قصة حقيقية يرويها أحد الطُلقاء | من المعتقل إلى الساحل
يرويها المعتقل : #عبدالسلام_القيسي
أنا أحدهم .. أحد الأسرى الذين شاركوا الصالح معركته في ديسمبر وثلاث سنوات من الاعتقال ومن ظلمات الزنازين والأكاذيب ، والتعذيب ، والاجهاد النفسي والجسدي والخواطر الكئيبة لكل سجين وتفكيرهم الممض بالجمهورية التي فقدوها وبالصالح الذي مات شهيدا وبالطارق الذي لا أعرف أين هو وماذا حدث للرفاق؛ رفاق الحرب والانتفاضة ، لا أعلم شيئا.
كانوا يقصون أظافري.. يقلمون أيامي بالسكاكين ، يطفئون قلبي بالكهرباء ، ويقولون لي كل مرة : هزمناكم ، شردناكم ، أنتهت احلامكم العفاشية ، كنت أعتقد أن الخارج كله مسيرة الظلام وكنت أرى بأم ظلمتي الناس وهم بين القيود والكرابيج ، ونسيت طعم الحلم الوطني ، تخيلوا سنوات القيد والثلج ، البرد والتضاءل،الموت ولا موت ، الحياة ولا حياة ، وكم مرة وددت لو أنتحر ثم أفكر بالله الذي سيقول لي : لماذا فعلتها ؟
انا السجين ولا أعرف رقمي .. أخذوني وبندقيتي بيدي أدافع بها عن جمهورية الملايين المستعبدة بمسيرة الكهنوت ، قالوا لي : قتلنا صالح ، قلت لهم : في الجنة ، قالوا لي قتلنا طارق فقلت لهم : الى جانب عمه الشهيد ، قالوا لي هاك شاهد محمد بن محمد صالح وعفاش طارق ولما شاهدتهما بالمعتقل تأكد لي أن لم يعد لي أحد يبحث عن الجمهورية، يئست .. انذاك علمت معنى الخسارة وتذوقت طعم اليأس ولم تعد الكرابيج تمزق جلدي فلم يعد هناك ما يؤلمني. .
كانوا يضربونني فأضحك ، يركلونني فاقهقه، القهقهات حيلتي ، يسمعونني زواملهم فأنصت لأيوب ، تناهيت في العالم المختلف، عالم الرؤيا.
الآن أنا في الطائرة .. لا علم لي أين أذهب ، قالوا سياخذونني الى عدن ، وجدت بجانبي بضعة أسرى،قلت لهم : أين أسروكم ، فرد أحدهم : نحن من حراس الجمهورية ، وهنا رددت عليه ، هل تقصد الحرس الجمهوري فيجيب : لا ، بل حراس الجمهورية ، وتوالت تساؤلاتي ، حتى علمت أنهم كانوا في جبهة الحديدة ، وأن طارق لم يمت ، ونهضت بسرعة النمر لالتقاط طائر يطير اعلى منه..
نهضت : حدثني ايها الرجل.. بربك حدثني ، ما هذه الأخبار ، ارجوك ايها الرفيق ، أخبرني عنك ، عما قلته لي للتو ، وأكاد أقفز من النافذة ، نافذة الطائرة ، كنت أصرخ إفتحوا لي النافذة، نبت لي جناحان ، افتحوا لي لأطير لقد أصبحت طائرة ، ثم ألتفت الى الآخر ، وأنت ؟ انا في معركة تحرير كيلو ١٦ ، أيعقل يا رجل ، هل يعقل .. !
يؤكد الثالث : طارق في الساحل.. هاه ، في الساحل ، ولديه جيش هو الأقوى في البلاد ، ومن باب المندب الى عمق مدينة الحديدة ، الوية ، عشرات الألاف ، الناس كلهم مع طارق ، سوف نستقل الآن وسيلة ما لنصل الى الساحل الغربي حيث العميد طارق ، حيث الجنود المجندة خلفه ، والألوف المؤلفة والقائد المشقر بالعلم الوطني ..
الرابع يحدثني عن الانتصارات ، يحدثني الخامس عن النصر الجمهوري الذي حققوه ، والسادس والسابع ، والثامن وأنا بينهم من كرسي الى كرسي،أحاول التأكد من ذلك
هبطت الطائرة في عدن .. رأيت العالم الذي يجري بشهية،رأيت البزات التي قبالتي ، لكأنني اعرف هذه الاستقامة ، رأيت في سحناتهم معنى البطولة ، ألبسونا ، أخذونا الى الساحل،والبزات لائقة بهم ، كان السائق يخبر الذي بجانبه عن معركة الدريهمي الأخيرة ولا اكاد أصدق ، قتلى المليشيات بالمئات ، وفجأة يتصل به أحدهم ويقول له : أين أنت ؟ انا في الصفوف الاولى بجامعة الحديدة..
وهنا نهضت ..
نهضة الأحصنة الماجدة للمعركة .. نهضة البحر ، نهضة الجبل ، ووقفنا فجأة امام بزات أعرفها ، وصلنا الساحل الغربي وتخيلوا حجم البذخ الجمهوري الذي رأيته ، حراس كما عهدناهم ، لقد أحرجتموني يا رجال ، ظننت أنكم في خبر كان فاذا بكم في خبر لا زلتم ..
يا رفاق البندقية ، المجد لكم ، لقد نسيتها تلك السنوات ، سنوات الظلام بالمعتقل، يا رفاق الحرب هاكم روحي لكم ، افرشوني امامكم سجادة تمر بجلالتكم الى المجد كله..
أنا المعتقل الذي فقد حلمه .. كنت في الجحيم لا أعلم عن هؤلاء.. كنت لا ادري ، سامحوني رجاء ، هذه اللحظة هي أقدس لحظاتي ، لواء ، اثنان ، ثلاثة ، سبعة ، عشرة ، اثنا عشرة،وملاحم ، موكا ، الخوخة ، الدريهمي ، الحديدة ، والعميد طارق يا وطن ، العميد وخلفه الجبال..
انا الأسير الذي لا علم له بكل هذا التظافر الجمهوري..
سوف أخبركم مجددا عما رأيته .