النازحون التهاميون بين مطرقة الصيف وسندان الصمود

عبده مخاوي

” أخرجوني من هذا القبر الجماعي، اشتي اعود إلى بيتي يحفظني ويستر بناتي”، هكذا ودون مقدمات كان رد ربّ أسرة تهامية نازحة مكونة من اربعة أطفال وأبوين على سؤالي ماذا تريد؟ وقبل أن يكمل قاطعنا بكاء طفلته التي تتألم وجعاً ومرضاً دون أن يملك القدرة على نقلها للعيادة الصحية أو شراء مُسّكن ألم لها، لم يُبقِي جوابه وبكاء طفلته أي داعٍ لكلماتي أو مبرراتي.

خرجت من مسكنه أفكر كيف يحيا هذا الرجل في خيمة صغيرة، فيها نومه وفيها حياته هى المطبخ والحمام وقضاء الحاجة؟ خيمة وإن سترت عوراتهم فهى لا تقيهم برد شتاء قارص، ولا تقيهم حر صيف حارق، خيمة لا تحتار أشعة الشمس في عنوان الوصول إليها.

كانت علامات اليأس والإحباط وفقد الأمل بادية على حديثه وحديث أقرانه النازحين في المخيم فهذا زارته المنظمات الانسانية التقطت الصور ووثقت، ووعده الجميع خيراً ثم لم يرجع احد.

واقعٌ مرير تحياه أسر تهامية تعيش ظروفاً لا إنسانية في مخيمات النزوح يعيشون تحت خط الفقر المُدقع، فهم بين مطرقة الطبيعة التي تداهمهم صيفا بحرق جلودهم وسندان عجز الصمود أمام متطلبات الحياة، ولكم أن تتخيلوا الأثر النفسي وما قد يتبعه من شرخ اجتماعي وفرط عقد مجتمعي.

إن مأساتهم لجديرة بالتوقف عندها ومحاولة إيجاد الحلول لها، والمشكلة أنهم قد ملّوا طرح الحلول التي لا ترى للنور طريقاً، فهم صرعى طلبات أبنائهم التي لا تُلبى ومثقَلين بهموم آمال زوجاتهم التي تتحطم على صخر البؤس والفقر.

والحق أن مشاهدة مآسي تلك العائلات جعلتني أتساءل، أي دولة نستحق؟ واي قضية تهامية ارتقى من أجلها الشهداء وانحرف قادتها عن مسارها وهم يستطيعون إن أرادوا – بقليل من الاموال التي جمعوها أن يُحدثوا فرقاً كبيراً لكنهم مغيبون.

أي نصر في الأمم المتحدة ستسجله فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي وهنالك من شعبك من يتضور جوعاً ولا يجد للنوم مكاناً ويكتفي بالنوم متكئاً على حائط خيمة امتلئت أرضيتها بصغاره.

وأي دولة شرعية سعادة الدكتور معين عبدالملك حين تعجز عن توفير احتياجات وأولويات مواطنيها، ولا تعرف أخبارهم الا عبر المواقع الإلكترونية وما يُعرض من فضائيات لتصدر بعدها التصريحات بالاهتمام والمتابعة؟

واي سيادة يمنية سعادة نواب المجلس التشريعي المنتخبين من قبل الفقراء لتتحدثوا باسمهم، متى كانت آخر جولة تفقدية على الأسر الأشد فقراً، ومتى كانت آخر مساعدة عينية أو مالية ساعدتم في توفيرها، أم علينا أن ننتظر كرمكم على أعتاب الفنادق في الخارج.

من المعروف بداهة أن حل المشكلة يقتضي علاج مسبباتها والقضاء على جذورها وهو انهاء الحرب وعودة النازحين والمهجرين إلى قراهم ومنازلهم بامان وعلى الجميع أن يقف أمام مسؤولياته تُجاه هذه المشكلة لما لها من تداعيات خطيرة على سلامة وتماسك المجتمع اليمني.

وهم – أي الفقراء النازحون- لم يطلبوا الكثير، مسكن يليق بهم ويحفظ كرامتهم وصورتهم أمام أبنائهم وبناتهم، ودخل بسيط يقيهم ذل السؤال، مطلبان يقعان في قاعدة هرم ماسلو لتحديد الاحتياجات، وتحقيقهما مرتبط بحق الإنسان في حياة كريمة ويُصنف من ضمن أولويات الحكومات التي تُعنى بمواطنيها وتشتغل لهم لا بهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى