تقنين #الكنائس خيار عملي ضد استهداف المسيحيين في #مصر
معين برس : القاهرة – شيرين الديداموني
تواجه الحكومة المصرية اتهامات بعجزها عن تقنين أوضاع دور العبادة المسيحية، بسبب الشروط المعقدة التي وضعتها أمام الكنائس لتتحقق من قانونيتها. ويرى مراقبون أن الشروط الأمنية الصارمة تعمل كوسيلة حكومية للتحكّم بالكنيسة، بينما يرى آخرون أنها قيود لازمة لوقف استهداف المسيحيين وتحقيق شكل من المساواة مع دور العبادة الإسلامية.
المتابعون للملف القبطي يرون أن تواتر الهجمات الإرهابية ضد المسيحيين وكنائسهم منذ خمسة أعوام، بات يشكل صداعا للحكومة التي تحاول فرض سيطرة كاملة عبر سلسلة إجراءات أمنية مشددة باعتبار ما يحدث نتيجة لثغرات أمنية خاصة في جنوب مصر.
وأمام توظيف الجماعات المتشددة لعامل الطائفية لإثارة الفتن والتوترات داخل المجتمع المصري، أقرت الحكومة تقنين أوضاع الكنائس وأماكن العبادة المسيحية وتنظيمها في خطوة تأتي لمواجهة استهداف المسيحيين.
ووافقت اللجنة المسؤولة عن تقنين دور العبادة المسيحية، في اجتماعها الأسبوع الماضي على تقنين 168 كنيسة ومبنى بعد توفيق أوضاعهم، ليصل بذلك عدد الكنائس والمباني الكنسية التي تمت الموافقة على تقنينها إلى 508 منذ بدء اللجنة في سبتمبر من العام الماضي فحص طلبات التقنين المقدمة من مسؤولي الكنائس.
تعد تلك الدفعة التي تم الإعلان عنها الأكبر عددا، لكن الأهم ما صاحبها من توجيهات مصطفى مدبولي رئيس الحكومة للمختصين بمتابعة تنفيذ القرارات وإلزامهم موافاته بالنتائج.
وأشار هؤلاء إلى أن حزمة الإجراءات لا يمكن فصلها عن التقرير الصادر عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، تحت عنوان “مع إيقاف التنفيذ.. عام على لجنة توفيق أوضاع الكنائس”.
وانتقد التقرير تباطؤ اللجنة المسؤولة عن تقنين دور العبادة المسيحية في اتخاذ القرارات، معتبرا أن ذلك تسبب في تدهور الوضع العام لحق ممارسة الشعائر الدينية للأقباط، وفي تصاعد أعمال العنف ضدهم.
تقدم محمد فؤاد عضو مجلس النواب، بطلب إحاطة إلى البرلمان، بسبب طابع السرية الذي يطغى على عمل لجنة تقنين الكنائس، وطالب بالإطلاع على دور ومنهجية ونتائج عملها في ضوء حالات التوتر الطائفي التي شهدتها البلاد بعد إصدار قانون الكنائس وانعكاسات قصور التطبيق الفعلي له على الأقباط.
انتهز مفكرون أقباط الفرصة لتجديد مطالبهم بإعادة النظر في قانون بناء الكنائس، واعتبروا أن تصاعد الأحداث في بعض المحافظات المصرية، سببه بعض مواده “المفخخة”.
وقالوا إن الحد من التوتر الطائفي ونشر روح التسامح بين المسلمين والمسيحيين لن يتحققا إلا بعد استبدال قانون الكنائس بتشريع موحد ينظم بناء دور العبادة بلا تمييز، ويكفل الحق الدستوري في ممارسة الشعائر الدينية للمواطنين.
استند البعض إلى تصريح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في منتدى شباب العالم مؤخرا، بأن حرية العقيدة من حقوق المواطن، والحكومة عازمة على بناء دور العبادة لكل الأديان، وطالبوا بإسناد ملف الكنائس إلى إشراف مباشر من رئاسة الجمهورية، وإخراجه من حيازة الأجهزة الأمنية، بعد الفشل في إدارته.
أصبح بناء كنيسة أو وجودها أو احتمال تحول أحد المباني إلى كنيسة، سببا في أزمات بين مسلمين وأقباط، أخذت بعدا طائفيا. يشعر البعض من الأهالي في محافظات جنوب مصر بتحايل الأقباط عليهم، بسبب قيامهم بتخصيص مبنى أو منزل لإقامة شعائرهم، ومع مرور الوقت يتحول إلى كنيسة لفرض أمر واقع.
فهناك ما يقرب من خمسة آلاف كنيسة ومبنى خدمي غير مرخصة في القرى والنجوع؛ منها ثلاثة آلاف تمتلكها الطائفة الأرثوذكسية، الأكثر عددا في مصر.
لذلك تم إقرار قانون بناء الكنائس لتنظيم عملية البناء، بعد التوافق عليه بين الطوائف المسيحية الثلاث الرئيسية في مصر، وهي: الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليك، وشكلت الحكومة على ضوء القانون لجنة لتقنين أوضاع الكنائس غير المرخصة، للحد من عوامل التوتر الديني.
