من مارتن لوثر إلى مالكوم إكس.. دماء مثقفين كانت السبب في تغيير مجتمعاتهم
معين برس : متابعات- نهاد زكي
يقول الفيلسوف الدنماركي سورين كيركجارد: «في اللحظة التي يقتله فيها الطاغية؛ ينتهي عُمر الديكتاتور ويبدأ عُمر الشهيد». والحقيقة أن التاريخ قد أثبت صحة تلك المقولة في أكثر من حدث، فكم من قتيل تسبب في حدوث ثورة؛ وكم من أنظمة انتهت بعد مقتل أحدهم ليكون هو القشَّة التي قصمت ظهر البعير! التاريخ حافلٌ بقصصِ دماء المثقفين، الذين كانت كلماتهم مشعلًا من نور لأوطانهم.
تقول سانشيتا سينها في كتابها «اغتيالات غيرت مجرى التاريخ»: إن ماضي البشرية مليء بالأمثلة لدولٍ وسلطات رعت عمليات قتل لأغراضٍ سياسية، أو بهدف الانتقام، وأخفت أثرها إخفاءً تامًا لعدم ترك دلائل أو إثباتات تكشف تورطها؛ وفي أفضل الحالات يتم وضع كبش فداء، وهو المنفذ المباشر لعملية الاغتيال؛ والذي في الأغلب ليس على دراية بمفاتيح المؤامرة، هو مجرد رجل قبض حفنة أموال من أجل إطلاق النار على الضحية أو طعنه.
*مالكوم إكس.. هل تواطأت الحكومة على قتله؟*
إن لم تكن على استعداد للموت في سبيلها؛ فلا تتحدث عن الحرية. *مالكوم إكس
في قاعة مؤتمرات بمدينة نيويورك، وقف مالكوم إكس أو الحاج «مالك الشباز» كما يحب أن يُنادى، وسط جمعٍ من الناس مقداره 400 فرد، يستعد لإلقاء خطبته الأسبوعية لمنظمة الوحدة الأمريكية– الأفريقية، وإذا برجلين من بين الجمع يقفان ويفتعلان مشاجرة أثناء حديثه. ينفض الحرس الشخصي من حوله في محاولة لاحتواء الشجار، قبل أن يتفاقم؛ دون أن يدروا أنها خطة تكتيكية، وما هي إلا لحظات ويعبئ صوت الرصاص المكان؛ ليسقط مالكوم إكس فاقدًا حياته بـ16 رصاصة في أنحاءٍ متفرقة من جسده.
اعتُبر إكس بعد اغتياله من القادة الرائدين في حركة الحقوق المدنية، ممن كان لهم صدى واسع في تغيير الوضع الاجتماعي للسود داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وتقنين المساواة بين جميع أفراد المجتمع الأمريكي، ولم يكن اغتيال مالكوم إكس حينها أمرًا مفاجئًا لكثيرٍ من الناس؛ إذ أُحرق قبل ذلك منزل عائلته، حيث كان يعيش مع زوجته وأولاده، قبل أسبوع واحد فقط من الحادثة. كان مالكوم قد تلقى تهديدات لا حصر لها منذ رحيله عن مؤسسة «أمة الإسلام»، قبل 11 شهرًا من اغتياله؛ إذ حاول أفراد الأمن التابعون للمنظمة مهاجمته في عدة مناسبات منذ أوائل عام 1964.
عقب اغتيال إكس، أعلنت وسائل الإعلام أن الحادثة كانت نتيجة للصراع السياسي القائم ما بين المناضل الأسود ومنظمة «أمة الإسلام» التي قادها في ذلك الوقت إليجا محمد؛ متجاهلين بذلك الدور المحتمل لـ«مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف بي آي)»، وإدارة شرطة نيويورك و«وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آي إيه)»؛ إذ قاموا بعمليات مراقبة سواء لمنظمة «أمة الإسلام»، أو المنظمتين التابعتين لمالكوم ذاته –مسجد الإسلام ومنظمة الوحدة الأمريكية الأفريقية– وكان مكتب التحقيقات الفيدرالي قد احتفظ بملفاتٍ مكثفة عن مالكوم إكس و«أمة الإسلام» على مدى سنوات.
