في حوار لـ “معين برس”: الشاطبي يكسر الصمت ويكشف معاناة المولّدين في اليمن وتطلعاتهم

حاوره: جميل السلمي

  • للأسف، الخطاب الديني الموروث، في بعض جوانبه وتفسيراته، لا يقف في صف المولّدين
  • الكثير من المولّدين يلجئ إلى إنكار أصوله غير اليمنية لتجنب الوصم والتهميش..
  • إذا ما ارتأى ناظر أن مسعى “المولّدين” لتصنيفهم كأقلية ينضوي تحت سياق مغاير، فلزم علينا استجلاء الأسس التي يرتكز إليها هذا الرأي بتفهم وعمق.
  • إخضاع “المولّدين” لبحوث أنثروبولوجية لا يراد به قطعا اعتبارهم “بلا تاريخ”، بل هو محاولة أكاديمية رصينة لفهم تكوينهم الاجتماعي والثقافي العميق
  • الاعتراف بخصوصيتنا لا يعني الانفصال عن هويتنا اليمنية الجامعة، بل هو إثراء لهذا التاريخ المشترك وإبراز لتنوعه وثرائه الأخاذ
  • المولّدون يمنيين انتماءً للأب، أرضًا، وتاريخًا مشتركًا مع اليمنيين، وفي الوقت نفسه، يحملون في عروقهم جزءًا من تاريخ وثقافة دول أمهاتهم في القرن الأفريقي
  • بإمكان الفرد والجماعة على حد سواء أن يحملا انتماءات متعددة ومتداخلة تثري كل منها الأخرى. فنحن “مولدون” يمنيون، وهويتنا كـ “مولدين” هي جزء لا يتجزأ من هويتنا اليمنية الأشمل والأوسع
  • قضيتنا منذ السبعينيات وحتى اللحظة قضية حقوقية وامالنا ببلد خال من العنصرية والتمييز
  • نؤكد بشكل قاطع أننا لم نتلقّ أي دعم مالي من أي جهة كانت في السابق ونرفض تلقيها ايضا

استضفت في هذا الحوار الصريح والعميق، الأديب والروائي اليمني سامي الشاطبي، الصوت البارز المنتمي إلى أقلية المولّدين اليمنيين من اب يمني وأم أفريقية.

يمثل الشاطبي امتدادًا لنهج الكاتب الراحل محمد عبد الولي، صاحب الرواية المؤثرة “يموتون غرباء”، في التعبير عن معاناة هذه الشريحة الأصيلة من المجتمع اليمني مع العنصرية والتمييز.

سعيت في هذا اللقاء إلى فهم أعمق لتجربة المولّدين، الذين غالبًا ما يتم تعريفهم من خلال مصطلح يحمل في طياته، كما يوضح الشاطبي، إرثًا من التحقير والعنصرية. فمن رحم هذه التجربة المريرة، يحمل الشاطبي على عاتقه مهمة التعريف بهذه الأقلية وتسليط الضوء على واقعها.

معين برس: في البداية، هو السؤال الجوهري: من هم المولّدون؟
الشاطبي: المولّدون هم يمنيون أصيلون، نشأوا وترعرعوا على هذه الأرض، لكن تركيبتهم الأسرية تتميز بكون آبائهم يمنيين وأمهاتهم غالباً من دول القرن الأفريقي، تحديداً إثيوبيا وجيبوتي وإريتريا والصومال. للأسف السلطات اشارت في هوياتهم الرسمية كالبطائق والجوازات بالمولّدين مما أُطلق عليهم لقب “المولّدين” في الأصل من منطلق التحقير والاستهانة، وهو مصطلح يحمل في طياته شوائب العنصرية البغيضة. وقد بلغ الأمر حد تضمين هذه التسمية الجارحة في هوياتهم الشخصية الرسمية، مما يعكس عمق التمييز الذي يواجهونه.
إن المعاناة الأساسية للمولّدين تنبع من لون بشرتهم الداكن، الذي ورثوه عن أمهاتهم الأفريقيات.. هذا الاختلاف الظاهري البسيط الى جانب تلك الصفة التحقيرية سببًا كافيًا لتعرضهم لأشكال مختلفة من العنصرية والتمييز في جوانب عديدة من حياتهم.
لقد تناول الأديب اليمني الكبير محمد عبد الولي، وهو نفسه مولود لأم حبشية، هذه القضية بإسهاب وإثراء عميق في رواياته، وعلى رأسها رائعته “يموتون غرباء”. .سلط الضوء بصدق وألم على ما يتعرض له المولّدون من قسوة مجتمعية ونظرة دونية، وكيف يؤثر ذلك على شعورهم بالانتماء وهويتهم خاصة في مناطق الشمال وشمال الشمال.. إن أعمال عبد الولي تعد بمثابة صرخة مدوية ضد العنصرية وشهادة حية على معاناتهم.

معين برس: يلاحظ أن هناك أقليات أخرى في اليمن كالبهائيين والمهمشين (الأخدام) لديهم تاريخ معترف به كأقليات فيما انتم لم تحصلوا بعد على الاعتراف.. كيف تردون على من يرى أن سعيكم لتصنيف المولّدين كأقلية يأتي في سياق مختلف، خاصة وأن البعض يرى أنكم جزء أصيل من المجتمع اليمني منذ القدم؟

الشاطبي: يغدو التعاطي مع مسألة تصنيف أي طيف ضمن خانة الأقليات أمرا يستدعي روية فائقة وتدقيقا متناهيا.. وللإجابة على هذا الاستشكال، يجدر بي أن اعرج على النقاط التالية ببيان ..اولا.. إننا إذ نجل ونوقر التاريخ المتفرد والمتميز للأقليات الأخرى في يمننا السعيد، كالبهائيين والمهمشين الأفاضل، لنقر بأن هذه الفئات الأصيلة قد جابهت تحديات جسيمة، وحملت إرثا ثقافيا واجتماعيا عريقا، جدير بالاعتراف والتقدير البالغ ضمن النسيج اليمني المزدان بألوان التنوع..ثانيا..إن سعي أي جماعة لترسيم هويتها أو المطالبة بحقوق معينة، لينبع دائما من تربة سياق تاريخي واجتماعي وسياسي محدد.. وإذا ما ارتأى ناظر أن مسعى “المولّدين” لتصنيفهم كأقلية ينضوي تحت سياق مغاير، فلزم علينا استجلاء الأسس التي يرتكز إليها هذا الرأي بتفهم وعمق، حيث يتأتى من منطلقات شتى.

معين برس: عدد تلك المنطلقات لتضع القارئ في الصورة الواضحة؟

الشاطبي: قد يرى البعض أن “المولّدين” قد انصهروا تاريخيا بقدر أوفى في مختلف شرائح المجتمع اليمني، مقارنة بالأقليات الأخرى التي ربما عانت من عزلة أو تمييز أكثر وضوحا على مر العصور…هذا منطلق.. المنطلق الاخر قد يكون ثمة تفاوت في جوهر الهوية الجماعية ومدى تمايزها عن الهوية اليمنية الأوسع رحابة والاهم قد تتأتى تساؤلات مستحقة حول الغايات المرجوة من السعي لتصنيف “المولّدين” كأقلية في هذا الظرف الزماني على وجه الخصوص…

معين برس: المولّدين هم الافراد من الاباء اليمنيين والامهات الافريقيات وهم جزء اصيل من اليمن فلماذا يتم تمييزهم عن بقية المولدين من الامهات الاسيويات والاوروبيات والامريكيات؟

الشاطبي: الامر ببساطة يعود الى الاختلاف في اللون لون البشرة فمولدي دول القرن الافريقي يختلفون عن مولدي اسيا واوروبا وامريكيا بتلك السحنة المائلة للسواد والتي هي نتاج بشرة الام ..لذلك معاناتهم كبيرة ..بعض افراد المجتمع مع الاسف يحكم على الانسان من خلال اللون وكان الوطنية حكر عليه فقط ..الم يعرف بان العشرات بل المئات من مولدي افريقيا هم من ساهموا بقوة في تحديث اليمن منذ ستينيات القرن المنصرم وحتى الان ..لدي قائمة بالعشرات من الجنود الذين بذلوا دمهم وروحهم في جبهات 26 سبتمبر والعشرات من المتعلمين الذين ساهموا في موكب تطوير اتعليم ومثلهم من التجار والخ …ارايت انهم ورغم ما يتعرضون له الا انهم يساهمون في تحديث اليمن ويحبونه ..اشير فقط بانهم لم يتدخلوا في السياسة ولم يحملوا سلاحا ..سلاحهم هو العلم والمعرفة …محبين للنظام وساعيين للعدالة والسلام..

معين برس: هناك من يرى بان تصنيف جماعة معينة كأقلية، يجب أن ينضوي تحت مظلة حوار بناء وشامل، يشارك فيه جميع الأطراف ذات الصلة.؟

الشاطبي: بالتاكيد نحن نخوض منذ مدة الحوار مستندين إلى فهم عميق للتاريخ والسياقات الاجتماعية والثقافية، وصولا الى تحقيق توافق يجلل حقوق الجميع ويرسخ أوصال الوحدة الوطنية.. إن سعي أي جماعة لتحديد هويتها لينبع من سياق خاص بها، عند مناقشة وضع “المولّدين”. فأصالة انتماء أي مكون للمجتمع اليمني هي ركن أساسي، وأي نقاش يتناول هذا الشأن يجب أن يتسم بالحساسية وينشد تعزيز التفاهم وتوثيق عرى الوحدة.

معين برس: يشير البعض إلى أن علم الأنثروبولوجيا يدرس المجتمعات التي “بلا تاريخ” في بعض التعريفات القديمة.. كيف تردون على من يستنتج من ذلك أن إخضاع المولّدين للدراسات الأنثروبولوجية يعني ضمنا اعتباركم بلا تاريخ؟ وكيف ترون دور الدراسات الأنثروبولوجية في فهمكم؟

الشاطبي: إن الزعم بأن علم الأنثروبولوجيا يستطرد في دراسة مجتمعات “بلا تاريخ” لهو وهم قد تجاوزه الزمن وتخطته معارف العصر، وينبئ عن قصور بيّن في فهم التطور المذهل الذي شهده هذا العلم النبيل.. فالأنثروبولوجيا المعاصرة تسعى بجد واجتهاد لاستيعاب التنوع الإنساني بكل أبعاده الثقافية والاجتماعية والتاريخية، وإخضاع “المولّدين” لبحوث أنثروبولوجية لا يراد به قطعا اعتبارهم “بلا تاريخ”، بل هو محاولة أكاديمية رصينة لفهم تكوينهم الاجتماعي والثقافي العميق، وتعقب مساراتهم التاريخية وتفاعلاتهم المثمرة ضمن رحابة المجتمع اليمني الأوسع…نرى في الدراسات الأنثروبولوجية أداة قيمة لإدراكنا الذاتي ولتعريف الآخرين بنا بشكل أرسخ وأكثر دقة وشمولية. فبإمكان هذه الدراسات أن تسلط أضواء كاشفة على تاريخنا المتطاول، ومساهماتنا الجليلة في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي ليمننا الحبيب، وأن تكشف عن التحديات التي واجهتنا وما زلنا نواجهها بصبر وعزيمة.
معين برس: ما الدافع وراء السعي لجعل مجموعتكم “أقلية”؟ ألا ترون أن هذا قد يهمش دوركم وتاريخكم المتداخل مع تاريخ اليمن العظيم والعريق؟

الشاطبي: إن الدافع الأسمى الذي يحدو أي سعي لتحديد الهوية الجماعية إنما يكمن غالبا في الرغبة الصادقة في الاعتراف بخصوصية التجربة والمطالبة بالحقوق التي قد لا تلبى بشكل كامل ضمن التصنيف العام.. وإذا ما كان ثمة سعي لتصنيف “المولّدين” كأقلية، فإنه لا ينبع بالضرورة من رغبة في تجاهل دورهم أو تاريخهم المتداخل مع تاريخ اليمن العظيم والعريق، بل قد يكون وسيلة لإبراز احتياجاتهم الخاصة وضمان تمثيلهم وحقوقهم بشكل أفضل وأكثر عدالة.. تاريخ “المولّدين” جزء لا يتجزأ من تاريخ اليمن العريق، وأن أي محاولة لفهمنا يجب أن تتم في هذا السياق الأوسع رحابة.. فإن الاعتراف بخصوصيتنا لا يعني الانفصال عن هويتنا اليمنية الجامعة، بل هو إثراء لهذا التاريخ المشترك وإبراز لتنوعه وثرائه الأخاذ.

معين برس: يثار تساؤل حول ما إذا كانت هناك محاولات من قبلكم “لخلق تاريخ” للمولدين كأقلية.. ما هي الأسس التاريخية والاجتماعية التي تستندون إليها في تبيان تاريخكم وتجاربكم في اليمن؟

الشاطبي: إن الأمر ليس كما تفضلت بوصفه “محاولة لخلق أقلية”، بل هو توصيف لواقع قائم… المولّدون ليسوا أقلية مختلقة، بل هم شريحة أصيلة من المجتمع اليمني، وإن كانت تشكل أقلية عددية تتميز بخصوصيتها… هذه الخصوصية تنبع من ارتباطهم المزدوج.. فهم يمنيون انتماءً للأب، أرضًا، وتاريخًا مشتركًا مع اليمنيين، وفي الوقت نفسه، يحملون في عروقهم جزءًا من تاريخ وثقافة دول أمهاتهم في القرن الأفريقي.
إن تاريخ وتجارب المولّدين في اليمن ليست حديثة العهد، بل هي جزء من النسيج الاجتماعي اليمني منذ عقود طويلة. لقد نشأت هذه الشريحة نتيجة للروابط الإنسانية والتاريخية التي جمعت اليمن بدول القرن الأفريقي عبر التجارة والهجرة. لقد عاشوا وعملوا وساهموا في بناء هذا الوطن جنبًا إلى جنب مع إخوانهم اليمنيين الآخرين، لكن، وبسبب لون بشرتهم الذي يحمل سمات أفريقية، واجهوا ولا يزالون يواجهون أشكالًا من العنصرية والتمييز من قبل بعض أفراد المجتمع. هذه العنصرية لم تؤدِّ فقط إلى عزلهم وتهميشهم في بعض الأحيان، بل ساهمت أيضًا في تبلور وعيهم بهويتهم المزدوجة وبكونهم يمثلون جسرًا ثقافيًا فريدًا بين العالمين العربي والأفريقي.
إن تعرضهم المشترك للعنصرية، بالإضافة إلى امتزاج الثقافة اليمنية العربية بثقافات أمهاتهم الأفريقيات، قد أفرز بالفعل ثقافة فرعية جديدة ومتميزة. إنهم يحملون في داخلهم تراثين، ويتفاعلون مع المجتمع اليمني بمنظور فريد يجمع بين الأصالة اليمنية والانفتاح على التنوع الأفريقي..لذا، فإن الحديث عن تاريخ وتجارب المولّدين ليس “خلقًا لأقلية”، بل هو إبراز لوجود شريحة قائمة بالفعل، لها جذور تاريخية واجتماعية عميقة في اليمن، ولها تجارب فريدة تستحق الدراسة والفهم. إنهم جزء لا يتجزأ من تركيبة المجتمع اليمني، وإبراز تاريخهم وتجاربهم يهدف إلى تحقيق الاعتراف الكامل بحقوقهم واندماجهم المتساوي في وطنهم.

معين برس: كيف يمكن للمولّدين إيجاد مساحة لتاريخهم الخاص ضمن التاريخ اليمني العظيم والعريق دون فصل أو ادعاء تاريخ منفصل؟ ما هي الروابط التي تؤكدون عليها مع هذا التاريخ الوطني؟ وفي ظل هذا التاريخ اليمني العريق، كيف تسعون لإبراز الهوية الفريدة للمولدين وفي الوقت نفسه التأكيد على انتمائكم الكامل والمتجذر كهوية يمنية؟

