محمد أنعم يكتب: اليمن .. وصراع اصحاب البقرة..!
محمد انعم
ترك لنا السلف حكاية تقول : ان ابناء فلاح فقير ورثوا عن ابيهم بقرة، فكانوا يشربون من حليبها ولبنها ، ويستفيدون من سمنها ، وفي كل عام يبيعون العجل ويتقاسمون الاموال .. وهكذا عاشوا وكبروا مستورين الحال وامورهم جيدة.
ومرت الايام والسنين ،فدب الخلاف بينهم ، بسب جشع وطمع بعضهم ، واصرارهم على اخذ نصيب اخوانهم وحرمانهم من اي حق لهم ، واحتكار البقرة لهم ، فتفجر صراع بين الاخوة وكل واحد يدعي ان الاحق .
كان بين هؤلاء الاخوة شخص عاقل ، وجد ان الخطر يحدق بالكل، فجمع كل اخوانه ..وقال لهم : ليس معنا في هذه الدنيا الا هذه البقرة ورثناها عن والدنا ..فهي تمنحنا …وتمنحنا وعدد افضالها حتى مخلفاتها يستفاد منها في تسميد الارض .واليوم ليس امامكم الا ان تتركوا خلافاتكم وتحافظ على بقرتنا ..او نذبحها ، وكل واحد يأخذ نصيبه ،وستخسرون كل شيء.. وستواجهون المجهول الملعون.
هذه الحكاية ، تشبه نفس كارثية الصراع المحتدم بين اليمنيين..ومأساة اليمن البلد المهدد بالذبح والتمزق ، فلقد احرق الصراع ودمر كل شيئ ، جف الضرع ، وهلك الحرث، وفقد الشعب ابسط مقومات الحياة، وصار يواجه مجاعة لم تشهد البشرية مثيلا لها في التاريخ ..
كل الذين اطلقوا الوعود العسلية ، ورفعوا الشعارات البراقة ، واهموا الشارع برغد الحياة ،عقب اسقاط مؤسسات الفساد ورموزه كما كانوا يزعمون .. نجدهم نكثوا بكل العهود ، واكتفوا بأسقاط الدولة وذبحوها وتقاسموا ايراداتها ، وتحولت كل الوعود الى جحيم على الشعب وسنيين من العذاب والذل والامتهان من قبل ارذل القوم.
اليوم لم يعد بمقدور احد نزع السكين من يد الجزار ، ولم يعد بالإمكان اقناعه بان ادعاءاته كاذبة، الا اذا نزل جبريل او بعث الحسين من قبور كربلاء وهذا من المستحيلات ، لاننا لم نعد نعيش زمن المعجزات والنبوات.
احمق وبيده سلاح ، ويرفض الحوار ، ولا يعترف بأي حق للأخرين.. وزاد اخترع له جد ودبج له القاب وجمع كل مجرمي الارض وخريجي السجون ، كما فعل الفرس من قبل ، ويريد يتملك البلاد ويسلب الشعب من حقه باسم الولاية المزعومة.
والكارثة الحقيقية ان بقية الاخوة بدلا من يراجعوا انفسهم ،و يتوحدون ويواجهون الطاغية ويتخلصوا من عدوانيته وحروبه القذرة وخطرها عليهم، نجدهم يتصارعون فيما بينهم ، ويخوضون معارك يومية باسه، وكل واحد يريد ان يبتلع الاخر.. كما يتجاهلون الدعوات الصادقة المحذرة لهم من تبعات صرعاتهم العبثية ، بل ان كل نصائح الناصحين بمواجهة الطاغية الاكبر لا تجد اذانا صاغية للأسف، وما يزالون يرفضون توحيد الصف، او توجيه بنادقهم نحو قلب الغول الذي تقطر مخالبة دماء من افئدة فلذات اكبادهم..
المشكلة تتفاقم اكثر وكل يوم يزدادون ضعفا وهونا.. انهكتهم الخلافات.. اضاعوا البوصلة والطريق .. بل يكادون يضيعون وطنا هو امانة في اعناقهم ، وعليهم ان ينتزعوه من قبضة الكهنوت وتسليمه لأجيال اليمن، كما تسلموه. وان يحافظون عليه كما حافظ اولاد الفلاحون على البقرة التي ورثوها من ابيهم.
اننا نخشى ان يجرنا افلاس وفشل النخب السياسية الى فقدان الوطن ، وان يمكنوا الحوثي من استعباد الشعب اليمني.