عيسى هجرس يسري بالحضور الحاشد إلى ادغال كتابه

كتب _ محمد الصيادي
في أمسية استثنائية وحضور جماهيري ملفت، احتضنت قاعة مكتبة الكشكول في جريدة الأيام البحرينية فعالية تدشين الطبعة الثانية من كتاب (السرّايات) للأستاذ عيسى محمد هجرس، وأدار الأمسية باقتدار الدكتور الأكاديمي طارق الشيباني، وشارك في الأمسية بورقة نقدية كل من الدكتورة أديم الأنصاري، والكاتبة الأستاذة زينب علي البحراني من المملكة العربية السعودية، والدكتورة سهير المهندي، والدكتورة هنادي الجودر من مملكة البحرين، كما كانت هناك مشاركات عبر تقنية الفيديو من تونس الشقيقة للإعلامي الفنان القدير حافظ الشتيوي، والإعلامي الفنان القدير لطفي البحري.
وقد أجمعت كل الأوراق النقدية والتداخلات على إنسانية عيسى هجرس وعمق رؤاه في ما طرحه من خلال كتابه المحتفى به، والذي صدر قبل عامين في طبعته الأولى، وأعاد طباعته طبعة ثانية ووزعه بالمجان للجمع الغفير الذي حضر الأمسية من الأساتذة ورجال الثقافة والفكر في مملكة البحرين، يتقدمهم الشيخ اللواء المتقاعد خليفة بن أحمد بن محمد آل خليفة.
من جانبها قالت الدكتورة هنادي الجودر:
للحديث عن (السرّايات) عليّ أولاً أن أبدأ بالحديث عن الصديق عيسى هجرس، هذا الإنسان السهل الممتنع، البسيط جداً رغم تعقيده، المفعم بالإنسانية، القادر والعازم على الاحتواء، الحريص على الإرضاء، المتعاطف مع الجميع، اللطيف، الذي ليس من الصعب أن تكسب وده وأن تصبح صديقاً له، بشرط أن لا تُخلف ظنه في الخير الذي يتوسمه فيك.
لذلك لا يمكنني في حديثي هذا أن أفصل (السرّايات) عن شخصية عيسى هجرس، لأنهما متماهيان تماهياً تاماً. فالسرّايات هي خلاصة تجارب إنسانية عايشها عيسى خلال رحلة عمره المديد بإذن الله تعالى، واستخلصها من معاشرة الرجال الحقيقيين وأشباه الرجال ومن المواقف.
وهي مزيج من فكر وتدبر وعاطفة ومشاعر، وانكسارات ونجاحات، وثقة وخذلان، وتهذيب نفس وتسامح، وتفاصيل كثيرة لهذا الإنسان الذي أُجزم بأنه من القلة المتبقية من الأشخاص ذوي السمو النفسي والأخلاقي.
وفي ختام الأمسية تم تكريم المشاركين في الفعالية عرفاناً لما قدموه في ذلك المساء الذي كان يعبق بالجمال غير العادي، وكان مسك الختام.
وبعد الترحيب بالجميع، بدأ مدير الأمسية الدكتور طارق الشيباني بالتعريف بالأستاذ عيسى هجرس ومنجزه المحتفى به (السرّايات)، ومما قاله: إن الكتاب كان إملاءات عفوية تلفّظت بها لغة الأحداث والظواهر، وإليكم سادتي سيداتي باقة مما جاد به فكر الأخ عيسى وسطره قلمه وسال به حبره، ولا أدري كيف أنتقي من مزهرية (السرّايات) وردة واحدة متفردة بجمالها، فكلها ورود جميلة بألوان زاهية أخّاذة، فمثلاً عندما نراه يقول: “سأبقى معنى جميلاً وإن كتبتني بخط قبيح، فالسيف الذي يقطر دماً ليس بجريح”.