الشاطبي: يمكن إيجاد مساحة لتاريخ “المولّدين” ضمن التاريخ اليمني العريق من خلال التأكيد الدائم على الروابط الوثيقة والتفاعلات المستمرة مع هذا التاريخ الوطني الأشمل. إننا لنؤكد بصوت واحد على أننا جزء أصيل من هذا النسيج الاجتماعي والثقافي، وأن تاريخنا قد تشكل وتطور ضمن هذا السياق الوطني الرحيب..ومن هذا المنطلق نسعى بجد لإبراز هويتنا الفريدة كـ “مولدين” ، وفي الوقت ذاته نؤكد بقوة على انتمائنا الكامل والمتجذر كهوية يمنية جامعة تستوعب كل الأطياف. فإن التنوع هو سمة أصيلة للمجتمع اليمني، وإبراز هويتنا هو إثراء لهذا التنوع وليس انفصالا عنه بأي حال من الأحوال.

معين برس: رغم ذلك يتهمكم البعض بالسير باصرار “لخلق تاريخ” لكم كأقلية. ما هي الأسس التاريخية والاجتماعية التي تستند إليها في سرد تاريخ وتجارب المولّدين في اليمن؟

الشاطبي: إن أي سرد لتاريخ وتجارب “المولّدين” في اليمن ليستند بالضرورة إلى البحث والتوثيق الدقيق في المصادر التاريخية المتاحة،وتحليل التركيبة الاجتماعية والتفاعلات المستمرة بين مختلف المكونات اليمنية عبر العصور..إن عملية تبيان تاريخنا هي جهد مستمر يتطلب البحث المتأني والتدقيق العميق والمقارنة الدقيقة مع الروايات التاريخية الأخرى، بهدف تقديم صورة شاملة ودقيقة لتجربتنا في اليمن..انظر مثلا الروائي محمد عبد الولي ..كمثال ..والى المليارير رجل الاعمال محمد حسين العمودي..

معين برس: كيف توازن بين التأكيد على الهوية الفريدة للمولّدين وبين التأكيد على انتمائهم الوطني كهوية يمنية جامعة؟

الشاطبي: إن الموازنة الدقيقة بين التأكيد على الهوية الفريدة لـ “المولّدين” والتأكيد على انتمائهم الوطني كهوية يمنية جامعة إنما تتحقق من خلال فهم راسخ بأن الهوية ليست مفهوما أحادي البعد بل هي مركب متداخل الأبعاد. فبإمكان الفرد والجماعة على حد سواء أن يحملا انتماءات متعددة ومتداخلة تثري كل منها الأخرى. فنحن “مولدون” يمنيون، وهويتنا كـ “مولدين” هي جزء لا يتجزأ من هويتنا اليمنية الأشمل والأوسع..إننا نسعى بكل قوة لإبراز خصوصيتنا الثقافية والاجتماعية دون أن يمس ذلك بوحدتنا الوطنية وانتمائنا المشترك لهذا الوطن الأبي. فإن التنوع هو مصدر قوة وثراء للمجتمع اليمني، والاعتراف بهويتنا الفريدة إنما يساهم في تعزيز هذا التنوع وتجذيره.

معين برس: ما هي الآليات التي تعتمدونها لتوثيق ونشر تاريخ وتراث المولّدين في اليمن؟ وما هي التحديات التي تواجهونها في هذه العملية؟

الشاطبي: لقد سعينا جاهدين، لتوثيق ونشر تاريخ وتراث المولَّدين في اليمن عبر آليات متعددة، وإن واجهتنا في ذلك تحديات جمة… ففي الجانب التنظيمي والاجتماعي، سعينا لتأسيس الجمعيات… كانت البداية بتأسيس عدد من الجمعيات التي تهدف إلى تمثيل المولَّدين والدفاع عن حقوقهم، بدءًا من “جمعية أبناء المغتربين” في سبعينات القرن المنصرم، مرورًا بعدد آخر من الجمعيات… صحيح أن أغلب هذه الجمعيات قد واجهت صعوبات أدت إلى إغلاقها أو توقف أنشطتها، إلا أنها مثَّلت محاولات رائدة لإيجاد كيان يجمع شتات المولَّدين ويعبِّر عن قضاياهم… نظرًا لتحديات الاستمرار في إطار الجمعيات الرسمية، اتجهنا نحو التجمع في تكتلات غير رسمية، مثل أبناء الهاجرين اليمنيين في دول القرن الإفريقي… هذا التكتل من شأنه أن يوفر لنا مساحة للتواصل والتنسيق وتبادل الأفكار والعمل المشترك على قضايا تهم المولَّدين. علمًا بأن كل أنشطتنا حقوقية بالدرجة الأولى، ولا نتدخل في أي شؤون سياسية… ما يهمنا أن نساهم في تأهيل الأعضاء ودفعهم لسوق العمل، وأن نعمل على إشاعة المعرفة بهم والمساهمة في ارتقاء الوعي المجتمعي تجاههم وتقليل العنصرية والتمييز التي يتعرضون لها… إذًا، قضيتنا منذ السبعينيات وحتى اللحظة قضية حقوقية، وآمالنا ببلد خالٍ من العنصرية والتمييز.

