شعر | صرخة إلى النائمين “محمد محمود الزبيري”
معين برس: شعر- أبو الأحرار محمد محمود الزبيري
ناشدتُكِ الإحساسَ يا أقلامُ
أتُزلزلُ الدنيا ونحن نيامُ
قم يا يراعُ إلى بلادِكَ نادِها
إن كان عندك للشعوب كلامُ
فلطالما أشعلتَ شعرَكَ حولَها
ومن القوافي شُعلةٌ وضرامُ
لما أهبتَ بها تطارد نومها
ضحكتْ عليك بجفنها الأحلامُ
وصرختَ في أسماعها فتحركت
لكن كما يتحرك النوّامُ
تُخشى سيوفُ الظلم وهي كليلةٌ
وتُقدس الأصنامُ وهي حطامُ
وتذل أمتنا لفردٍ واحدٍ
لا تُستقاد لمثله الأنعامُ
نسدي له أموالنا ونفوسنا
ويرى بأنا خائنون لئامُ
نبني له عرشاً يسود فيبتني
سجناً نُهانُ بظلّهِ ونُضامُ
تحنو الرؤوس له خشوعاً ظلّعاً
وتنوءُ من أصفاده الأقدامُ
كم سبّحته ألسنٌ فتجرعت
منه مذاقَ الموت وهو زؤامُ
كم من أبٍ واسى الإمامَ بروحهِ
ماتتْ جياعاً بعده الأيتامُ
يمتصُّ ثروةَ شعبهِ ويميتهُ
جوعاً، ليسمن (آلهُ) الأعلامُ
طعناتُهُ قدسيةٌ نزلت بها الـ
بركاتُ والآياتُ والأحكامُ!
عمَلُ الورى في رأيه كفرٌ وما
يأتيه فهو شريعةٌ ونظامُ!
أبناءُ قحطان عبيدٌ بعد ما
عبدتهم الزعماءُ والحكامُ
كانت سيوفُهمُ تؤدّبُ كل جبـّ
ـارٍ بغير السيف ليس يقامُ
كانوا الأباةَ وكانت الدنيا لهم
والملكُ والراياتُ والأعلامُ
نزلوا بيثربَ والعراقِ فشيدوا
مُلكاً كبيرَ الشأنِ ليس يُرامُ
وهمُ الأُلى اقتحموا على أسبانيا
أسوارَها فتحكموا وأقاموا
وهمُ بمعترك الحروبِ صوارمٌ
وهمُ لبنيان العروش دعامُ
كانوا بأعصاب العروبة ثورةً
تُمحى الملوكُ بها وتُرمى الهامُ
وهمُ الأُلى البانون عرشَ أُمَيّةٍ
نهضَ الوليدُ بهم وعزَّ هشامُ
غضبوا على مروانَ فانقلبت به الـ
دنيا وثارت ضده الأيامُ
كانت سيوفُهم تضيءُ فتمنح الـ
تاريخ أفقاً ليس فيه ظلامُ
كانوا زماماً للخلافةِ، مُزِّقتْ
أوصالُه فتمزق الإسلامُ
قحطانُ أصلُ العُربِ، منذ تهاونوا
بحياتها، عاشوا وهم أيتامُ
لهمُ الجبالُ الراسياتُ وأنفُسٌ
مثل الجبالِ الراسياتِ عظامُ
أتراهمو صنعوا الذُّرى، أم أنّها
صنعتهمُ، أم أنّهم أتوامُ
وُلدوا عمالقةً محنطةً كما
ولدت فراعنة لها الأهرامُ
قَدِموا من التاريخ في جبهاتهم
من آل حِمْيرَ غُرةٌ ووسامُ
يتساءلون أحمْيرٌ فوق الورى
كالأمس، أم تلك الرؤى أوهامُ؟
ابنَ (السعيدة) إن فيها جنةً
خضرا، نماها الدهر وهو غلامُ
أين القصورُ الشمُّ؟ أين بُناتُها الـ
أقيالُ أين ملوكُها الأعلامُ
أين البحار من السدود يُرى لها
بين الشواهق زخرةٌ وزحامُ
أين السلالةُ من مَعِينَ وحمْيرٍ
هل أيقظوا الدنيا لهم، أم ناموا؟
هل سابقوا الأقطارَ في وثباتها
هل حلّقوا حولَ النجوم وحاموا؟
ماذا دهى قحطان؟ في لحظاتهم
بؤسٌ، وفي كلماتهم آلامُ
جهلٌ وأمراضٌ وظلمٌ فادحٌ
ومخافةٌ، ومجاعةٌ، وإمامُ
والناس بين مكبّلٍ في رِجلهِ