لن يمنحك أحدًا الحرية ولا المساواة ولا العدل؛ يجب أن تحصل عليهم كالرجال. *مالكوم إكس
ولد مالكوم إكس عام 1925 في ولاية نبراسكا، لأم ربة منزل لها ثمانية أطفال، وأب هو إيرل ليتل، قس معمداني ومؤيد للقائد القومي الأسود ماركوس غارفي، وله نشاط في الحقوق المدنية، حتى أنه تلقى تهديدات بالقتل من منظمة «بلاك ليجيون»، مما أجبر العائلة على ترك منزلهم والتنقل مرتين قبل أن يتم مالكوم عامه الرابع، ووصل الأمر إلى إحراق منزلهم عام 1929.
وبعد عامين من تلك الحادثة تم العثور على جثة إيرل ممددة على الطريق، أما الأم فعانت من انهيار عصبي، وتم إرفاقها بإحدى المصحات العقلية، ووزع الأطفال على دور الأيتام والحضانة. كانت تلك هي الطفولة التي صنعت رجلًا بقدر مالكوم إكس ومواقفه.
لم تكن الفترات التالية لذلك في حياة المناضل سهلة؛ إذ سُجن 10 سنوات بتهمِ السطو؛ وكان معه صديقان بالقضية نفسها حكم عليهما بنصف المدة لأنهما من ذوي البشرة البيضاء. وفي تلك الفترة أدمن القراءة والتعلم، قائلًا: «التعليم هو جواز السفر للمستقبل»، ودعاه شقيقه ريجينالد للدخول في الدين الإسلامي والانضمام إلى منظمة «أمة الإسلام»، وكان مالكوم إكس مفتونًا بالتعاليم الإسلامية وبالتعاليم الأخرى المناهضة للتفرقة العنصرية والتمييز اللذين كانا مسيطرين على المجتمع الأمريكي حينذاك.
عقب خروج مالكوم إكس من سجنه عام 1952، بعد سبع سنوات -إذ تم تقليص المدة لحسن السلوك- غيّر لقبه «ليتل» والذي كان لقب والده من قبله؛ لأن به إشارة إلى العبودية، واتخذ بدلًا منه الرمز «X»، إشارةً لاسم قبيلته المفقود، وعُين مالكوم متحدثًا رسميًّا لـ«أمة الإسلام» ونائبًا لرئيسها إليجا، لما يتسم به من ذكاء وحنكة؛ إلا أن حركة «أمة الإسلام» لم تكن قائمة للمطالبة بالمساواة، بل اتخذت العنصرية في ثوبها المعاكس، وقامت على معاداة كل ما هو أبيض، ودعتهم بـ«شياطين الله على الأرض»، وطالبت بوطن منفصل لذوي البشرة السوداء.
كان إكس في البدء واقعًا تحت تأثير ما عاناه من اضطهادٍ وتمييز وعنصرية طوال حياته؛ ينادي بمبادئ منظمة «أمة الإسلام» نفسها، إلا أن قراءاته الواسعة، ومكتبته الضخمة التي شكلت وعيه، قادته في ما بعد للتخلي عن المنظمة وتأسيس حركة أخرى متزنة وغير متطرفة، وهي «منظمة الوحدة الأمريكية- الأفريقية»، ودعا إلى مناهضة حركة «أمة الإسلام» بعد أن كان عنصرًا نشطًا بها عمل على جذب الأعضاء إليها حتى وصل عددهم عام 1963 إلى 30 ألف فرد من أصل 500، حينها شعر مالكوم بالذنب تجاه الجماهير العريضة التي اقتادها إلى منظمة احتيالية مبنية على مجموعة من الأكاذيب.