معين برس: لم تذكر بقية الجوانب ..؟

الشاطبي: في الجانب الثقافي والإعلامي نقوم بالتواصل مع الباحثين والدراسين حيث نسعى للتواصل الفعال مع الباحثين والأكاديميين والدارسين المهتمين بتاريخ وتراث الأقليات في اليمن، لتشجيعهم على إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث حول تاريخ المولّدين ومساهماتهم في المجتمع اليمني. نأمل أن تساهم هذه الدراسات في إلقاء الضوء على جوانب مغفلة من تاريخنا المشترك…اما في الجانب الاعلامي نحاول بناء جسور من التعاون مع وسائل الإعلام المختلفة، المرئية والمسموعة والمقروءة، لنشر قصص المولّدين وتجاربهم، وإبراز إسهاماتهم في مختلف المجالات. نؤمن بأن الإعلام يلعب دورًا حاسمًا في تغيير الصورة النمطية السلبية ونشر الوعي بقضايا التمييز والعنصرية التي نواجهها.. كما نسعى لإنشاء منصات رقمية ومبادرات فنية تسلط الضوء على ثقافتنا المتنوعة..بالطبع في هذا الزحام نواجه بعض الصعوبات مثل عملية توثيق ونشر تاريخ المولّدين في اليمن اذ غالبًا ما يكون مهمشًا في السجلات الرسمية والمناهج التعليمية، مما يجعل عملية التوثيق أكثر صعوبة…بالاضافة الى انه لا يزال موضوع العنصرية والتمييز ضد المولّدين من المواضيع الحساسة التي يتردد البعض في تناولها بشكل صريح ومباشر.

معين برس: من اين تحصلون على الدعم المادي للقيام بكل هذا ؟

الشاطبي: نؤكد بشكل قاطع أننا لم نتلقّ أي دعم مالي من أي جهة كانت في السابق ونرفض تلقيها ايضا..لان قضيتنا قضية حقوقية واعلامية ..إن جميع جهودنا لتوثيق ونشر تاريخ وتراث المولَّدين، والسعي لتحقيق حقوقنا، تتم بـجهود ذاتية من أعضائنا. هذا الإصرار نابع من إيماننا الراسخ بأن التعريف بتراثنا الغني والمتنوع يمثل خطوة جوهرية نحو تحقيق الاعتراف الكامل بحقوقنا واندماجنا المتساوي في المجتمع اليمني، ولهذا نواصل العمل بمواردنا الذاتية المحدودة.

معين برس: ما هي رؤيتكم لدور تاريخ المولّدين في تعزيز التنوع والتسامح والوحدة الوطنية في اليمن؟

الشاطبي: المولدين ساهموا منذ السبعينات وحتى اللحظة في الكثير من المجالات على الصعيد الثقافي هناك اسماء ادبية كبيرة ومعروفة وعلى الصعيد التجاري فمنهم العشرات ممن ساهم في تطوير الاقتصاد اليمني منهم محمد جسين العمودي والاشطل وعلى صعيد تحديث اليمن فهم كوادر متعلمة ..لدينا احصائية باكثرمن 1260 فرد من المولدين ممن لهم اسهامات بارزة في تحديث اليمن على مختلف الصعد..هم بطبعهم اناس مسالمين يقدرون الجهد الطيب ويحترمون الانظمة والقوانين..

