تعوب جميلة الوطني .. كم يدا في اصابعك !
معين برس- كتب/ سامي الشاطبي:
من خلال اسطر رواية تعبه للروائية جميلة الوطني تتشكل صورة حية عن البحرين ذلك البلد الصغير مساحة، الكبير بارثه وتراثه الثقافي..
ترصد جميلة في روايتها تاريخ البحرين القريب تحديدا منذ منتصف ثلاثينيات القرن المنصرم ..من خلال وقائع اجتماعية تتماهى مع مخرجات ارض البحرين ..
شابة مع بدايات انطلاق البحرين الى حياة اخرى تموت او هكذا بدت بسبب عملية ولادة متعسرة ..يسود جو من الحزن في ارجاء الرواية ..رائحة الموت تحلق بين صفحاتها .. بشيء من الوصف الدقيق تضع الكاتبة القارئ امام لوحة لماضي البحرين الصحي “كانت البحرين في ذلك الزمن حتى النصف الثاني من الثلاثينيات، لا تتوافر فيها حتى أبسط الأمور الصحية؛ حيث إن النسوة يلدن في البيت بمساعدة القابلة، وفي كل منطقة سيدة تمتهن هذه المهنة، وتتقاضى أجرًا بسيطًا جدًا يكاد لا يذكر، أو تقوم بالمبيت مع المرأة التي ولدت؛ تعتني بها لفترة وجيزة. وكانت منطقة النُّعَيْم كباقي مناطق البحرين لا تتوافر على مستلزمات طبية مطلوبة”.
منطقة النعيم:
اذا في منطقة النعيم البحرينية ابتدات الرواية ومن خلال شخصيات نسائية تعبر عن روح البحرين تتولد احداث الرواية في تناغم وانسجام مع ميلاد البحرين
هل ماتت زمزم حقا..هل كانت فترة الثلاثينيات من تاريخ البحرين مؤشر لموت البلد ؟ لقد عادت الروح الى زمزم رغم الالم الولادة مشكلة بعودتها تلك عودة البحرين الى حياة جديدة كل الجدة !
وها قد نجت زمزم من موت محقق وانجبت “تعبه”..رضيعة ..سميت كلك لانها اتعبت والدتها عند والدتها ؟ فهل كان ميلاد البحرين الجديد يستحق تعبا كما التعب الذي بذلته زمزم ..؟
البرسيتيج:
ما بين اهة واهة ولدت تعبه وما بين بحر وسفينة تخلقت منقطة النعيم وما بينهم سكن البحارنة البحرين ..بنوا بيوتهم من ادوات تلك المرحلة.. سعف النخيل..حياة بسيطة بادوات بسيطة لم تكن لتعرف الكهرباء الا من خلال بعض ببيوت العاصمة المنامة.
لماذا ارتبط ذكر النور الكهرباء بميلاد تعبه..؟
40 يوما:
وانتهت فترة ال40 يوما وعادت زمزم الى الحركة والعمل ككل نساء البحرين ..العناية بطفلتها وببيتها ..مواجهة امراض الابناء بصبر الام.ولكن الظهور المفاجئ للامراض الغريبة كاد ان يسقطها ارضا
“مرض غريب لا يعرف له تشخيص في تلك الفترة من الزمن. لوحظ بعض الديدان البيضاء تخرج من جوف أنفها، وبعضه الآخر قد نخر عظمة الأنف، وكان بعضها يسري على فراشها! عانت تَعْبَه كثيرًا، وكادت الرضيعة أن تموت” تموت بعيدا عن اباها الذي لم يكن يتواجد سوى مرتين في السنة لعمله في مجال الغوص واستخراج اللؤلؤ.
مرض غريب.. ديدان بيضاء.. هل كانت الكاتبة تشير الى الرجل الابيض الذي شرع في البحث عن النفط في البحرين كما كل مناطق الساحل المتصالح حاملا معه مرضا غريبا ؟ الاثر الذي تركه المرض على انفها وفقدها لاسنانها هل يشير الى الاثار السلبية للنفط !
وتسرد في تقاطعات الطرائق التي كانت متبعة في العلاج ..وهي طرائق غير فاعلة ..
9 سنوات:
لم تغادر جميلة عادات بلدها وتقاليده وان كانت قد ركزت على الجوانب السلبية ..كان خيارا صعبا على تعبه ان تعيش سنوات من عمرها وهي خارج سياق الطفولة بتشوه وفقدان للاسنان ..وزاد تزوجها في سن التاسعة من صعوبة اوضاعها ..
وتسرد الكاتبة الزواج وافراحه في البحرين ..تسرده بلغة بسيطة دون مواربة ..تسرده بروح الكاتب الذي لم يعيش ذلك الزمن اثناء كتابة الرواية وحسب بل مازال حتى اللحظة يعيشه !
وبكثير من الالم تتابع الكاتبة سرد قصة (تعوب) اسم دلع لتعبه ..من حياة زوجية ضاجة بالاسى الى احداث ومواقف ..كثير منها لا يتساير مع تاريخ البحرين الحديث واخص بالذكر تاريخها الاقتصادي لكنه يتناغم مع تاريخها الثقافي.
لقد “عاشت تَعْبَه تلك المرأة الأرملة دون هدف في الحياة” عاشت بين المرار ..بين موت زوجها الاول وزواجها بالاخر ..حياة مترعة بالحنين ..قاسية ..لكن اللؤلؤ لم يخرج بعد من البحر ..!
هل كان ذلك الشاب الذي صمم على الزواج بها رغم كل ما فيها هو اللؤلؤ؟
1954م:
وعاشت مع زوجها الثاني اياما ربيعية لكن تداخل الاحداث السياسية يعيد حياتها الى نقطة الصفر حيث القسوة والالم ..
لقد شهدت البحرين في منتصف الخمسينيات صراعا بين السنة والشيعة في البحرين ..ولقد ترك هذا الصراع اثاره الكارثية على البحارنة ..
بين البينين:
ما بين الم الاجهاض وصعوبات التربية ..تكبر تعبه ..تكبر.. صحيح انها عاشت بلا هدف في الحياة ..لكن ثمة هدف خفي لم تكتشفه حتى الكاتبة نفسها برز بقوة في اخر صفحات الرواية ..
إن العيونَ قريحاتٌ بما نزفت
فيما القلوبُ بجمال تَعْبَه لم تتقرح!.
اخر الكلام أوله:
من خلال تعبه لخصت الكاتبة جميلة قصة البحرين ..لخصت حكاية بلد يقبع وحيدا هناك حوله البحر ..لا يبدو بلدا غامضا انه مثل تعبه ..عانى وواجه الصعاب من اجل ان يصير بلدا امنا ومستقرا ..
لتنم روح تعبه بسلام ..