وفي سرّاية أخرى يقول: “يهرب من الحرب الجبان كما يهرب من النار الدخان”،
ويقول أيضًا في سرّاية أخرى: “أمّي حبك كالشجرة كلما تسامت طولاً اخترقتنا جذوراً”،
ويقول أيضًا: “كثير من الشعراء الذين بنوا بيوت الشعر ومنارات القصائد كانوا يسكنون في بيوت للإيجار”.
ومن ورقة الدكتورة أديم الأنصاري نقتطف ما يلي:
ـ حين عرفت عيسى هجرس، لم أعرف إنساناً أو أديباً فحسب، بل عرفت طاقة بشرية تتجدد بالعطاء، تختزل المحبة للناس كافة. رجل لا أستطيع أن أقول إنه بعشرة أو بمئة أو بألف، هو قبيلة من الأخلاق والقيم والمكارم، يشهد له بها كل من عرفه ومن يعرفه، هو من سيعرفه.
ربما في التعريف بالضيف يلجأون لسرد الشهادات والمؤهلات والإصدارات، ولكني ألتقط من سيرته الذاتية المحلّقة بالسماء، أنه محاط بالسمو من كل الجهات، مهما ارتفع عن الأرض أو نزل إليها، فهو سامي المكانة، رفيع القدر، عالي المنزلة.
أنا لا أقول هذه الكلمات، ولا هذه المقدمة تمجيداً ولا إطراءً، بل لأعرّف به وبسيرته التي يعرفها الناس.
ومن ورقة الكاتبة الإعلامية زينب البحراني نقتطف ما يلي:
الكتابة الأدبيَّة صورة من صور الحُريَّة الراقية، لأنها رسول المشاعر إلى الأذهان على أجنحة الكلمات المرسومة بإتقان، وحين تأتي النصوص المكتوبة طارقة أبواب القلوب من ذائقة لطالما ارتشفت من أنهار الموسيقى، وبصيرة قادرة على الاستلهام من خبرات الحياة اليومية والتعبير عنها بحكمة لا تعوزها رهافة المشاعر، لا بد وأن يكون لمضمون الكتاب صوت مسموع في تاريخ الإبداع الأدبي.
وكتاب “السرّايات” لمؤلفه الأديب عيسى هجرس، الذي تزود بمخزون ثري من أناقة اللغة، وفخامة الأفكار، وقرب الأسلوب من استيعاب مختلف طبقات القراء، استطاع تحقيق معادلة أدبية فريدة تقدم الطرح العميق على طبق يجمع السهل بالممتنع.
بينما قالت الدكتورة سهير المهندي في مداخلتها: إنه كما نفهم من هذه السرّايات شخصية عيسى هجرس، الذي يضعك أمام أبواب من الحكمة، حيث التناقض الظاهري الذي يفتح لك هذه الأبواب، كما في سرّاياته التي تقول: “قد تملك قليلاً من المال فتبني به مدينة، وقد تملك كل اللغة ولا تستطيع أن تبني بيت شعر واحداً”.
حيث يقلب النص وعي القارئ ويوقظه بنفحات معرفية خفيفة لكنها متقنة، فكل جملة مفارقة تنقلك من السطح إلى العمق فجأة، وبلغة لا تمشي على قدميها، بل تحلّق وتختلج وتنهار ثم تنهض من جديد، لا تستأذن القارئ بل تداهمه وتعيد ترتيب أفكاره كما يعيد النهر مجراه بعد الطوفان.
فهي نصوص دون محاذير، وأحكام دون محكمة، كُتبت بقلم يشبه المطرقة، تدق كلماته على جدار السكون. هذا الكاتب لا يتجمّل، لا يساوم، لا يداهن اللغة، ولا يراوغ الحقيقة، بل يجلدها، يعريها، يفضح تناقضاتها، ثم يلملمها كأب يعاتب أبناءه بحزم المحبة، فهي شخصيته الحقيقية.


