المليشيا الحوثيه يدرك بسهولة أن تلك المجالات تُركت، أو تم تأجيلها، لحين إسقاط المليشيا الكهنوتية، وهذا خطاء جسيم لان اسقاط الحوثي دون اسقاط الوعي الزائف سينبت الف حوثي.

  • كاتب من اليمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى