نهى الصراف | عطلة للأصدقاء
نهى الصراف | عطلة للأصدقاء
#معين_برس | بقلم : نهى الصراف *
“انتهى زمن العطلات الصاخبة التي يتصرف فيها الشباب بشكل سيء، يرتكبون الحماقات ويفرطون في الشراب.. أصبح كل هذا من الماضي”. هكذا يصف الأمر صاحب علامة تجارية معروفة لتنظيم الرحلات السياحية في إحدى المدن البريطانية.
لعقود طويلة، كان الشباب يتدفقون في أيام العطلات على وجهات سياحية مختلفة محلية أو عالمية، بقصد قضاء وقت مبهج نشداناً للهدوء والاسترخاء تحت أشعة الشمس، والتمتع بشعور الكسل بعيداً عن مسؤوليات العمل أو الدراسة وهذا ما كان يحدث في الغالب في معظم دول العالم، لمن يتمتع بدخل معقول ويقوم بإجازة واحدة على الأقل كل عام. الآن، تغيرت هذه الطقوس وتبدل مزاج العطلات فأصبحت الوجهات السياحية المفضلة لأغراض أخرى بعيدة عن الاسترخاء؛ صار الشباب ينتظمون ضمن أفواج سياحية أو على شكل مجموعات أو أفراد لزيارة معالم شهيرة مثل القصور التاريخية والمتاحف والكنائس والمعابد القديمة ومعارض الفن، حيث تحولت أمزجتهم إلى وجهات ثقافية. بمعنى آخر أصبحت العطلات أكثر أناقة ورقيا لسبب مهم من وجهة نظرهم، فقط لتتم مشاركتها كخلفية للصور التي يرسلها السياح إلى أصدقائهم من خلال تطبيقات الواتساب، والسناب شات وحتى الفيسبوك!
فهل يشهد عصرنا التقني المتقدم هذا، موت رومانسية العطلات الكلاسيكية حيث البحث عن أفضل أماكن الاستجمام والهدوء والتمتع بأكبر قسط من الراحة لشحن الأجساد والأرواح بطاقة متجددة، ثم العودة لمواصلة مسؤوليات الحياة والعمل بنشاط وحيوية؟ أم أن مفهوم الرومانسية غير اتجاهه لينتظم في سيره بخط واحد مع واقعية وإيقاع الحياة المتسارع، الصاخب على الطريقة التي يفضلها هؤلاء الشباب، طريقة تتناسب مع مفاهيم عصرهم وأدواته؟
بعد انتشار استخدام تطبيقات التقنية المتعددة، تغير الحافز الأساسي لقضاء العطلة فأصبحت الرغبة في إيصال المعلومة والوثيقة والصورة إلى أصدقاء، وهميين ربما، هي الهاجس الذي يسيطر على الناس بصورة ملحّة؛ صرنا نطالع صوراً كثيرة لأماكن ذات قيمة تاريخية وفنية ودينية في مواقع التواصل الاجتماعي كخلفية لأناس يؤكدون أنهم يقضون عطلتهم بين هذه الأحجار باستمتاع كبير، والدليل هذا السيل الجارف من الصور بزوايا متعددة وأوقات مختلفة خلال اليوم الواحد للمباني ذاتها، شرط أن يشغل صاحب الصورة الحيز الأكبر في المساحة المستطيلة ولا بأس من شطيرة لحم مدخن وعبوة عصير (عالسريع)، أثناء التجوال لالتقاط الصور.. هذا الخيار الذي يضحي بعادة الذهاب إلى مطاعم متميزة يمكن أن تضيف تجربة سياحية ممتعة.
حتى الأماكن المهجورة التي تمعن في قدمها التاريخي صارت مزاراً لهؤلاء، الذين يقدمون لأهل السياحة دعاية مجانية ويدفعون بجمهور يبدو وكأنه غير مبال، إلى اقتحام التجربة بنفسه، ربما تخيب التجربة في أغلب الأحيان عندما يكتشف أن الصورة كانت باذخة بينما الحقيقة متواضعة جداً.
بالطبع، لا يخلو الأمر من بعض الفائدة، خاصة عندما يكون القائم بالعطلة متخصصا في العمارة أو دارسا للتاريخ أو حتى صحافيا يدفعه الفضول إلى تسليط الضوء على الأماكن ذات الجاذبية الخافتة والمخفية بالنسبة للجمهور.
الفرق بين أولئك وهؤلاء في الحبكة والعبرة؛ فالبعض يختصر الوقت والجهد على الآخرين ليوفر لهم معلومات عن أماكن معينة يفضلون زيارتها في أوقات عطلاتهم، بينما يكتفي البعض الآخر بلعب دور “الإكسسوار” المكمل لخلفية مبنى تاريخي لا يفقه في الماضي الذي كان يدور في داخله.. المهم عنده أن يقضّي عطلته نيابةً عن الأصدقاء.
* كاتبة من العراق