معين برس: ما هي أنواع الدراسات والبحوث التي أجريت أو تجرى حاليا حول المولّدين في اليمن؟ وما هي أبرز النتائج التي توصلت إليها؟ وكيف تساهم هذه الدراسات والبحوث في فهم التحديات التي تواجه المولّدين وتعزيز حقوقهم؟

الشاطبي: بالفعل، هناك اهتمام متزايد بإجراء الدراسات والبحوث حول المولّدين في اليمن في السنوات الأخيرة، وإن كانت لا تزال غير كافية لحجم التحديات التي يواجهونها. يمكن تصنيف هذه الدراسات والبحوث إلى عدة أنواع اهمها الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية والتي تركز على فهم الهوية الاجتماعية والثقافية للمولّدين، وأنماط التمييز والعنصرية التي يتعرضون لها في مختلف جوانب الحياة (التعليم، العمل، الزواج، الحياة اليومية)، واستراتيجيات التكيف والصمود التي يتبعونها… دراسة ماري دي ريخت المعنونة “الموَلَّدون في اليمن: مواجهة العنصرية والوصم والتمييز في زمن الحرب” تُعد مثالًا بارزًا على هذا النوع. وقد توصلت هذه الدراسة إلى نتائج مهمة أبرزها معاناة غالبية المولّدين من العنصرية والوصم في المدارس وسوق العمل والمجتمع ككل…ووجود تباينات في درجة الوصم والتمييز من منطقة إلى أخرى، حيث يعاني المولّدون في جنوب اليمن (خاصة عدن) بدرجة أقل مقارنة بمناطق أخرى مثل صنعاء…وصعوبة حصول المولّدين على وثائق الهوية القانونية بسبب اشتراط تقديم إثبات لمسقط رأس الآباء…أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسات والبحوث بالإضافة إلى نتائج دراسة ماري دي ريخت، تشير الدراسات والبحوث الأخرى إلى ..وجود وصم اجتماعي عميق مرتبط بكون الشخص “مولّدًا”، مما يؤثر سلبًا على فرصهم الاجتماعية والاقتصادية…وتعرض النساء المولّدات بشكل خاص لأشكال مضاعفة من التمييز بسبب النوع والعرق…الا ترى بان الكثير من المولّدين يلجئ إلى إنكار أصوله غير اليمنية لتجنب الوصم والتهميش..

معين برس: كيف تساهم هذه الدراسات والبحوث في فهم التحديات وتعزيز الحقوق؟

الشاطبي: تلعب هذه الدراسات والبحوث دورًا حيويًا في فهم التحديات التي تواجه المولّدين وتعزيز حقوقهم من خلال تقديم أدلة قوية على وجود انتهاكات لحقوق الإنسان، مما يساعد المنظمات الحقوقية والمدافعين عن حقوق الإنسان في المطالبة بالعدالة والإنصاف بالاضافة الى تمكين أصوات المولّدين في إعطائهم مساحة للتعبير عن تجاربهم وآرائهم، وتعزيز مشاركتهم في الدفاع عن حقوقهم.

معين برس: كيف ينظر المولّدون إلى هويتهم اليمنية، خاصة في ظل تجارب العنصرية التي يواجهونها؟

الشاطبي: إن نظرة المولّدين إلى هويتهم اليمنية معقدة ومتداخلة، تتأثر بشكل كبير بتجاربهم اليومية مع العنصرية. على الرغم من أن شخصيات بارزة مثل الأستاذ علي باكثير والروائي محمد عبد الولي، وهما من المولّدين، قد قدما إسهامات ثقافية ومعرفية عظيمة لليمن، مما يعكس انتماءهما العميق وولائهما لهذا الوطن، إلا أن تجربة كل مولّد فردية.
البعض، خاصة أولئك الذين قد لا تكون ملامحهم أو لون بشرتهم مختلفًا بشكل واضح عن الغالبية اليمنية، قد يشعرون بانتماء أكبر واندماج أسهل. ربما يتمكنون من التماهي مع المجتمع بشكل كامل، ويجدون قبولًا أوسع..لكن بالنسبة للكثيرين الآخرين، الذين تحمل بشرتهم سمات أفريقية واضحة، فإن الأمر مختلف فهم يواجهون واقعًا مؤلمًا من التمييز والعنصرية. واقعا يشعرهم بأن هويتهم اليمنية محل تساؤل دائم، وأنهم ليسوا “يمنيين بما فيه الكفاية” في نظر البعض. هذا الشعور بالاستبعاد يمكن أن يؤدي إلى جرح عميق في إحساسهم بالذات والانتماء..إن إنجازات شخصيات مثل باكثير وعبد الولي وهما كمثال فقط فاقائمة طويلة تمثل قممًا شامخة، لكنها لا تمحو واقع المعاناة اليومية التي يواجهها العديد من المولّدين العاديين.. إنهم يحبون هذا الوطن، ويرون فيه جزءًا أصيلًا من هويتهم، لكن العنصرية التي يتعرضون لها تخلق حاجزًا مؤلمًا يعيق شعورهم بالانتماء الكامل وغير المشروط.

