عض قلبي ولا تعض رغيفي
معين برس- أحمد شوشة*
جذبت رائحة الخبز الطازج محمد إلى مخبز في أحد شوارع حي العجوزة الجانبية، في منطقة الجيزة، ليشتري 20 رغيفاً.
كان محمد ممسكاً بأكياس بلاستيكية فيها خضراوات وجبن ومعلبات وغيرها من متطلبات المنزل، دفع فيها ما يصل إلى 70 جنيهاً (نحو 3 دولارات)، أما الأرغفة كلها فلم تكلفه إلا جنيه مصري واحد.
تعمل وزارة التموين المصرية حالياً على دراسة لتحديد زيادة سعر رغيف الخبز، لترفع نتائجها إلى مجلس الوزراء لمناقشتها.
يأتي هذا بعدما أثار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الجدل حول الفارق في الأسعار، إذ قال “إنه لا يعقل أن يكون عشرون رغيفاً بثمن سيجارة واحدة”.
أوضح السيسي، الذي جاء تصريحه خلال افتتاح أحد مشاريع الغذاء في شمال الدلتا، أن عزمه خفض الدعم عن الخبز يأتي للمساعدة في وفاء الحكومة بالتزاماتها ودعم التغذية المدرسية للأطفال.
يعمل محمد موظفاً حكومياً، ويعيل زوجته وثلاثة أولاد، ويقول لـبي بي سي إنه “يعرف كثيرين يمثل لهم هذا الرغيف غذاءهم وعشاءهم، فإذا لم يتمكنوا من شرائه فماذا سيأكلون؟”.
ويعتمد معظم المصريين على الخبز المدعم، إذ تخصص الحكومة المصرية للخبز نحو مليارين وسبعِمائة مليون دولار سنوياً، ويستفيد منه ما يزيد على 70 مليون مصري.
يطلب محمد من الرئيس المصري أن ينظر إلى هؤلاء “بمزيد من الرحمة لا بشكل اقتصادي بحت”.
لا تعض رغيفي
كنت أتجول في تلك المنطقة، بعد ساعة من تصريحات السيسي، لإعداد تقرير تليفزيوني عن الجدل الذي انطلق بمجرد الإعلان عن احتمال رفع الدعم.
وما أن وقفت جانب المصور وجهزنا معدات التصوير، حتى راح صاحب المخبز يحاول إقناع المارة بعدم التحدث إلينا أو الامتناع عن الحديث في السياسة، “إذا كانوا يخشون السجن والتنكيل”.
غير أن عدداً ممن مروا بدوا مقبلين على الحديث، فقال خالد: “ليس لدي مقدرة على أن أدفع أكثر في شراء الخبز، عض قلبي ولا تعض رغيفي”.
من جانبه، شجع سعيد الحكومة المصرية على هذه القرارات قائلاً: “هذه هي أحوالنا الاقتصادية ويجب أن نكون واقعيين”. قاطعنا سيد وهو يقود دراجته البخارية: “لا أشتري الخبز المدعم من الأساس”.
أما محمود فرأى أنه “ليس هناك شيء جديد، فأسعار كل شيء في ارتفاع منذ سنوات”.
اجراءات قاسية
منذ أن بدأ ما يُعرف ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، قبل سنوات، رفعت الحكومة المصرية الدعم عن الوقود والكهرباء، وحررت سعر صرف الدولار واتخذت إجراءات وصفت بالقاسية. لكن الخبز بقي بعيداً عن ذلك، محتفظاً بارتباطه الخاص بالفقراء.
ويخشى خبراء من أن يزيد رفع أسعار رغيف الخبز العبء على المصريين الذين يعيش ثلثهم تحت خط الفقر، بحسب الإحصاءات الرسمية.
وقال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن الزيادة المقترحة في سعر رغيف الخبز المدعم لن تصل إلى التكلفة الفعلية التي تتراوح كما قال بين 60 و65 قرشاً، وإنما ستكون الزيادة معقولة، على حد وصفه.
ويبلغ ثمن الرغيف المدعم الواحد حالياً 5 قروش، بينما يبلغ سعر الخبز غير المدعم جنيهاً واحداً في المتوسط.
يرى الباحث الاقتصادي مصباح قطب أن رفع سعر الخبز يجب أن تتبعه إجراءات أخرى تخفف من تبعات هذا القرار على الطبقات الفقيرة التي تعاني أصلاً من ارتفاع كلفة الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم.
ويوضح قطب أن من بين هذه الإجراءات زيادة الرواتب، ورفع الحد الأدنى للأجور، وتقديم المزيد من الأموال للأسر المستفيدة من برنامج تكافل وكرامة.
وتحاول الحكومة المصرية تخفيف وقع إجراءاتها الاقتصادية عن الشرائح الاجتماعية الفقيرة عن طريق برنامج تكافل وكرامة الذي تقول إنه يخدم نحو 14 مليون فرد في مصر.
ربع مليار رغيف
في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، تسبب قراره خفض دعم الخبز في خروج مظاهرات حاشدة انتهت بتراجعه عن قراره.
لكن السيسي بدا أكثر جرأة في اتخاذ مثل هذه القرارات، التي يعترف هو نفسه بأنها إجراءات شاقة على المصريين.
وتنتج مصر نحو ربع مليار رغيف مدعم يومياً.
في السنوات الأخيرة، كان الجدل يدور حول حجم رغيف الخبز، ووزنه، وسلامته الصحية، لكنها المرة الأولى التي يمتد فيها الجدل وبهذه القوة إلى سعره، رغم أن الحكومة المصرية لم تتخذ قرار زيادة السعر بشكل رسمي حتى الآن.
وتطرقت السينما إلى موضوع الرغيف، ففي مشهد من فيلم “مرجان أحمد مرجان”، يسخر الممثل المصري عادل من الخبز المدعم. في الفيلم يؤدي إمام دور عضو في البرلمان المصري مؤيد للحكومة، وفي المشهد يحصر معه رغيفاً كبيراً ويبدو شهياً، للرد على انتقادات المعارضة، وأخذ قطعة منه ودعا زميلته إلى تناوله قائلاً: “ده مش عيش ده بسكويت”.
بعد تصريحاته حول الخبز، عاد الرئيس المصري وقال إنه “يقبل الاختلاف في وجهات النظر”، مبدياً استعداده “لدراسة وجهات النظر الأخرى وتعديل المواقف إذا تطلب الأمر ذلك”.
وأوضح السيسي في لقائه مع عدد من الصحافيين أن كلفة التغذية المدرسية ارتفعت خلال السنوات الماضية من 300 مليون جنيه إلى نحو 8 مليار جنيه (نحو نصف مليار دولار)، لأن الملايين من الطلاب مصابون بأمراض بسبب سوء التغذية مثل الأنيميا والسمنة والتقزم.
وبدت الإجراءات الاقتصادية الصعبة التي اتخذتها الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة مساعدةً على تماسك الاقتصاد المصري في مواجهة أزمات مثل وباء كورونا، إذ حافظت مصر على معدلات نموها الاقتصادي رغم تداعيات الوباء.
*المصدر: بي بي سي-القاهرة