الهوية اليمنية.. خطورة التجريف وضرورة المواجهة

محمد السمان

في البدء يمر #اليمن بمنعطف خطير جدًا.. وهو خطر استهداف الهُوية اليمنية، وسعي جماعة الحوثي الحثيث بكل الوسائل والإمكانات في استهدافها، وهي بذلك تسابق الزمن في تغيير الهُوية وتجريفها ليواكب فكرها المرتبط بفكر ملالي إيران، وسعيها لاستجلاب هُويات مغلوطة وزائغة عن الهُوية اليمنية الأصيلة المنطلقة من ثوابت الشعب اليمني المسلم، ومن عمقه العربي وبعيدًا عن أي ادعاءات ومزاعم أو حق إلهي.

أصل الصراع

والمتأمل لحال اليمن واليمنين سابقًا سيجد التدافع الكبير والصراع مع الهُويات الدخيلة عليه كهُوية “الأحباش والفرس” وكان ثبات اليمنيين ودفاعهم ينبع عن عمق الاعتزاز بهويتهم الأصيلة التي لا تقبل بأي دخيل عليها.

وإذا عُدنا إلى أصل الصراع والمشكلة اليوم مع الحوثي سنجدها تتلخص في دفاع اليمنيين عن “الهُوية اليمنية” فالحوثي مستميت لصرف الناس عن “الهُوية اليمنية الجامعة” لصالح هُويته الزائغة الباطلة القائمة على:

  1. ادعاء تفضيل عرقي سلالي وينسب ذلك لله سبحانه وتعالى (وكذب بزعمه ذلك) .
  2. الثنائية في المواطنة (يمني -هاشمي) بتقسيم طبقي للمجتمع (ومازلنا نتذكر لقانونه “الخُمس”).
  3. استعلائية هاشمية عنصرية مقيته وتسويقها وفرضها بحجة “هٌوية إيمانية” مستمدة من الدين، والاصطفاء الإلهي، وأَعلام الهُدى والقرآن الناطق والذي لا يُفهم القرآن والدين إلاّ بهم.
  4. يترتب على هذا التفضيل حقوق وواجبات لهم دون الناس بزعمهم أنهم أبناء الرسول وأحفاده.

ممارسات ووسائل التجريف

وفي سبيل فرض هويتهم وثقافتهم وفكرهم الدخيل على ثقافة وفكر الشعب اليمني يمكن أن يمارسوا في ذلك القمع والخطف والتفجير والتدمير، ولا يبالون بانتهاكهم لحقوق الإنسان ضاربين بتلك الحقوق المصونة أو المواثيق الأممية التي تؤكد وتجرم استخدام الإرهاب والعنف والقمع لفرض أو تغيير الدين أو المعتقد أو المذهب.

فهم يعمدون بكل وسائلهم لتغييب الوعي المجتمعي ويسعون لتزييف الحقائق والتشكيك في الثوابت والنيل منها، مستغلين حالة الانقلاب والحرب التي قاموا بها على الدولة وعلى الشعب اليمني -الذي بفطرته السليمة يرفضهم ويرفض عقائدهم المغلوطة- ويمارسون قهرهم وسلطتهم وبطشهم في سبيل نشر فكرهم وعقائدهم. ويسعون بكل الوسائل لفرض تلك الهُوية الزائغة والباطلة ويحاولون يلبسونها مسوح الرهبان وصكوك الغفران، كل ذلك في سبيل تغييب “الهُوية اليمنية” لصالح هويتهم ويتخذون في ذلك كل أساليبهم المختلفة بما ذلك تغيير المناهج والخطباء والأئمة ومحاولة توجيه كل المنابر الإعلامية التي استولوا عليها نحو خطاب مغلوط مأزوم لتزييف الوعي واختطافه نحو هُويتهم الزائغة.

