الثورة البيضاء والنكبة اليمنية
محمد انعم
يتزامن عيد الأضحى المبارك هذا العام ، مع ذكرى انتخاب علي عبدالله صالح رئيسا للجمهورية في 17 يوليو عام 1978م ، وهذا التزامن يوجب علينا أن نتوقف أمام حقائق تاريخية ، وتجربة حكم وإرادة قائد وطني حقق قدر من البناء والنهوض الوطني ومستوى مقبول من الحياة الكريمة للشعب، وأن نعتبر في ذات الوقت من كارثية الانزلاق العاطفي وراء الشعارات البراقة والوعود الكاذبة التي جرت الشعب إلى كارثتين أوصلت البلاد إلى هذه الأوضاع الماساوية التي يعيشها كل مواطن في الشمال والجنوب على السواء ، وتهدد أمن واستقرار المنطقة أيضا.
تمثلت الكارثة الأولى بجماعة فوضى 2011م والتي فككت النظام ، ولم يستشعر العقلاء خطورة ذلك على مستقبل البلاد، وظل البعض ينساق بعفوية وراء الشعارات الزائفة لتسقط اليمن ثانية في نكبة الحوثيين عام 2014م.
نموذج الفشل في النخبة السياسة الحاكمة التي يقودها الإخوان الحزب الحاكم في هذه المرحلة يتضح ليس في بناء (يمن اتحادي) كما يزعمون بل وفشلهم في بناء اقتصاد وطني أو توحيد الصف أو إدارة المعركة الفاصلة ضد ميليشيات الحوثي واستعادة العاصمة صنعاء.. على رغم أن الفرص التي منحت لسلطة الإخوان والتسهيلات والدعم الإقليمي والدولي لم يحصل عليها الزعيم علي عبدالله صالح طوال عهده وهو الذي وصل الى الحكم والبلاد أسوأ مما هي عليه اليوم، لكنه امتلك إرادة ومشروع وطني .. على عكس الجماعة ، فهم الفشل بذاته ، حتى لو يسكنون في برج إيفل ( فالغدر ما يحب إلا الغدر ) كما قال سلطان الصريمي.
أما بالنسبة لميليشيات الحوثي ، فهم يعتبرون الزعيم صالح كابوسا، ولا يجدون ما يخفون فيه فشلهم، إلا بإطلاق التهم عليه في محاولات بائسة لتشويه التاريخ الناصع الذي يفضح أكاذيبهم بتلك المنجزات التي تطرز وجه الوطن في شتى المجالات.
لقد عجزت الجماعتان طوال عقد من الزمن عن تقديم مشروع بديل ، وماذا ينتظر منهما ، والجماعتان فشلتا في تقديم حتى مشروع موازنة أو إنجاز مشروع خدمي أو تنموي ولو حتى عبر البنك الدولي أو دعم من إيران.. ؟!!! وصدق القائل : ( فاقد الشيء لا يعطيه)..
لقد انتخب الزعيم علي عبدالله صالح رئيسا للجمهورية ودماء رئيسين يمنيين لم تجف بعد، فيما البلاد تحترق بصراعات حزبية في الشمال والجنوب وحروب مستعرة بين نظامي صنعاء وعدن ..خلافا للتنافس الإقليمي والدولي على اليمن إبان الحرب الباردة.
وصل الزعيم إلى الحكم وليس في اليمن نفط أو غاز يصدر ، كما هو اليوم ، بل إن صنعاء لم تستطع أن تبسط سلطتها على كل مناطق البلاد ، فيما كانت رواتب الجيش تأتي من الأشقاء ، لكن صالح رفض أن يستمر مثل هذا الوضع ، فرجعونا إليه (ثوار الساحات ) برغم أننا أصبحنا نصدر البترول والغاز.
نعود ونقول إنه برغم هذه الأوضاع الأمنية والاقتصادية المنهارة فعلا في بداية حكم صالح ، إلا أنه لم يغادر صنعاء، ولم يحكم عن بعد أو من الخارج ، أو من داخل كهف .. بل ظل داخل وطنه والتحم بالجماهير ومعه القيادات الحزبية.. كانت لدى الزعيم إرادة صلبة وشجاعة قائد وطني لا يمكن أن تهتز له شعره في المعارك الوطنية ، أو أن يقبل بعمل يهز من معنويات الشعب، فمنذ البداية في 17 يوليو 1978، حمل كفنه بيد ، وحمل مسدسه باليد الاخرى ، إلى أن استشهد في ثورة ديسمبر 2017م التي قادها ضد ميليشيات الحوثي دفاعا عن النظام الجمهوري وحرية وكرامة الشعب اليمني.
