قراءة في كتـاب “فتنة السلاليـة في الإسلام” للباحث أحمد البتيت
د. لمياء الكندي
- مجلة العميد العدد الثاني
إحاطة عامة
ما زال اليمنيون يدفعون ثمن العنصرية السلالية منذ التسرب السلالي الأول لليمن الذي حاول أدعياؤه أن يجعلوا اليمن سلة تتلقف كل مساوئهم العنصرية وأن يجعلوا من قدومهم إلى اليمن بيئة خصبة لادعائاتهم بعد أن ضاقت بهم بلاد الحجاز ومصر والعراق والشام، مستغلين حالة الفراغ الحضاري الذي شهدته اليمن في سنوات ماقبل البعثة وبعدها فقد شكل انهيار الدولة اليمنية وتحولها إلى مجتمعات قبلية وعشائرية إضافة إلى سيطرة الفرس على الحكم في صنعاء؛ مناسبةَ فرصةٍ حقيقية للتغلغل السياسي السلالي المحاط برعاية فارسية تدميرية استهدفت القوى الوطنية اليمنية التي قاومت الفرس وحاولت استعادة الأدوار الحضارية لليمن السعيد.
نجح الاحتلال الفارسي الساساني في تدمير البنى الاجتماعية التقليدية لصالح التسرب السلالي بداية من المحاولة السلالية الأولى لإبراهيم ابن موسى المعروف بالجزار سنة 200 هجرية ومحاولته الإرهابية لتأسيس خلافة هاشمية علوية بمقومات وعقائد سلالية دموية انتهت بالفشل، لتعقبها محاولة الكاهن يحيى بن الحسين الرسي سنة 284 هجرية التي سعت إلى تأسيس نظام حكم سلالي في اليمن استمر ببث سمومه العقائدية المذهبية والسلالية بين اليمنيين منذ تأسيس المذهب الهادوي وحتى اليوم.
اتخذ السلاليون المذهبيون من الدين الإسلامي وتعاليمه -التي تم تزييفها وتأويلها لصالح مشاريعهم السلالية في الحكم والوجود القائمة على التمييز والتكليف الإلهي حسب ادعائهم- قاعدة لفرض وترسيخ نظريتهم السياسية والدينية التي خالفت روح ومقاصد الشريعه الإسلامية الغراء.
لقد حاول السلاليون عبر انضوائهم تحت راية الدين الجديد تنميق وتجديد السلوكيات الجاهلية وتلميعها تمهيدًا لإعادة انتاجها وزرعها بين المجتمع المسلم من جديد لذا كان الحديث عن الأفضلية والتمييز والتفاخر بالانساب مقدما على قيم المساوة والعدالة التي فرضها الإسلام.
كما شرّعوا لأنفسهم من خلال الدين الجديد إبان ظهور الدولة الإسلامية عبر الإدّعاء بأحقيتهم في الحكم والخلافة دون غيرهم وضعًا خاصًا، إضافة إلى البحث عن امتيازات مالية وفرض واجبات تؤخذ من أموال المسلمين ودولة الإسلام والخزينة العامة لتصرف في جيوبهم دون اي وجه حق الا بموجب الانتماء السلالي الذي حاربه الإسلام..
فتنة السلالية في الإسلام
كل الإشكاليات والشبهات التي ناقشت وتطرقت إلى كشف التوجه السلالي وفحوى ومقاصد السلالية من التأويل النفعي للإسلام وتوظيف الدين لصالح هذه الفئة النفعية الاستغلالية يضعنا الباحث والكاتب “أحمد بن علي البتيت” في كتابة الصادر حديثا عن مركز نشوان الحميري للدراسات والإعلام، والمعنون “فتنة السلالية في الإسلام وجنايتهم على المسلمين”، أمام قراءة نقدية دينية بحتة، متعرضًا لما اعتبره بديهيات تم التعامل معها من قبل الكاتب لإيضاح حجم التجني الذي حملته الادعاءات السُلالية عبر محاولة تأويل النصوص الدينية “قرآنًا وسنة”، لصالح مشروعها القائم على قواعد واهية من الامتيازات التي تدّعيها.
تفنيد نظرية التمييز
كانت مسألة تفنيد نظرية التمييز السلالية مهمة اضطلع فيها الكاتب من أول محاور كتابه هذا واستمر في تناول حججها (أي السلالية)، أو بالأصح شبهاتها عبر العديد من الأطروحات التي سعى إلى إيضاحها عبر ذات النصوص الدينية التي يتم تزييف معانيها.
ومن تلك الادعاءات، فند مسالة ادعاء النسب العلوي بقولة تعالى “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، وبحديث “كلكم لآدم وآدم من تراب”.
