الخوف على الإسلام من طفلة.!
الخوف على الإسلام من طفلة.!
محمد طلبة رضوان *
#توجان_البخيتي ، طفلة عمرها 17 سنة، يمنية، مقيمة في الأردن، والدها هو الكاتب والسياسي علي البخيتي، مهتم بالشأن العام، يكتب في الدين والسياسة. تشارك توجان بعض تغريدات والدها على صفحتها الخاصة، فوجئت بأن مدرستها تمنعها من الدراسة، وتطلب منها المغادرة والبحث عن مدرسة أخرى، لماذا؟ لأن تغريدات والدك مسيئةٌ للإسلام، الوالد مؤمن ويعرف دينه، وما ترونه حراما لا نراه كذلك، ولا شأن لكم. رفضت إدارة المدرسة، عزلوها في غرفة وحدها، وأرسلوا في استدعاء ولي أمرها، جاء خالها ليجد في انتظاره نائب المدير، ومديرة المدرسة، ومسؤولة الطابق والمديرة المالية، لم يحضر رئيس الوزراء، لعل المانع خير، ما الأمر؟ ابنتكم خطر على الإسلام، مالك المدرسة منزعج، يتابع الموضوع بنفسه، لحظة بلحظة.. ما المطلوب؟ أن تتوقف الطفلة عن مشاركة تغريدات أبيها على “تويتر”. وبالطبع رفضت.
كتبت توجان على صفحتها ما حدث، ردّت المدرسة (المحترمة) ببيان يحرّض على الطفلة، ويصفها بصاحبة الأفكار المسمومة، ويقول إن أولياء الأمور اشتكوا منها لأنها تنشر أفكارها بين زميلاتها. قالت توجان إنها لا تشارك أفكارها الدينية مع أحد، وإن ذلك يرجع إلى موقفٍ تعرّضت له في مدرستها وهي في الرابعة عشرة، حيث كانت تصلي “مسربلة” وفق ما تعلمت في بيتها، ووفق مذهبها، فجاءتها معلمةٌ لتخبرها بأن ذلك لا يجوز، وعزلتها عن الطالبات في غرفة وحدها، وبرّرت ذلك بأنها تخشى على بناتها أن يرين شيئا مختلفا لم يتعوّدن عليه.
انتشر البيان الداعشي، وانشغل الرأي العام الأردني بالقصة، حتى إن سائق “أوبر” تعرف إلى توجان، وسألها عن أفكارها المسمومة! هل توقف الأمر عند ذلك؟ لا، ذهبت توجان إلى شرطة الأحداث، استدعوها للتحقيق، صدّق أو لا تصدق، عيّلة، 17 سنة، ذهبت بتغريدات أبيها على “تويتر” إلى التحقيق. رفضت القاضية دخول محاميها، أهانتها، سألتها: كيف أنجبت أمك ووالدك مسافر؟ لم تفهم توجان السؤال، غاب عن براءتها مغزاه “المنحطّ”، أخبرتها ببساطة أن الوالد سافر منذ أربعة أشهر، فصرخت القاضية في وجهها: ما فعلتِه حرام.
“لو كان لله بيوت في الأرض فهي المسارح ودور السينما وقاعات رقصة الباليه والفنون والآداب الجميلة، فلم يخرج من أروقتها إرهابي واحد”، هذه هي إحدى تغريدات والد توجان. لا يخفى على “نصف قارئ” ما في العبارة من مجاز، يحمل حزنا على الأحوال، ومحاولة لاستدراج القارئ إلى شرك الانتباه. هذه الصياغات الصادمة قد تلتبس على مراهق، لكنها لا تلتبس على بالغٍ عاقل، تجاوز سن الرشد. ما حدث أن توجان، الطفلة، فهمت. لم يلتبس عليها الأمر، لكنه التبس على معلميها. قد يخبرك ذلك بشيءٍ عن هذا الجيل، جيل توجان، مقارنةً بجيل آبائهم.
تحوّلت صفحة توجان، على “تويتر”، إلى مصدر خطر على الإسلام. تغريداتها خطر على الإسلام، تغريدات أبيها خطرٌ على الإسلام، صلواتها وهي مسربلة خطرٌ على الإسلام، هل هذا هو “الإسلام” الذي نعرفه؟ الإسلام الذي ساد الدنيا ثمانية قرون، وترجم ثقافات اليونان والرومان والفرس، وتفاعل ولم يخش شيئا، أم أنه إسلام آخر، إسلامٌ هشّ يخشى من طفلة، إسلامٌ يرتعد من تغريدة، أصحابه مهزوزون، موتورون، مهووسون، مهزومون، يحسبون كل “فكرة” عليهم، يجزعون من الاختلاف الديني، الفكري، العقدي، المذهبي، السياسي. كل الأفكار خطر، الحداثة خطر، الليبرالية خطر، العلمانية خطر، الاشتراكية خطر، التراث غير الخاضع لاختياراتهم خطر، المعتزلة خطر، الأشاعرة خطر، الفلاسفة خطر، المتكلمون خطر، كتب الأدب العربي خطر، كل شيء خطر على الإسلام، حتى تغريدات الأطفال.
يا توجان: أنا آسف على وصفك بالطفلة. أردت التوصيف القانوني. الحقيقة أنك أنضج من كل من شتمك، وأهانك، وشكّك في دينك. أعتذر: لزمانك من زماننا، لوعيك من وعينا، لحلمك من إحباطاتنا، لعقلك المتوقد من بلادتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على أنفسنا، قبل الناس، لك المستقبل، وعليك من الله ما تستحقين من حبٍّ ورحمة. عليك السلام، يا توجان.
* المصدر : العربي الجديد
ماذا عن قول ابيها في الخمر ( كيف يكون حلالا في الجنة وحرام في الدنيا… الدنيا هي الحياة الأبدية الخالدة.. وللإنسان أن يستمتع فيها بكل شيئ…)