بيان إلى الشعب.. الحرب القذرة والخديعة الكبرى
عبدالرحمن الرياني*
في شهر اغسطس الماضي كنت في اليمن وبرغم كثرة الوجوه والمسميات رأيت أن البلاد فارغة تمامً من أي مبادرة وطنية لإحلال السلام في اليمن، يمكن ان تشكل مقدمة للبناء عليها معظم ما تم تقديمه من مبادرات للسلام كانت منحازة لهذا الطرف أو ذاك، والبعض منها انحاز لمشاريع واجندات الخارج بصورة واضحة لا تقبل اللبس، إحداهن تلك التي ابعدت واقصت قوى على الارض واعتبرت الجنوب اليمني اكثر من طرف خالد بحاح والمجلس الانتقالي مقابل استبعاد للاصلاح كماهو الحال بمبادرة الرئيس علي ناصر محمد، الشق الآخر من المبادرات هو تلك المبادرات المدفوعة الأجر بصورة فاضحة وتشتغل عليه مسميات وعناوين وهمية، تعمل مع هذا الطرف أوذاك مقابل أجر، ايضا هناك نوع من المنظمات الوطنية الجادة لم يستطع تقديم أي مبادرة بسبب الخوف وحالة الرعب المخيمةعلى البلاد بفعل أمراء القتل هنا وهناك، في المقابل هناك المنظمات المرتبطة بالاتحاد الاوروبي وهي التي نستطيع اعتبارها حالة لصيقة بالموقف الاوروبي الضعيف، المنظمات المرتبطة بالالمان وبالهولنديين تحاول صياغة ما يتم التوافق عليه من الدول الداعمة، ونستطيع القول أن هناك استفادة لتلك المنظمات من حيث تغطية تحركاتها بميزانيات مالية ضخمة.
معظم قيادات تلك المنظمات قامت بشراء شقق فخمة في العديد من العواصم العربية، وبفعل الجوازات الدبلوماسية التي ساعدتهم على حضور العديد من الملتقيات مماحقق لهم وفرة مالية، ايضا هناك منظمات يمنية لم تفرق بين العمل الوطني وبين الجانب الاستخباراتي ووصلت قيمة التقرير الى عشرة الآف دولار، عمومً في اجواء كهذه قمت بزيارة إلى اليمن وكتقييم حقيقي للمشهد الداخلي يمكن القول ان المشهد خالً من اي محاولات حقيقية وجادة تهدف لتحقيق السلام في اليمن، وبالرغم من أن العديد من الشخصيات الوطنية قد انخرطت في بعض المسميات تحت يافطات احلال السلام إلا أنها ظلت أشبه بالمحاولات الخجولة البائسة التي تفتقر إلى الحد الأدنى من الموضوعية وبُعد النظر ، إنعدام الجرأة والوضوح والجدية في الطرح.
كان علينا أن نتعامل بطريقة مغايرة بعيداً عن التموضع والتخندق مع هذا الطرف أو ذاك من خلال رموز العمل القومي حيث جرى التشاور مع عدد من القيادات القومية في الوطن العربي من رؤساء حكومات سابقين إلى شخصيات تبوأت أرفع المناصب في بلدانها وشاركت في حلحلت العديد من القضايا المُعقدة، لقد كانت نظرتنا للواقع اليمني وماتزال تستند على قناعات راسخة وقراءة معمقة للوضع في اليمن مفادها أن جميع الفرقاء يعملون ضد الخيار الوطني خيار الأغلبية الساحقة والمسحوقة من الحرب الظالمة، الكل متورط والكل يشتغل ضد إرادة الشعب اليمني، احزابً ومثقفون وساسة، جماعات وقيادات ومنظمات، مثقفون ومؤسسات مجتمع مدني، نقابات ومكونات، مشايخ وقوى تقليدية، دول الجوار ودول الإقليم و المجتمع الدولي الكل يعمل بإتقان وحرفية لوأد أي بارقة أمل تلوح في الاُفق خاصة عندما تأتي من خارج دوائر النفوذ الاقليمي منظمات او افراد أو قوى لم يتم استقطابها طوال سنوات الحرب كونها رفضت الدخول في بازار القتل والتأمر، كان رأينا ولا يزال ان الجميع متورط فيما وصلت إليه اليمن من دمار وخراب وقتل وتشريد وجوع وأمراض ، كل ما سبق كان يستوجب أن نعمل وفق الآتي:
* تحييد القوى الاقليمية والاقتناع بأن الحل لايمكن ان يتآتى الا من خلال الداخل اليمني وبدعم من اصدقاء اليمن الفعليين الألمان والهولنديين وهو الأمر الذي تنبه له الإخوة الليبيون.
