صالح باني الدولة اليمنية الحديثة
صالح باني الدولة اليمنية الحديثة
سيف المرادي
مرت ذكرى 17يوليو ومرور هذه الذكرى جعلتنا نقف على أطلال اليمن كي نرثي ماضيه الذي كان في زمن صالح ذلك الزعيم الذي ترعرع على تراب الوطن ولم يخنه كما خان غيره ولم يساوم عليه كما ساوم الذين باعوه بعدما خدعوا الجماهير بهتافاتهم عام 2011م وكأني أسمع صعتر وهو يقول : ارحل ترحل معك العمالة والشقاء فلما ترك صالح السلطة ظهر صعتر عميلا قاتلا وها هو يبرر قتل سكان اليمن يموت كل أهل اليمن ويبقى الاخوان ويبرر قتل النساء والاطفال في سابقة لم تكن لأحد من قبله من أرباب السياسة.
رحل صالح ورحلت معه الدولة والديمقراطية والتنمية والمظاهر الحضرية الحديثة ورحل الاستقرار ورحل اليمن إذ لم يبق من اليمن إلا أجزاء متناثرة في الجغرافيا تأكلها ذئاب الحروب وينهشها الطامعون في اليمن من شرق ومن غرب.
رحل صالح وساوم من ساوم وباع من باع ولم يبق في اليمن إلا صالح ومن خلف صالح من اولئك الذين رضعوا الوطنية الحقة , هم اليوم يخوضون معركة الدفاع عن اليمن وعن السيادة في كل بقاع الوطن.
حين جاء صالح السلطة كانت اليمن اشبه حالا بما هي عليه اليوم من حال , تفكك في مؤسسات الدولة , الجيش تتنازعه ولاءات متعددة , الحالة الامنية غير مستقرة , تربص الاحزاب ببعضها بعض , تدهور حاد في الاقتصاد بعد موجة الاغتيالات , الحالة الاجتماعية منغلقة على ذاتها وكانت القبيلة تدين بولاءات غير وطنية وكانت عصية على الدولة تتماوج بها نزعة استقلال , الواقع السياسي كان ملغوما لكنه استطاع ترويض كل الذئاب المتوحشة وحاول بالحكمة أن يعيدها الى حظيرة الوطن وقد نجح في ذلك حيث جمع الاحزاب تحت مظلة المؤتمر وحدد مفهوم الولاء الوطني واجتهد في صوغ الميثاق الوطني حتى يضمن قدرا من الاستقرار السياسي ثم عمد الى الجيش وحاول بناء المؤسسة العسكرية بناء وطنيا محضا بعيدا عن المناطقية والحزبية بل كان قوام المعسكرات يشمل كل الجغرافيا الوطنية وحتى يصل الى الهدف فرض آلية معينه تتسق والحالة الاجتماعية المعقدة حينها , حيث عمد الى كل فخذ وكل عشيرة وكل قبيلة وخصص لهم عددا معينا من الافراد حنى يلتحقوا بالمعسكرات وقد شمل ذلك التوجه كل المجتمع ونجح صالح في تحويل المؤسسة العسكرية من ضائقة الحزب والمنطقة الى رحابة الوطن , فكان المعسكر الواحد يشمل كل اليمن من حيث القوام.
ثم حاول إعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمثقف بعد أن فسدت بسبب صراع الايديولوجيات على السلطة وكان يولي شريحة المثقفين اهتماما خاصا ويتفاعل مع أفكارهم وقضاياهم ويستجيب بروح انسانية مع حاجاتهم ولو كانوا خصوما سياسيين لا يميز بين موال ومعارض في البعد الانساني والامثلة والشواهد كثيرة أكثر من تعدادها وخير مثال على ذلك موقفه مع الدكتور محمد عبدالملك المتوكل وكان معارضا شرسا وغيره الكثير , يقرأ نداء في صحيفة عن حالة فلان أو زعطان فنراه يصدر توجيها فوريا يتفاعل مع الحالة وهو أمر لم نشهده فيمن جاء بعده بل من جاء بعده هدم الدولة وقوض أركانها وفكك المؤسسة العسكرية والأمنية كما رأينا وشهدنا وصولا الى الحال الذي عليه اليمن اليوم وهو حال غير خاف على أحد انقسامات وتشظي وولاءات متعددة ولم يعد للدولة من مظاهر ويبدو الفرق بين صالح ومن جاء بعده من فرقاء الساحات أن صالح ورث دولة منقسمة متناثرة اشلاء بين شرق وغرب فصنع منها دولة وطنية بمؤسسات وطنية وقانونية , وهم ورثوا دولة قوية متماسكة موحدة فجعلوا منها أشلاء وشظايا متناثرة وهنا الفرق بين صالح وفرقاء الساحات الذين غرتهم الحياة وغرهم بالله الغرور.
نقف اليوم في ذكرى 17يوليو ونحن نبكي وطنا بناه صالح على مدى ثلاثة عقود ونيف ولم نحميه كالرجال وها نحن نبكي عليه كما تبكي النساء وقد استشهد رجاله وغدر بنا التاريخ.