حتمية المواجهة

وفي المقابل تتضافر جهود الشعب اليمني بكل نخبه وشرائحه المختلفة للتصدي لهذا الزيغ ومحاولة مقارعة باطل الحوثي ومن لف لفه ممن تدثر برداء التصوف أو ممن تعنصر بسلالية عنصرية.

وتتنوع هذه الوسائل في التصدي لباطلهم بحسب فئاتهم، كنخب مثقفة وعلماء دين ومفكرين وسياسيين وإعلاميين وناشطين وحتى كأشخاص عاديين وفي سبيل هذه المعركة المهمة لليمنيين نحن بحاجة لأي جهد ولأي حراك يُبذل لدحر هوية الحوثي الزائغة ولخرافتها المقيتة، ولسنا في حالة ترف معرفي وحالة من الاستقرار الوطني حتى نمايز أو ننقح أو نغربل طرق الرد على الحوثي مادامت هذه الوسائل لم تمس ثابتًا دينيًا أو قيميًا أو وطنيًا بل تتصدى لباطل الحوثي بكل الوسائل بما في ذلك استجلاب الهوية التاريخية اليمنية كمورث تاريخي.

ثوابت ومرتكزات

ومن واقع الصراع المحموم اليوم والتدافع الحاصل من الطبيعي أن يستعيد الوعي التساؤل عن مرتكزات “الهوية اليمنية” كهوية يمنية جامعة، والتي تمثل وجوده وبقاءه، وهي ترتكز على:

  1. اللغة: كانت اليمن هي الحضن الذي نشأت فيه اللغة العربية، وإليها يعود اللسان العربي بجذوره وأدواته العربية؛ وتلقفها اللسان اليمني مع الرسالة السماوية التي حملها هود -عليه السلام-، وانطلق بها لسان يعرب بن قحطان وثبت عن بُرَيدة رضي الله عنه في قوله تعالى: {بلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبينٍ}، قال: بلسان جُرْهم (وهي قبيلة يمنية تزوج منهم النبي إسماعيل عليه السلام)، وحلت اللغة العربية حيث حلّ الرحالة والمهاجرون اليمنيون، والتي مازالت محفوظة إلى اليوم، ورغم ما حصل في اليمن من دخيل عليها كالفرس والأحباش إلا أن اللسان العربي لم يشوبه الفساد بالشكل الذي يُلغي أصوله.
  2. الدين: اشتهر عن اليمن قديما أنهم كانوا أهل كتاب، وكان التاريخ اليمني القديم محل تحولات دينية عظمى، وظل الشعور اليمني يحمل التدين على أصوله في فترات اشتهرت بها مملكة سبأ، ومملكة بلقيس وخلّد القرآن قصة إسلام بلقيس بعد أن أسلمت لله رب العالمين. وأحيانًا يحل الموروث التقليدي الشركي بديلًا في حالة ذبول معرفي، وبقيت اليمن تحتفظ بآثار دينية لأنبياء وصالحين في الطابع الجغرافي، مثل: جبل النبي شعيب -عليه السلام- في صنعاء، وقبر النبي هود -عليه السلام- في حضرموت، وإرم ذات العماد في مدينة أبين، ومعالم ثقافية سائدة في قصة الأخدود، وسيل العرم، وأصحاب الجنة في صنعاء، وعرش بلقيس وغيرها..

ولما جاء الإسلام أقبلوا وفودًا، وصاروا فاتحين، ومددًا للنبي صلى الله عليه وسلم حتى فاخر فرحًا بهم وقال “أتاكم أهل اليمن.. الإيمان يمان والحكمة يمانية” ثم كانوا قادة فاتحين بلغوا الغرب الأوروبي ففتحوا الأندلس ونهضوا فيها بالحكم والعمران على نمط الثقافة العربية والإسلامية.

  1. القبيلة: وهي إحدى مرتكزات الهُوية اليمنية الجامعة، فالقبيلة بكل ما تحمله من قيم أصيلة راسخة في المجتمع تمثل إحدى مرتكزات الهُوية، ولمّا كانت القبيلة من عوامل البقاء البشري، وتماسك الأجيال، وتوارث الحكم، ودعائم المجد كانت الأجدر في الوجود الحضاري، ولذلك كان من أولى أولويات الحوثي استهداف القبيلة والقُبل اليمنية لأنها تمثل إحدى الحصون المجتمعية في طريق بث هويته الزائغة.
  2. الإرث الثقافي والتاريخي: “من لا تاريخ له لا حاضر ولا مستقبل له” وحق لمن له تاريخ أن يفاخر به، ويعتبر الإرث التاريخي والثقافي من أوسع الحلقات التي تفاخر بها الأمم في هوياتها وحضاراتها فهي شواهد تاريخية تمثل جذور أصيلة ونمط بشري شاهد على عظمة الإنسان اليمني الذي صنع حضارات عظيمة ودول ومماليك وكانت لها الريادة التاريخية، ويبرز هنا عمق الاعتزاز بذلك إذا ما استفدنا من تلك الحضارات والتجارب التاريخية في الجوانب السياسية والاقتصادية والعمرانية والزراعية وبناء السدود وغيرها، ولذلك تجد أكثر المنزعجين من الإرث التاريخي اليمني القديم هم الحوثيون، بل إن زعيمهم الهالك حسين الحوثي تحدث عن “آثار الحضارات اليمنية القديمة” بازدراء منددًا بتفاخر اليمنيين بحضاراتهم القديمة، وأعتبر ذلك من قبيل طمس التاريخ الإسلامي في اليمن، بينما تجدهم يؤصلون للتاريخ من وصول هالكهم الرسي لليمن.
  3. الانتماء الوطني: ارتبط الإنسان منذ الأزل بالمكان والزمان، حيث إنّ الارتباط بالمكان يمثل وجود ذاته وجسده فيه، وهكذا كان العرب قديمًا يفاخرون بالانتماء اليمني وجذورهم لهذا الانتماء، والانتماء للأوطان ضرورة إنسانية وحاجة حضارية مستديمة تشعر صاحبها بعظم الروابط المشتركة.
  4. العمق العربي الأصيل: اليمن جزء أصيل من محيطه العربي والإسلامي وتربطه بعمقه ومحيطه العربي ثوابت ومشتركات أصيلة، كاللغة والدين والهوية والثقافة والمصير المشترك وغيرها.. وهو كذلك جزء أصيل من محطيه الإسلامي، ولن يكون أبدًا جزءًا من أي هُويات دخيلة أو أداة لأي نفوذ لدول مناهضة لعمقه العربي أو محل أذية أو ضرر لهم.

خلاصة القول

وإذا ولجنا من أقرب الأبواب التي قارعت ردحًا من الزمن سلالية أجداد الحوثي وإمامة بيت حميد الدين سنجد أن الوعي اليمني حينها التف حول راية “الهُوية اليمنية” التي رفعها المفكرون والعلماء الشعراء والأدباء وكل الأبطال بمختلف فئاتهم بمشاعل من نور في فترة نضالات باسلة ضد حالة الطغيان الإمامي في فرض الولاء الطائفي للأسر الهاشمية ووجد الشعب نفسه أمام مخاطر تهدد “هُويته اليمنية الجامعة” فكانت ثورة باسلة في 26 سبتمبر سبقها حالة من الغضب والتحرر من ربقة العنصرية من أجل استعادة ” الهُوية اليمنية” من أيادٍ عنصرية ظالمة.

وفي الأخير قد يتوهم البعض أن هناك تصادما بين “الهوية اليمنية” والدين الإسلامي، فنقول أبدًا لا يوجد أي تصادم أو تناقض في ذلك فالدين جزء من “الهُوية اليمنية” وهو ركيزة وعمود من أعمدتها فلتتضافر جميع جهودنا اليوم لدحر هوية الحوثي الباطلة ومن لف لفه وسار على طريقته.

  • عن مجلة العميد
  • اللوحة للفنان ردفان المحمدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى