عاصمة الروح (المدينة المسوّرة)
معين برس- كتبت/ خديجة خالد :
كل الذين زاروا صنعاء ,كل الذين رأوها أول وهلة ، كل الذين جاؤوا وذهبوا , أيقظت صنعاء في جوانحهم هواجس الشعر وعبقرية التماهي الكلي مع تفاصيل المكان.
لأن الشمس ترتشف القهوة الصنعانية في بواكير الصباح ،ولأن صنعاء – كما رآها شاعرها الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح – إمرأةٌ هبطت في ثياب الندى , كان لابد من صنعاء وإن طال السفر , ولابد من أن تكون هذه المدينة التي ابتدأ التاريخ شهقته الأولى على إحدى نوافذها , أن تكون مكاناً استثنائياً ومختلفاً ,
مدينة مسوَّرةٌ بالطين الخالد والجمال المتجدد .., هي واحدة من أهم مدن التراث العالمي ومحميات التاريخ , وهي وحدها من تترابط بيوتها وتتناسق تفاصيلها المعمارية , في فن بديع , يجعل من صنعاء لوحة نادرة وقصيدة شعرية , تطعِّمها زخارف ونقوش جصية وحجرية وطينية , بألق متقن ، لايوجد في العالم سوى نسخة واحدة منه.
أننا نفخر بأرض تكتحل عينٌ تحبها كل ما تنظر إليها أرض التاريخ , أرض , سام بن نوح. أنها أيقونة جمال المدن الضاربة في عمق التاريخ , هي عاصمة الروح ,و إمرأةٌ هبطت في ثياب الندى ،كما أسماها وصورها شاعر اليمن عبدالعزيز المقالح , حيثُ يقول :
كانت امرأة
هبطتْ من ثياب الندى
هطلت
ثم صارت قصيدة
هي عاصمةُ الروح
أبوابها سبعةٌ
– والفراديس أبوابها سبعةٌ
كلُّ بابٍ يحقق أمنيةً للغريب
ومن أيّ بابٍ دخلتَ
سلامٌ عليك
سلامٌ على بلدةٍ
طيّبٌ ماؤها طيبٌ
في الشتاءات صحوٌ أليفُ
صنعاء عاصمة الروح
صنعاء.. أغنية وألحان يعزفها على قيثارة روحه , الشاعر مفتون حتى الثمالة بفاتنته التي تسكن أعماق روحه !.
وهي صنعاء عاصمة الروح .. تلك التي في أعماقها كنز مخبوء للحلم الماضي , وللحلم الآتي !!.
هي تلك الأسطورة وتلك الحضارة , تخرج من غسق الوقت سيدة في اكتمال الأنوثة!.
وتلك صنعاء الطالعة من غناء البنفسج لتحملها مواويل شاعر متيم حتى النهاية , يصوغ لصفاء عقد من لآلئ الكلمات , وجواهر المعاني , ويضعها قصائد على صدر الزمن !.
إنها عالمٌ تسكنه الأبدية, ذلك العالم الذي يتجلى عند مستوى الإدراك الباطني الذي يتشاطره الناس على مر الأجيال وفي مختلف الأصقاع !.
إنّها “الروح السامية”التي ترسي لقاعدة وصل ونقطة التقاء بين الأجيال، وتعكس حقيقة أن اللذة تنقل المتأملين إلى حالة من الشعور الديني المشترك, حالة تبتهج فيها روح الجميع بالجمال اللامحدود للعالم المحيط, قبل أن تتماهى في ينبوع جماعي من الإعجاب الروحاني !
إنها صنعاء عاصمة الروح..
مدينة صنعاء العتيقة صمدت صنعاء قروناً طويلة في وجه الحروب والحصار والكوارث, وبقيت معلماً حياً وشاهداً على حضارة عربية إسلامية أصيلة ذات مستوى فني رفيع مزج بين الفن والجمال المعماري مستجيبة في الوقت نفسه لحاجات سكانها المادية والروحية,ومازالت صامدة لم يستطع أي عدو كسر شكوتها ; بل. أزدادت صلابة وقوة رغم الدمار الذي لحق بها, جراء القصف المتواصل منذو سبع سنوات على مبانيها وجامعاتها ومدارسها, قصف معظمه ليس له أي هدف عسكري سوى الأنتقام من عاصمة التاريخ محاولة النيل من مكانتها وعظمتها والعبث بأهلها …