قيدٌ، وفي فمهِ البليغِ لِجامُ
أو خائفٍ لم يدرِ ما ينتابُهُ
منهم، أسِجْنُ الدهرِ أم إعدامُ
والاجتماعُ جريمةٌ أزليةٌ
والعلمُ إثمٌ والكلامُ حرامُ
والمرءُ يهربُ من أبيهِ وأمّهِ
وكأنَّ وصلَهما لهُ إجرامُ
والجيشُ يحتلُّ البلادَ وما لَهُ
في غيرِ أكواخِ الضعيفِ مقامُ
يسطو وينهبُ ما يشاءُ كأنما
هو للخليفةِ معوَلٌ هدّامُ
والشعب في ظل “السيوف”* ممزقُ الـ
أوصالِ مضطهدُ الجنابِ يضامُ
وعليهِ إمّا أن يغادرَ أرضَهُ
هرباً، وإلا فالحياةُ حِمامُ
نثروا بأنحاءِ البلادِ ودمّروا
عمرانَها فكأنّهم ألغامُ
أكلوا لُبابَ الأرضِ واختصوا بها
وذوو الخصاصةِ واقفون صِيامُ
وكأنّهمْ هم أوجدوا الدنيا وفي
أيديهمُ تتحركُ الأجرامُ
هبْ أنّهمْ خلقوا العبادَ فهل لمن
خلقوه عطفٌ عندهم وذِمامُ
ما كان ضرّهمُ وهم من هاشمٍ
لو أنّهم مثلَ الجدودِ كرامُ
لكنها الأخلاقُ أرزاقٌ بها
يجري القضاءُ وتُقْدرُ الأقسامُ
ياقومُ هبوا للكفاح وناضلوا
إنّ المنامَ عن الذمامِ حرامُ
تستسلمون إلى قُساةٍ ما لهم
خُلُقٌ ولا شرعٌ ولا أحكامُ
لن يبرح الطغيانُ ذئباً ضارياً
مادام يعرفُ أنكم أغنامُ
فتكلموا كيما يُصدِّقَ أنكم
بشرٌ، ويشعرَ أنهُ ظَلّامُ
وتحركوا كي لا يظنَّ بأنكم
موتى، ويحسبَ أنكم أصنامُ
طار الورى متسابقين وما لَكم
في السَّبْقِ أجنحةٌ ولا أَقدامُ
إن لم تطيروا في السماء فكيف لم
تمشوا، وتمشي الشاءُ والأنعامُ
ومذبذبين تَلَوُّناً وتردُّداً
لعنتهمُ الحسناتُ والآثامُ
قلنا: ارفعوا الأسواطَ عن أجسادكم
قالوا: لنا لَوْمُ الإمامِ أثامُ
تالله ما بهم الإمامُ وإنما
ولعوا بسوطِ المستبدِّ وهاموا
باعوا الضمائرَ للمهانةِ مثلما
تبتاعُ للحِملِ الثقيلِ سوامُ
وإذا ثوَت بين الضلوعِ بهائمٌ
قَوِيَتْ على حَمْل العصا الأجسامُ
يتطاولون إلى شؤون ما لهم
عِلْمٌ بمعناها ولا إلمامُ
لا يحسبون الدينَ إلا أنهُ
عند الأميرِ دراهمٌ وطعامُ
كتبوا وما هذا الذي بمقالهم
إلا وباء في النُّهى وسقامُ
ساموا الصحائفَ أن تنوءَ بجيفةٍ
نفحت فظنوا أنها إلهامُ
يتشدقون فتسخرُ الفصحى بهم
ويحرّرون فتضحكُ الأقلامُ
تالله ما عزَّ امرؤٌ ودعاتُهُ
نفرٌ كأشباحِ الظلامِ طغامُ
يعفون عن طغيانِهِ وبلادُهم
تلحى على أنّاتِها وتُلامُ!
ويقدسون خناجراً فتحت لها
جرحاً بقلب الشعب لا يلتامُ
سيُحاسَبون فقد دنا لحسابهم
يومٌ يسُوءُ الخائنين ظلامُ
وسيندمُ المتزلفون ندامةَ الـ
ـوثنيِّ يومَ تُحَطّمُ الأصنامُ
- إشارة الى “سيوف الإسلام” وهو الوصف الذي كان يطلق على أنجال الإمام الطاغية.
- القصيدة قيلت في منتصف أربعينيات القرن الماضي وكان لها تأثير كبير في إيقاظ الكثير من النائمين، وتعتبر دليلا منهجيا لدراسة أساليب الإمامة ونفسيات الأئمة، كما تعد نموذجا في الأدب التثويري الرفيع.