المهري وحكاية حبٍّ من الشرقِ
معين برس- كتب/ سامي الشاطبي:
يعد الشعر الشعبي المعبر عن تطلعات الناس وقصيدة “من بعد غيبه رأيته كالملاك” للشاعر عيسى بن سالمين المهري واحدة من هذا الشعر الذي يتسم بما يطلق عليه السهل الممتنع ..سهل في كلماته وفي فهمه واستيعابه وممتنع في مغازيه ودلالاته ورموزه ويتطلب إبداعًا ومهارةً عاليةً لكتابته لا يعيها إلا المتبحرون في الشعر.
تُعبّر القصيدة عن مشاعر الشاعر المتضاربة تجاه شخص غاب عنه لفترة طويلة، ثم التقاه صدفة.
في الشطر الأول يُعبّر عن فرحته وسعادته عند رؤية الشخص الذي غاب عنه وفي الشطر الثاني يُعبّر الشاعر عن شعوره بالارتباك والتوتر عند التحدث مع الشخص الذي غاب عنه فيما الثالث يُعبّر عن رغبته في الارتباط بالشخص الذي غاب عنه أما الرابع فيُعبّر عن مشاعره المتضاربة تجاه الشخص الذي غاب عنه.
مــن بعد غيبـه رأيتـه كالمـــــلاك
أبتسـم لي وراح يضحك مع هذيك
قلت يا قلب التعاسـه ويش دهاك،،؟
ربمــــا صدفـه ويمكـن مـا يبيــك
ارتبكت بكل معنـى الارتـبـاك
ألم أقل لكم أن الشعر الشعبي من ذلك النوع السهل والممتنع في آن واحد؟ فمن ناحية، يمكن فهمه بسهولة من قبل جميع الناس، ومن ناحية أخرى، يشير بوضوح إلى أن ليس كل شاعر يمكنه أن يصبح شاعرًا شعبيًا مبدعًا إلا من نجح في الجمع بين السهل والممتنع، ومن خلالهما عبّر عن مشاعر الناس وأفكارهم وآمالهم.
الشاعر عيسى بن سالمين المهري في قصائده المتعددة يعد واحدًا من القلة التي جمعت بين السهل والممتنع بل بين المنفصل والمتصل في القصيدة، وصولًا إلى إكساب القارئ بعضًا من البهجة والمعرفة.
صرت اخاف الناس تسأل ويش فيك
لين جــتني قالت أركـد ويش بلاك ،،؟
قـلت قـــلبي : قالت أصــبـر ماعليك
انسـحب بشـويش وانْطرنـي هناك
بس أشـوف الربع وشْغلهم واجبك
قلــــت والله يـوم ســـعدي ملتقاك
إلى جانب الإشارات السابقة، ما الذي يميز هذه الابيات من القصيدة؟
ببساطة، تتميز بكونها خلاف الأشطر السابقة ذات لغة عربية فصحى بسيطة ومباشرة، وهو ما يمكن أن نسميه بالمتصل والمنفصل في آن واحد.
وما بين اتقان الاستفادة من المتصل والمنفصل ثمة اتقان اخر يتجسد في المفردة العامية ..ولأن الشعر الشعبي بدون المفردة العامية لا يطلق عليه شعبيًا، فإن القصيدة استخدمت عبارات يمتد عمر بعضها لمئات السنين كـ “وش دهاك؟” و “وش فيك؟” و “أركد”.
ما الذي يميز هذه المفردات عن كثير من القصائد الشعرية الشعبية؟
تعود أصل عبارة “وش دهاك” إلى شبه الجزيرة العربية، وهي بحسب الموسوعة الشعبية الكبرى تُستخدم بشكل شائع في اللهجة الخليجية للتعبير عن الاستفسار عن سبب شعور شخص ما بالضيق أو الحزن أو الغضب.
لكن تاريخيًا، تُستخدم “وش دهاك” في التعبير عن انفعالات متعددة كالتعاطف مع شخص أو طلب المساعدة أو بدء محادثة لرديف أو لمقابل، ولكن الشاعر وظّفها هنا بطريقة مختلفة، اذ لم يكن الرديف أو المقابل شخصًا بل جزءًا من الشخص.
“قلت يا قلب التعاسة ويش دهاك؟”
لقد استخدم العبارة بشكل غير تقليدي، حيث وجّه السؤال إلى “القلب” بدلًا من شخص آخر ليُظهر إبداعًا وابتكارًا في استخدام اللغة لزيادة تركيز المشاعر.
وعلى ضوء القصيدة –ساترك لكم قراءة القصيدة كاملة واستخراج دلالاتها ورموزها وذلك الفيض من المشاعر- وعلى الضوء تصل بنا سفينة قوافيها إلى الخلاصة التالية: وحده الشعر الشعبي من يمكنه أن يُخلّد ذكرى الأحداث والأشخاص، وأن يشكل روح التراث الثقافي للمجتمع.
وتلك المشاعر الفياضة من بين كلماته من شأنها أن تُلهم الناس بعضًا من المشاعر والقدرة على الإبداع والابتكار، وصولًا إلى إثراء حيواتهم الروحية.
النص الكامل لقصيدة الشاعر عيسى بن سالمين المهري
مــن بعد غيبـه رأيتـه كالمـــــلاك
أبتسـم لي وراح يضحك مع هذيك
قلت يا قلب التعاسـه ويش دهاك،،؟
ربمــــا صدفـه ويمكـن مـا يبيــك
ارتبكت بكل معنـى الارتـبـاك
صرت اخاف الناس تسأل ويش فيك
لين جــتني قالت أركـد ويش بلاك ،،؟
قـلت قـــلبي : قالت أصــبـر ماعليك
انسـحب بشـويش وانْطرنـي هناك
بس أشـوف الربع وشْغلهم واجبك
قلــــت والله يـوم ســـعدي ملتقاك
لا تّأخـر ربــــي يـرحــــــم والـديـك
ماهــــقيـت الحـفل يجمعنـي معاك
ماهقيت أحـطّ عينـي فـــي عينيـك
أشـــــكر اللي سوّا هالحفله ودعاك
اللي جابك مــــــــن غيابـك وَلْتقيك
في غيابك شـــوف وش سوّا غلاك
صرت أسولف بك لحالـي وَفْتديـك
قـال وينـك كـــــل هالمـــــدّه وراك ،،؟
والّا لاهي بين هـــــــــذي وبيـن ذيك
قلت أكابر بـس قلبـــــي مـا ســـلاك
صدقيني صــرت أجوعـك وَشْتهيك
ما عطشــــت من المياه الّا فـــــــــلاك
ولا عشــقت مـــــن البروج الّا جديـك
من غلاتك ما ســـلت روحـــي هـواك
ومن حلاتــك مالـك بحبك شــــــريـك
يإ شــــتياقي . يا . ويا . أفـرد يـداك
أرمي حالي من عذابــي بين إيديــك
يابعــــــدنـي يابـــــعـد هــــــذا وذاك
خـذني كلي خــــذنـي لـك منك إليـك
جدير بالذكر بان للشاعر ديوان شعري صدر تحت عنوان معلق حتى اشعار اخرى
ولنا تناولات اخرى في اصدارات قادمة
للبقية تتمة..