معين برس: هل يشعر المولّدون بالانتماء الكامل للمجتمع اليمني في ظل هذه الظروف؟

الشاطبي: كما ذكرت سابقًا، الإجابة على هذا السؤال ليست قاطعة. هناك تفاوت كبير في شعور المولّدين بالانتماء.. الشريحة الأكبر من المولّدين، الذين يواجهون العنصرية بشكل يومي، غالبًا ما يكون شعورهم بالانتماء مجزأ أو مشروطًا. إنهم يحبون اليمن، هي وطنهم، وقدموا ولا يزالون يقدمون إسهامات قيمة في تحديثه وتطويره في مختلف المجالات. ومع ذلك، فإن نظرات الاستغراب، والتعليقات الجارحة، والتهميش الذي يتعرضون له بسبب لون بشرتهم، يخلق لديهم شعورًا بالانفصال أو بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية..إن هذا لا يمنعهم من المساهمة بفاعلية في نهضة اليمن. إن حب الوطن والرغبة في بناء مستقبل أفضل للجميع يتجاوز في كثير من الأحيان جراح العنصرية. لكن من الضروري أن نفهم أن هذا الإسهام يأتي غالبًا مصحوبًا بعبء نفسي وعاطفي ثقيل، ناتج عن شعورهم بأنهم ليسوا مقبولين بشكل كامل في وطنهم.

معين برس: هل هناك شخصيات قيادية أو مؤثرة من بين المولّدين في اليمن؟ وما هو دورهم في الدفاع عن حقوق المجموعة؟

الشاطبي: نعم، هناك العديد من الشخصيات القيادية والمؤثرة من بين المولّدين في اليمن، ولكن كما تفضلت بالإشارة إليه، فإن الكثير منهم يحجمون عن الظهور العلني أو إبراز هويتهم تلك بشكل واضح خوفًا من التعرض للعنصرية والتمييز. هذا الخوف له ما يبرره في ظل وجود بعض الممارسات العنصرية في المجتمع..هناك أفراد من المولّدين تبوؤوا مناصب مهمة في مجالات مختلفة، سواء في التجارة أو الثقافة أو حتى السياسة بشكل غير معلن. الكثير منهم يسعون لإخفاء هذه الجزئية من هويتهم، خاصة التجار ورجال الأعمال، خشية التعرض للابتزاز أو الاستغلال أو التضييق في معاملاتهم..ومع ذلك، هناك أيضًا شخصيات قليلة اختارت أن تكون أكثر جرأة في التعبير عن هويتها والدفاع عن حقوق المولّدين

معين برس: كيف يتم التعامل مع قضية المولّدين في الخطاب الديني والاجتماعي في اليمن؟

الشاطبي: إن التعامل مع قضية المولّدين في الخطاب الديني والاجتماعي في بلدنا اليمن يمثل تحديًا معقدًا ويتسم بالتناقض والتباين…فعلى مستوى الخطاب الديني..للأسف، يمكن القول بأن الخطاب الديني الموروث، في بعض جوانبه وتفسيراته، لا يقف في صف المولّدين.. بعض التفسيرات التقليدية قد تحمل نظرة دونية أو تمييزية تجاه أصحاب ا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى