#خالدة_النسيري .. نصوص خالدة على عتبات التجلي
معين برس – كتب: د. إبراهيم طلحة
كم تنتابك حالة الدهشة وأنت تتأمل نصوص الشاعرة خالدة النسيري في ديوانها “دندنة على أعقاب الرماد”، فتنتقل من فاتحة البكاء إلى أرشيف الدمع ثم يظلك سراب الغيم وأنت تتجول في شارع يلهو بصخرة منبر وتواصل هذيانك في لحظات خلق التيه دون ترقب للغيب صانعًا من دمك قمحًا ينعكس في مرايا السهد لحظات احتدام الشمس في رئة السواد فتهز بجذوع التراتيل لتلقي عليك باقي القصيد قبل الانهيار وقبل أن ينتشي الموت ويأخذ التراب ملامحه التي يشتعل فوقها البنفسج فتكون على مقربة من نتوءات الحب وزلاته واكتمالاته في طريق الانتماء إلى وطن تبوح له الفراشات بعتابها من كل نافذة.
التسلسل الوارد في هذه الإطلالة الأولية ليس عبثيًا، فقد اختارت الشاعرة عناوين قصائدها بعناية، وتوقفت عند كل طقس لتكتب بما يمليه عليها وما تمتلئ منه ساعة تعايشها مع أجوائه.
تكتب الشاعرة خالدة النسيري بأسلوب مزيج من الحر والعمودي، وتتعانق مفردات لغتها داخل كل نمط كما تتعانق مع مفردات النمط الآخر، في تكامل كتابي منطقي، تتناوب فيه الكلمات والمعاني ويفسّر بعضها بعضًا، ومن هنا كان شعر خالدة النسيري نصوصًا خالدة تجلّت فيها بكل ما لديها من مخزون ثقافي مضاف إلى حس وطني عالٍ، فتألقت لغةً وأسلوبًا، شكلاً ومضمونًا، مادّةً وموضوعًا، وجاءت نصوصها معبرة عن احتياجات المجتمع، أو احتياجات الوطن، ولو تشكلت في قالب ذاتي أحيانًا.
في “دندنة على أعقاب الرماد” نفضي إلى صدمات النص عبر تسلسل وتمرحل منطقيين حبكتهما الشاعرة فيما يشبه الحبكة الدرامية في الأعمال القصصية، ولكن عبر اختيار شخوص افتراضية لنصوصها فجمعت بين لغة الشعر ولغة النثر أو السرد إلى حد كبير.
ترسم خالدة النسيري وجوه قصائدها في صفحات الندى، وتهندس الألفاظ بما يليق بمعانيها، وهذه سمة قلما يهتم بها الشعراء، فإن اهتموا بها فقلما يتقنونها.
تبني خالدة النسيري الحروف على صدى الأسماء، وتبلغ بها سماوات الضياء، في مسار مرسوم بدقة، وعمل متعوب عليه بالفعل، ليستحق أن يتبوأ مكانًا عليًّا في رفوف المكتبتين اليمنية والعربية، فهنيئًا لها ولنا بهذا الإصدار.