* في ذات السياق قدمنا رؤية حيادية تعتمد الحياد والتزمين وآلية للتفاوض، واُخرى للانسحابات العسكرية والجهات الراعية لها، تضمنت مراقبين محايدين من دول محايدة وقوات فصل عربية،
* في ذات السياق عملنا على قراءة الموقف الفعلي للجوار والإقليم وكيفية أن يكون هناك حالة توازن بين المواقف المتباينة لدول الجوار والإقليم كون الوكيل اليمني في الداخل يفتقر إلى عامل إتخاذ القرار ، وهو عامل محوري واستراتيجي في غاية الأهمية، خلال وجودنا في أكثر من محافظة حدثت تطورات خطيرة في المشهد السياسي في اليمن والمنطقة منها الهجوم على أرامكو والمواجهات المسلحة بين الشرعية والإنتقالي في عدن، والتي انتهت بسيطرة الأخير على العاصمة المؤقتة لليمن.
المحصلة أن المبادرة نالت القبول بنسبة 80% من الفرقاء لكن مع الأسف الشديد وبمرارة اكتشفنا ان دول الجوار والجوار الاقليمي ضغطت ولاتزال تضغط من اجل استمرار الحرب في اليمن للأسباب التالية:
السعودية التي تقود التحالف ومعها الإمارات المتحدة وإيران ترى أن استقرار اليمن وما يتبعه من تحقيق السلام والإستقرار والتنمية يؤثر على مستقبلها الاقتصادي اكتشافات النفط الضخمة في اليمن، حقل (الجوف) العملاق، وانبوب النفط السعودي وميناء عدن وغيرها تقف حجر عثرة في سبيل إحلال السلام في اليمن، باب المندب والدولة الاتحادية ونظام الاقاليم والقوى الانفصالية ، وتأكد لنا ان السلام مرتبط بمشروع لتقسيم اليمن إلى ثلاث دول وكيانات سياسية دولة في الشمال يحكمها الحوثيون، ودولة في الجنوب يحكمها الانفصاليون موالية للإمارات، ودولة في حضرموت موالية للسعودية.
لقد كنا صادقين مع شعبنا ومع تضحياته ،لم نكن مدعومين من أحد أو مرتهنين لأي قوى أجنبية وهذا ما اضعف موقفنا في ظل هذا الموج المتلاطم من المبادرات المشبوهة الت هدفت ولاتزال تهدف لإطالة الحرب ، فرقاء الصراع في اليمن تسكلجوا وتكيفوا مع الحرب التي فتحت لهم ابواب الربح الوفير على دماء الضحايا وأشلاؤهم، الشعب وحده الضحية أما النُخب فقد حسمت أمرها بعد ان فتحت لنفسها طُرقاً متعددة ودروباً فرعية بعيداً عن طريق وخيار الشعب..
أخيراً لابد من التأكيد للشعب اليمني أن كل ما جرى ويجري طوال الخمسة اعوام وفي ظل الحرب القذرة من تشريد لمايفوق الخمسة ملايين انسان وتدمير للبنية التحتية ومقتل اكثر من ثلاثمائة الف من اليمنيين يتم وفق لعُبة قذرة (خديعة كُبرى) اتفقت بها جميع الاطراف في الداخل كأدوات تنفيذية اعدت لها ببراعة دول الجوار ودول الاقليم.
وهذه المهزلة لن تتوقف إلا من خلال إرادة وطنية تسقط قطع الشطرنج أدوات العمالة في الداخل واذنابهم في الفنادق والمواخير المتناثرة في عواصم العالم.
رئيس مؤسسة مدينتي للحداثة والتنمية