كما فند مسالة الاصطفاء العلوي الهاشمي كون “النبي صلوات الله وسلامه عليه” ينتمي إلى بني هاشم وفق مبدأ اعتيادي جرت عليه السنة الإلهية في اختيار الرسل وفق مبدأ الاختيار ذاته الذي لا يمنح لقبيلة أو أسرة أي فضل يمكنها من محاججة الأمم بشرف انتماء النبوة وتحميل الأمة تبعية ذلك، وجعلها أداة للمطالبة بالاستعلاء والحكم وفق هذا الاختيار، معتبرًا أن المعيار الحقيقي للإيمان يقوم على مسالة التقوى والعلم لا غير.
ويعتبر المؤلف أن معايير التفضيل وفق النسب والقبيلة غير صالحة للتفضيل كونها مخالفة للعقل والمنطق وهي بذلك ضد الشرع أيضا، وما قيل من ادعاء تفضيل النسب الهاشمي يقال بمثله في قريش، كما أن ادعاء الأفضلية الهاشمية القرشية كون القرآن الكريم نزل بلغتهم يفتقد لمعايير الأفضلية وينافيها، كون العربية كانت ولا زالت لغة العرب أجمعهم وليس لغة قريش الخاصة.
هل بنو هاشم أفضل نسبًا؟
يتسائل الكاتب فيشير إلى كون بني هاشم يتنازعون الشرف مع غيرهم من القبائل القرشية وفق معطيات محددة ترتكز على أسس كان متعارفًا عليها وقتذاك كما أشار إليها قوله تعالى “قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم” صدق الله العظيم، ليأتي الرد الإلهي عليهم وفق قوله عز وجل “الله اعلم حيث يجعل رسالته”.
مفهوم الآل في القرآن
كما يشير الكاتب إلى المفهوم القرآني للآل والذي يأتي وفق معنى “الأهل”، ويشير الكاتب إلى اختلاف العلماء حول آل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقيل إنهم ذريته وأزواجه، كما قيل إنهم أتباعه وهذا هو المعنى المحكم وفق المنظور القرآني مما يجعل كل من أُشير إليهم بـ” آل محمد” هم جماعته وأتباعه وكل من صدق به من أمته.
الزكاة والخُمس
كما يشير الكاتب إلى شبهة منع الزكاة على بني هاشم موضحًا أن ليس في تحريم الزكاة عليهم أي ميزة تضعهم في مقام أعلى من غيرهم من المسلمين فقد تم منع الزكاة أيضا على الموالي، وحجية المنع تأتي من منطلق أنه لا يجوز لأحد أن يخرج زكاته لأسرته وأولاده وهذا يقتضي حقيقة تحريم النبي عليه السلام الزكاة عن أهل قرابته.
وتظل مسالة الخُمس من أهم المسائل التي تطرق إليها الباحث بالنقد والإيضاح، مبينا أنها حُجية تنطلق من حب السلطة لدى أدعياء السلالة كونها المحــرك الفعلي لـكل الصراعــات التــي تخوضهــا الســلالة الهاشـمية وأنصارهــا، فــإن حــب المال “الخمـس” هو الجنــاح الآخر لهــذا المحــرك!، موضحا أن مسألة الخمس تكون من أموال الكفار التي غنمها المسلمون وليس من ثروات المسلمين ودولتهم. وللإمام الشوكاني رحمه الله قولهُ الفصل حول ذلك في كتابه شرح الأزهار وقد أشار إليه الكاتب في هذه المسالة.
مسائل أخرى
كما أشار إلى مسائل عديدة حول تكافؤ النسب في الزواج، وأهلية الحكم وهل يقوم على مبدأ الشورى أم أنه خاص بالقرشية والهاشمية؟ مفندا ذلك بالعديد من الروايات الدينية والتاريخية، مشيرا إلى خطورة التفاهم بين المذهب الشافعي والتصوف الذي خدم نظرية الحكم القرشي الهاشمي في الكثير من تبويباته بهذا الخصوص.
وينتقل الكاتب في القسم الثاني من كتابه إلى “جناية السلالة الهاشمية على المسلمين” ليصف تلك الجناية بانها جناية متكاملة شملت أرواح المسلمين وأموالهم في حروبهم السلطوية إضافة إلى جنايتهم على أفكار المسلمين وعقائدهم مستعرضًا العديد من الفرق التي تفرّخت عن تلك الدعاوي الهاشمية ومنها الزيدية.
ويرى الكاتب “أحمد البتيت” أن ما لخصه في كتابه هذا ماهوا إلا “القليـل مـن كثيــر مــن فرقهــم وأفكارهـم وعقائدهـم، ولـو رجعت للمصـادر التاريخية لأذهلك هـول مـا تقـرأ وتـرى”.