جعلوني مجرما
جعلوني مجرما
خالد شمسان
وصلت مطار القاهرة الدولي الساعة الثانية من فجر السبت 13 يوليو في طريقي الى عدن على متن طيران اليمنية.
نزلت من سيارة الاجرة انا وصديقي الذي رافقنا في سفري وضعنا شنطنا على عربية الدفع اليدوية متجهين الى داخل المطار.
في اثناء سيرنا اعترضنا بعض من الشباب خارج المطار بيدهم علبة زرقاء فيها دواء انسولين كما عرفت منهم حيث بادرنا احدهم قائلا : مسافرين عدن؟
قلت : نعم.. قال : يااخواني معي عمي مريض بالسكري واشتيكم تحملوا هذا الدواء الانسولين الى عدن وفي واحدة باتستقبلكم في المطار وباتشل الدواء منكم.
انا طلع عندي مؤشر الحنان والعطف والشفقة وقلت : عادي هات العلبة وكانت شنطة صاحبي هاند باج مفتوحة ووضعت الدواء فيها.
فجأة صرخ صاحبي قائلا : شلوا الدواء حقكم ومن فضلك ياخالد اذا باتتجمل شله انت.
الشاب قال : ما فيها شيء ياعاقل دواء بسيط لمريض رد بحزم : مالي دخل ومشى.
الشاب التفت لي وقال : سوي معروف ياحاج.
قلت له : فين احطه الشنطة حقي مغلقة بقفل وصعب افتحها قال : حطه في كيس الحلاوة اللي في يدك وكنت احمل كيس مفتوح فيه بقلاوة من محل العبد الشهير في مصر .
المهم وضعنا الدواء في كيس الحلاوة واعطانا ورقة فيها رقم السيدة التي ستتصل بي في عدن ورقم الشاب في مصر وودعنا واختفى.
دخلنا صالة المطار وصاحبي يعنفنا ليش حملت الدواء.
وانا ارد عليه : انت مافيبك رحمة هذا دواء ايش بايستوي بك لو تجملت وحملته انقاذا لحياة هذا المريض.
قال : سكه لك من هذا الكلام انا مااحب المشاكل.
وصلنا لأول بوابة دخول حيث وضعنا شنطنا على السلم المتحرك للمسح الاشعاعي على الامتعة والشنط ووضعت كيس البقلاوة معهم ودخلنا نحن من الباب لنسحب شنطنا وعندما هممت بأخد كيس البقلاوة قال رجل الامن : حلوة البقلاوة بتاعة العبد انتوا اليمنيين بتحبوها اوي.
قلت وانا مبتسم : صح كلامك دا انت لو ما جبت البقلاوة تعتبر ما سافرت مصر.
فجأة مسك كيس الدواء وقال : دا فيه ايه ؟ قلت : دواء انسولين خاص بمرضى السكري لواحد مريض في البلد.
فتحه وطلع منه 25 علبة انسولين وقال : المريض بتاعك بايأخد الدواء ده والا يبيعه؟
رديت : الله المستعان كيف يبيعه؟
قال : طيب خش انت وصاحبك والعفش بتاعكم لغرفة الامن هناك.. وقال لرجل امن جنبه خدهم لقسم مباحث المطار مع العفش.
عمكم خالد اختفى مؤشر الحنان والعطف والشفقة عنده ليظهر قوة مؤشر الخوف بدلا عنه.
فتشونا تفتيش ذاتي وفتشوا الامتعة واثناء التفتيش .
سألنا الضابط : ده الدواء لمين؟ وكان يحمل كيس فيه دواء المفاصل حقي قلت له : دا بتاعي وهذه الروشته.. شافها وسكت.
هناك عيون ترصد وكاميرات تصور كل شبر في المطارات واحنا على نياتنا ما ندري ايش يدور.
انا كنت مثل الديك المدوخ المبلول بسليط مش بماء واقف افكر باللي ح يجرى لي.
احد الضباط قال : انت الان بحكم القانون مهرب ادوية وح نحتجزك عندنا للإجراءات.
قلت له : انا حكيت لكم قصة هذا الدواء وهذه ورقة فيها ارقام الشباب في مصر وتأكدوا منهم.
صاحبي كان يتحدث مع الضابط المسؤول بهمس فهمت منه فيما بعد انه دفع اتعاب 500 جنيه لهم.
شوية الا والمسؤول عنهم قال : اسمع ياعم الحج احنا ح نعمل محضر صلح وتصالح تتنازل انت عن الادوية دي ونشيلها وتسافر انت مع السلامة.
قلت : يحيا العدل موافق..
ضحك الضباط وعملوا المحضر وغادرت انا الى عدن وانا مهموم بهذا الذي حصل لي بسبب مؤشر الحنان والعطف والشفقة وكنت بالتورط بسببه.
وصلت مطار المحروسة عدن انا وصاحبي وكيس البقلاوة واثناء انتظاري للعفش رن جوالي واذا المتحدث هي السيدة التي ستستلم الدواء صحت : منكم لله ورطونا في مصر وكنت احتمال اكون في سجن ابو زعبل بسببكم واغلقت الجوال.
روحت البيت واتصلت السيدة مرة ثانية وحكيت لها القصة وهي تقول : والله هذا الدواء لا مي المريضة قلت لها : الدواء هذا يكفي امهات اكثر من مائة اسرة وانتهى الموضوع عند هذا الحد.
ما حصل درس لكل مسافر بان لا يحمل اي ادوية او عفش من اي شخص سوى يعرفه او لا يعرفه الا بعد التأكد من ما يحتويه هذا العفش والدواء للأشخاص الذي يعرفهم اما الاخرين الذي لا يعرفهم انصح بعدم التعامل معهم مطلقا.