دموع في وداع المفتي
عبدالمجيد السامعي
كنت قد داومت على حضور دوس العلامة والحبر الفهامة القاضي محمد بن اسماعيل العمراني من تسعينيات القرن الماضي رغم مشاغل الحياة الا ان الله وفقني ان ختمت عنده العديد من الكتب ومنحني اجازة بخط يده الشريف مع لقب المشيخة.
كنا نزوره و نأرز اليه من حين الى آخر لنستفيد من نصائحة وتوجيهاته غير انه وفي ليلة الاثنين الثاني من شهرذالحجة الموافق 1442 تركنا وذهب الى جوار ربه بعد قرن من العطاء والحياة الحافلة بالمنجزات مقدما للمصلحة العامة للامة على المصالح الخاصة.
سماحة المفتي القاضي محمد بن اسماعيل العمراني تعجز الاقلام عن سرد محامدة ومحاسنة ، غيراني سؤكفكف دموعي بهذه السطور المتواضعة، والا فحياته زاخرة بالعطاء الحسي والمعنوي لا تكفيها المجلدات، خدم دينه ووطنه وأمته بكل ثبات واصرار وتجرد، وتقلد عدداً من المناصب في السلك القضائي بينها منصب مفتي عام الجمهورية اليمنية.وكبير مدرسي المعهد العالي للقضاء ومحاضر في كلية الشريعة والقانون والجامعات الاهلية، يعقد له دروس عامة في مسجدالزبيري بالعاصمة اليمنية صنعاء مابين المغرب والعشاء وهناك دروس تعقد للخواص من الساعة العاشرة الى ان تحين صلاة الظهر.
كان لفقيدنا العديد من المناشط والخروجات الدعوية داخل اليمن وخارجه ، ومثل اليمن الى عدة مؤتمرات اسلامية فهويعد من أشهر علماء اليمن المعاصرين، تميز بالوسطية والاعتدال في الفقه والفتوى ماأكسبه مكانة عالية واحترام وتقدير لدى كافة ابناء الشعب اليمني قاطبة نظراً لزهده وورعه واخلاصه وتفانيه في خدمة دينه ووطنه نابذاً لكل أنواع التحزب والتعصب الفكري والمذهبي..
خسرناعلم من اعلام العلموالتزكية وركن من اركان السلف ، فهو يشكل البقية الباقية من الزمن الجميل،ترك مأترعظيمة من مأثرفي تمتين قيم ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف بمنهج الوسطية والاعتدال وهو ما منحه حب وتقدير في العالم العربي والاسلامي، حيت كان يجمع اقوال المذاهب في المسائل الخلافية ويرجح وفق مسار الامام الشوكاني وابن الامير الصنعاني وشيوخه ورجال سنده، فقد تخرج على يديه كبار العلماء والقضاة والوعاظ ،برحيله خسر اليمن أحد أبرز علمائه المحققين بالقضاء والعلوم الإسلامية.على روحه شبائب رحمات الله.
من الطرائف; جاء شاب الى مجلس القاضي واخذ يشرح انه طلق زوجته ويريد ارجاعها،فسأله الشيخ عن تفاصيل الحالة ثم طلب منه ان يقترب منه ،فاقترب الشاب واخذ القاضي بؤذنيه وشد راسه حتي احمر وجه الشاب من هول الموقف، ثم زجره ان يتجنب النطق بالطلاق فضحك الطلاب وجميع من في المجلس..
كانت اغلب دورس القاضي -رحمه الله- تأتي مشبعة بروح النكتة والطرائف، كثيرا مايذكرلنا قصص قصيرة حدثت في مجالس الامام الشافي او مجالس ابا حنيفة ليطفي على المجلس جومن الشوق لطلب العلم ويذهب الملل..
مـِْن العلم مايوخذ مِْن بطون الكتب بواسطة المشايخ ومجالس طلب العلم ،ومن العلم ما هو وهبي من الله ،ومن العلم مايجبل الانسان عليه ، ومن العلم مايكون سمة روحية تؤخذمن القلب الى القلب..
الله يجبر الامة الاسلامية في مصابها ويرحم شيخنا ويبدله دارا خير من داره واهلا خير من اهله بسر الفاتحة..