وصل الزعيم للحكم والبلاد فقيرة ..ولا تملك كوادر لقيادة التحولات الوطنية ، لكنها امتلكت القائد الفذ الذي يحمل مشروعا وطنيا طموحا ، كان يبدو تحقيق ذلك مستحيلا حينذاك ، لكنه حققه بنجاح..
كانت البداية من الصفر ..ولكم أن تتصوروا أنه حتى المدرسين كانوا من مصر والسودان وسوريا والسعودية.. وكل شيء في البلاد كان كما تركها أبونا آدم .. لا طرق، لا مستشفيات لا تنمية ولا خدمات ، ولم تتوفر ابسط المقومات للحياة ، أو لنجاح الحاكم أيضا.
هذه التحديات لم تكن لوحدها هي التي واجهت الزعيم ، بل كانت البلاد مليئة بالمشعبين وما أكثرهم .. كل واحد يريد أن يبني دولة بمزاجه الحزبي ..جماعة تريد دولة بروليتارية ، وأخرى تريدها بعثية وسواهم دولة ناصرية ، وجماعة تريد دولة الخلافة ، وغيرهم يريدونها اشتراكية ماوية ، وشرذمة تحلم بعودة الإمامة، فيما شيوخ القبائل كان كل واحد يريد أن تكون قبيلته دولة داخل الدولة .. طبعا كان الكل يمتلكون مختلف الأسلحة ولديهم تمويل من الخارج ، ومعهم ألغام ومتفجرات و (مكفرون ومفجرون) أيضا.
كل هذه التحديات مجتمعة لم تكن مستحيلات أمام الزعيم علي عبدالله صالح القائد المحنك الذي استطاع خلال سنوات بحكمته ورؤيته السياسية الثاقبة استيعاب كل الأطراف المتصارعة والمعارضة له من خلال تبنيه لخطاب وطني جامع ، وتمسكه بنهج الحوار واشاعة ثقافة التسامح والعفو، فنجح في لم شمل اليمنيين وتوحيد الصف الوطني ، فاطفاء نيران الصراعات في البلاد في فترة قصيرة جدا، مثلما نجح لاحقا في حل ملف الحدود سلميا مع دول الجوار.
لم يكل أو يمل الزعيم من الحوار والعمل الوطني الدؤب إلى أن جمع كل القوى المتحاربة على طاولة حوار وطني فنتج عنه تأسيس المؤتمر الشعبي العام ، ثم قاد مع الرئيس علي ناصر محمد والمهندس حيدر العطاس والأستاذ المناضل علي سالم البيض حوارا وطنيا تمخض عنه قيام الجمهورية اليمنية .. تلك الحوارات المسئولة ، لا يمكن مقارنتها بالحوارات السفسطائية التي نتابع تفاصيلها اليوم ولم تقود البلاد الى طريق ، وازدادت تعقيدا بعد تدخل اطراف اقليمية ودولية.
إن عهد الزعيم يظل الشاهد الفاضح لا عداء الشعب اليمني والمتامرين عليه ، ومهما كانت أخطاء ثلاثة عقود، فهي لم تبلغ بشاعة ما يتعرض له الشعب اليمني اليوم ، ويكفي أن نشير هنا على سبيل الذكر إلى أن تاريخ البشرية وفي حكم أشهر الطغاة لم يسجل في صفحاته أنه تمت مصادرة مرتبات الموظفين لسنوات كما يحدث اليوم في اليمن..
إن الشعب يتضور جوعا منذ سنوات وكل جماعة ترمي بمسئولية السطوعلى المرتبات على الجماعة الأخرى .. لا يستشعرون المسئولية وليس لديهم أمانة ولا ذمة، وببجاحة نجدهم، هات يا قدح وذم واتهامات يرموها على الزعيم علي عبدالله صالح ، ولا يتورعون ايضا عن جر الشعب إلى معارك لا تعد ولا تحصى، من أجل أن يضمنوا بقاءهم في الحكم واستمرارية نهب حقوق الناس وثروات البلاد. إلى درجة أنهم أصبحوا يتلاعبون بالمعارك في الجبهات كما يتلاعبون بسعر الدولار .
رحم الله الزعيم..