الجدير بالذكر أن نشاط حركة «أمة الإسلام» في تلك الفترة أدى إلى جذب انتباه «إف بي آي» إليها؛ وتغلغل عملاء منهم إلى التنظيم وأخذوا في زرع كاميرات المراقبة والميكروفونات حول كل أعضائها البارزين، مما وضع كل أنشطة وتحركات إكس تحت المراقبة؛ حتى أن خطبه كاملة ما زالت حاضرة في الملفات الفيدرالية.
يقول مالكوم: «إن كان العنف جريمة داخل أمريكا، فهو جريمة خارجها؛ وإن كان الدفاع عن الأطفال والنساء والرجال السود عنفًا، فلماذا تستخدمنا الولايات المتحدة الأمريكية كأدوات عنف للدفاع عنها، من حقنا الدفاع عن شعبنا في هذه البلاد»، يبدو أن «مكتب التحقيقات الفيدرالي» كان قلقًا بخصوص أحاديث إكس عن الدفاع المسلح ضد التمييز والعنصرية، مما سيؤدي إلى حدوث أعمال عنف في الولايات المتحدة؛ وهو ما دفعهم للتعاون مع الأمن وشرطة نيويورك لتكثيف المراقبة عليه.
قبيل حادثة الاغتيال، تشير الملفات إلى أحد العناصر التابعين للأمن مُتخفيًا بين حرس مالكوم الخاص، قد قدم تقارير تفيد بإرهاصات اغتيال إكس، أتى ذلك عقب إحراق منزل العائلة، وعلى الرغم من أنه وفي اجتماعٍ سابق تم إثارة شجار مماثل لما حدث وقت الاغتيال، دعاه الشرطي المُتخفي بـ«فعل مثير للشك» وأبلغ به رؤساءه؛ إلا أنه وفي اليوم التالي عندما اندلع الشجار الوهمي نفسه؛ اندفع الشرطي بعيدًا عن المسرح حيث يتواجد مالكوم، متوجهًا ناحية المتشاجرين، مما أتاح الفرصة لإصابة المناضل الأسود بجروح قاتلة.
وردت بعدها عدة تقارير صحافية، تشير إلى أن هناك فردين آخرين سوى توماس هاجين –منفذ عملية الاغتيال– مشتبهًا بهما، احتجزهما أنصار مالكوم، إلا أن شرطة نيويورك قد نقلتهما بعيدًا عن مكان الواقعة، واختفيا تمامًا ولم يرد ذكرهما في القضية، كما ظهرت تقارير تفيد بأن جون نايس الأمين الوطني لأمريكا الشمالية التقى هاجين وأعضاء فريق الاغتيال في الليلة السابقة للحادثة.
*مارتن لوثر كينج.. المجد القادم من السماء*
كانت الستينات في الولايات المتحدة الأمريكية هي عقد الاغتيالات السياسية بلا منازع، ففيها اغتيل مالكوم إكس، والرئيس الأمريكي جون إف كينيدي، وانتشرت اغتيالات زعماء حركات التحرير والمنظمات الأفريقية الأمريكية، وكان من بينهم زعيم الحقوق المدنية الدكتور مارتن لوثر كينج، والذي كان اغتياله بمثابة الشرارة التي غيرت المجتمع الأمريكي كله، وساهمت في تعديل القوانين الخاصة بالتمييز العنصري، وما زال أثرها باقيًا حتى اليوم.
لا يعرف الإنسان سببًا لحياته؛ حتى يجد هدفًا يموت في سبيله. *مارتن لوثر كينج
في 4 أبريل (نيسان) من عام 1964، عندما دخل مارتن لوثر كينج إلى غرفته رقم 306 في موتيل لوريان؛ لم يكن يعلم أنها ليلته الأخيرة، وأن هذا الفندق الذي أحب قضاء وقته في ممفيس به؛ سيلفظ فيه النفس الأخير، ومن شرفة غرفته اخترقت رصاصة وريده الوداجي، ومزقت فكه، وتابعت طريقها نحو رقبته شاطرة نخاعه الشوكي.