وأدى تباطؤ اللجنة إلى نتيجة عكسية، فقد تقدمت الكنائس بطلبات لتوفيق أوضاع نحو 3730 مبنى كنسيا وخدميا قائما بالفعل لكن بدون ترخيص، وفي الفترة ما بين 28 سبتمبر 2017 وحتى نهاية نوفمبر الماضي لم يتم الموافقة إلا على 508 كنيسة ومبنى، ما أثار حفيظة البعض. وبهذا المعدل سوف تحتاج اللجنة ست سنوات لبحث الطلبات المقدمة من باقي الكنائس.
يقول كمال زاخر منسق التيار العلماني، لـ”العرب”، إن القانون حدّد مدة في إرسال الكنائس غير المرخصة لطلبات توفيق أوضاعها إلى اللجنة المختصة انتهت في سبتمبر من العام الماضي دون إلزامها بمدة زمنية لإنهاء الملف والبت في الطلبات والرد عليها بالتوفيق وفقاً للضوابط القانونية الموضوعة.
وأشار زاخر إلى ارتباط تنفيذ قرارات التقنين باستكمال اشتراطات الحماية المدنية للحصول على الترخيص، وتساءل باستنكار كيف تستوي تلك الشروط بين كنائس المدينة وكنائس القرية؟
اتفق مسؤول عن إحدى الكنائس التي تم اتخاذ قرار تقنينها مع هذا الرأي، وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، بأن شروط اللجنة لإعطاء الترخيص بالتقنين بها “تعسف” ضد الكنائس. شرح أنهم تفاءلوا بقرار لرئيس الوزراء المصري في أكتوبر الماضي بالموافقة على تقنين أوضاع 120 كنيسة ومبنى غير مرخص، وتوقعوا تراجع المتطرفين عن مهاجمة الكنائس، لأنهم سيرون في القرار جدية الحكومة واحترامها للحريات وانحيازها لتفعيل القانون وحقوق الإنسان في ممارسة الشعائر الدينية
ويتابع المسؤول الكنسي “فوجئنا بأن تنفيذ القرار مشروط باستيفاء شروط الحماية المدنية الخاصة بسلامة المبنى لحماية المصلين، وهو ما صدمنا لأن ذلك يحتاج لأموال طائلة تفوق إمكانياتنا، وإذا كانت ضرورية فلماذا لا تطبق على مؤسسات أخرى مجاورة للكنيسة”؟ يشير صموئيل تادروس، ناشط أرثوذكسي وعضو بحركة ماسبيرو القبطية، إلى أن المشاحنات في صعيد مصر تطفو كل فترة نتيجة لانتشار الجهل والتعصب، وتصاعدت منذ تشكيل لجنة توفيق أوضاع الكنائس بسبب تباطؤها في إصدار القرارات.
ويؤكد لـ”العرب” أن اللجنة تتشكل من 10 جهات، بعضها غير مختصّة، وهو ما حال دون انعقادها باستمرار وأخرجها عن الهدف الذي أنشئت من أجله لتسهيل الإجراءات واقتراح الحلول اللازمة لتوفيق أوضاع الكنائس، وأدى ذلك إلى إغلاق البعض منها لدواع أمنية ناتجة عن احتجاجات مسلمين رافضين توفيق أوضاع كنيسة بعينها أو مبنى خدمي.
وهناك انطباع عند الأقباط المتضررين بأن اتخاذ اللجنة قرارات لتقنين الأوضاع، يتوقف على العلاقة بين الكنيسة والنظام.
وتحدث بعضهم، لـ”العرب”، عن مخاوفهم من أن يكون التوقيت الزمني لإعلان توفيق أوضاع البعض من الكنائس بمثابة “رشوة سياسية”، والتعامل معه على أنه ملف أمني، ما عزز هذا التخوف الفترات التي تمت فيها الموافقة على توفيق أوضاع بعض دور العبادة، فالدفعة الأولى كانت في فبراير قبل انتخابات الرئاسة في مارس الماضي، وتم توفيق أوضاع 53 كنيسة ومبنى غير مرخص لحث الأقباط للمشاركة بالانتخابات، وجاءت الثانية في مايو بإجمالي 167 كنيسة ومبنى وبدا كأنها مكافأة ما بعد الانتخابات.
واعترض مصدر كنسي على الانتقادات التي وجهت للجنة توفيق أوضاع الكنائس، ووصفها بعدم الحيادية وضيق الأفق لأنها لا تنظر للوضع في إطاره العام.
وأوضح، لـ”العرب”، أنّ جزءا من التأخير تتحمله الكنائس التي قُننت أوضاعها في وقت سابق لعدم استجابتها لاشتراطات الحماية المدنية وهي مهمة لضمان سلامة المصلين والمترددين على الكنيسة.
ولفت المصدر الكنسي إلى أن المطالبة بسرعة اتخاذ القرار ليست في صالح الكنائس، وربما تتسبب في رفض اللجنة منح التراخيص لكنائس كثيرة في صعيد مصر، لأن معظمها لا يحمل سندات ملكية وتم بناؤها على أراض زراعية أو أملاك للدولة.
في النهاية تشكل قرارات توفيق الأوضاع خطوة مهمة وحيوية، لكنها ليست كافية لتحقيق مناخ آمن للتعايش السلمي بين الأقباط والمسلمين، خصوصًا في القرى والمحافظات ذات النزعات الطائفية، فذلك يحتاج إلى تجفيف منابع التطرف وتفعيل القانون وتطبيقه وإعمال مبدأ المواطنة، والأهم تغيير ثقافة المجتمع لقبول الآخر.