في سبتمبر 1962 سقطت الإمامة كسلطة وبقيت الفكرة!
عبدالفتاح البتول
لقد أزاحت ثورة «26 سبتمبر» العملاقة، عن صدر وبطن وظهر الشعب اليمني، أزاحت حكماً مزرياً سلالياً وراثياً منغلقاً ومظلماً، ولم يكن الحكم الإمامي الهالك مجرد تصور سياسي ضيق يمزق البلاد ويظلم العباد ويهلك الحرث والنسل، ويستأثر بالأمر والنهي، ويملك الأرض والإنسان، وإنما كان ثمرة مباشرة ونتيجة طبيعية لتصور عقائدي ومنهج فكري وأساس مذهبي.
وعندما توج الشعب اليمني كفاحه وجهاده ونضاله وأسقط- الإمامة- مع قيام ثورة سبتمبر 1962م، لم يكن ذلك علامة على انتهاء الصراع المرير بين الشعب اليمني والفكر العنصري، بل كان بداية لمرحلة أخرى من الصراع بين القوى الوطنية التي حققت آمال الشعب بالثورة والجمهورية، والقوى المعادية للشعب وثورته وأمنه واستقراره واستقلاله من العبودية والطبقية والعنصرية.
هذه القوى التي سارعت عقب قيام الثورة لرص صفوفها وجمع شملها لإجهاض الثورة في أيامها الأولى، والعمل على إرجاع عجلة الزمن إلى الوراء وإعادة واستعادة السلطة، وفي سبيل ذلك قاد الإماميون حرب الـ«8» سنوات «1962- 1970م» حرباً عسكرية ومواجهات دموية ضد استقلال وانعتاق الشخصية اليمنية.
ولاشك أن هذه الحرب وما تلاها من حروب إعلامية وفكرية، أكدت وأثبتت أن الذي سقط يوم 26 سبتمبر كان النظام الإمامي كدولة وسلطة، بينما بقيت واستمرت الإمامة كفكرة وثقافة، فكرة عنصرية تقوم على أساس التفوق العرقي، والتميز السلالي، ومن أجل ذلك رأينا القوى- الأمامية- خلال حرب الـ«8» سنوات تتعاون على الإثم والعدوان، وأخذت مجتمعة بشن حرب ظالمة وخاسرة ضد خيارات الشعب اليمني وتطلعاته بالحرية وحكم نفسه بنفسه، والعيش بعزة وكرامة مثل بقية الشعوب والأمم.
ولقد استطاع الشعب اليمني ومن خلال القوات المسلحة والمقاومة الشعبية أن يحقق انتصاراً عظيماً على القوات الإمامية والقوى الظلامية وسجل في انصع صفحات تاريخية ملحمة السبعين يوماً، فقد تحطمت آمالهم وسقطت رهاناتهم أمام الالتفاف الشعبي والزخم الجماهيري وقبل ذلك التأييد الإلهي التي أحاط بالثورة والجمهورية، وعند ذلك أخذت القوى الإمامية تستعين بالمرتزقة من أفريقيا وأوروبا و«إسرائيل» هذه الدولة اليهودية والفكرة الصهيونية قامت بدعم الإماميين بالأسلحة والعتاد الحربي، وتجنيد المرتزقة، وتقديم الخبراء والمستشارين العسكريين والسياسيين.
وبعد أن فقدوا أعصابهم وخسروا الحرب العسكرية، عمد الإماميون يوزعون المتفجرات ويزرعون الألغام في الشوارع والطرقات، كما أنهم نشطوا وتفوقوا في الجانب الدعائي والإعلامي، وقاموا ببث ونشر الشائعات والأكاذيب والأباطيل، كما هي عادتهم دائماً وأبداً، بهدف إحداث بلبلة وفوضى وشق للصف الجمهوري، وإضعاف معنويات اليمنيين.
وللتاريخ والوطن والحق نسجل ونكتب ونؤكد أن الإماميين ما قبلوا بالمصالحة الوطنية وأعلنوا وقف المعارك العسكرية إلا هروباً من الهزيمة العسكرية، واستعداداً لجولة جديدة من الصراع، تماماً كما يفعل الحوثيون هذه الأيام، عندما خسروا المواجهة المسلحة مع القوات المسلحة والأمن، وخسروا أي تأييد شعبي أو التفاف جماهيري، ها هم يتحدثون عن الوساطة والحوار، ويعلنون السمع والطاعة ويدخلون تحت سقف الدستور والقانون، وذلك ما فعله الجيل السابق من الإماميين عندما دخلوا بالمصالحة الوطنية سنة 1970م رهبة لا رغبة وضرورة لا قناعة، فأعلنوا ظاهرياً الولاء للثورة والجمهورية، إلا أن ذلك لا يعني إيمانهم بالثورة ولا اقتناعهم بالجمهورية، كما أنهم منذ ذلك الوقت وحتى اليوم لم يتوقفوا عن محاولات الكيد للثورة وإسقاط النظام الجمهوري، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
7 سبتمبر 2012