كان كينج حينها أصغر رجل حصل على جائزة نوبل للسلام في العام نفسه، وهو زعيم لا يمكن تجاهل خطبه أو نسيانها، وقد أنهى للتو خطبته الأخيرة في معبد ماسون، قائلًا: «دعونا نرتقي الليلة، دعونا نقف بحزم لنجعل أمريكا ما يجب أن تكونه».
كانت خطبته هذا اليوم هي خطبة وداع، أكسبته شيئًا من وهج القدسية عند أنصاره؛ إذ قال لهم: «أود لو أعيش حياةً مديدة، إلا أنني لستُ قلقًا من ذلك الآن، وأريد أن أنفذ مشيئة الله، لستُ خائفًا من أحد؛ فقد لمحت عيناي المجد القادم من عند الإله».
في اليوم التالي لحادثة الاغتيال، تم توجيه الاتهام إلى رجل أبيض، هو جيمس إيرل البالغ من العمر 40 عامًا، قيل إن إيرل المعجب بهتلر، أراد أمريكا بيضاء متأثرًا بآراء هتلر العرقية. كما كان هناك بعض الشهود الذين زاملوا إيرل في السجن؛ إذ كان لصًّا يسطو على المنازل، قالوا إن إيرل كان ينطلق في موجة من الغضب ما إن يرى كينج على التلفاز ويصيح: «إن خرجت سأقتله».
تم القبض على إيرل بعد 65 يومًا من الواقعة، في مطار لندن، وقد وجدوا بصماته على البندقية التي استخدمت في الاغتيال، وفي مارس (آذار) 1969، اعترف باغتياله المناضل الحقوقي مارتن لوثر كينج، وحُكم عليه بالسجن لمدة 99 عامًا.
كان كل ذلك طبيعيًّا؛ حتى غيّر المتهم بالقتل أقواله؛ مُشيرًا إلى أن اعترافه كان بغرض تجنب الإعدام بالكرسي الكهربائي، لأن الاعتراف يخفف العقوبة، وكتب إلى القاضي للتراجع عن الاعتراف.
كانت القضية شبه مغلقة سواء بالنسبة إلى الحكومة الأمريكية أو القضاء، ولم يعيروا مكاتبات إيرل أي انتباه؛ إذ كان قبول المجتمع الدولي بأن مقتل كينج حادثة فردية عنصرية من رجل أبيض ثقلًا تمت إزاحته عن كاهلهم.
هناك أدلة كثيرة على وجود مؤامرة من الطراز الرفيع؛ إذ كانت المافيا، والوكالات الحكومية المحلية، والحكومة الفيدرالية متورطة في اغتيال زوجي؛ وتم إلقاء التهمة على جيمس إيرل كبش الفداء. *كوريتا كينج
صرحت كوريتا كينج أرملة مارتن لوثر كينج في مؤتمرٍ صحافي عام 1999، بأن هناك أجهزة حكومية إضافةً إلى مكتب التحقيقات الفيدرالية متواطئون في مقتل زوجها؛ كما كانت زيارة ديكستر أحد أبناء كينج للمتهم بقتل أبيه، جيمس إيرل، دافعًا قويًا له، ليصرح بعدها: «شعرت أنه برئ».
في الحقيقة كان هناك صراعًا بين المناضل لوثر كينج و«مكتب التحقيقات الفيدرالي»؛ حتى أن مدير المكتب حينذاك إدجار هوفر قد صرح قائلًا عن كينج: «إنه الكذاب الأكثر شهرة في البلاد»؛ إذ شن الفيدراليون حربًا على كينج لتشويه سمعته قبيل موته، كما قاموا بالتجسس على مكالماته الهاتفية.
أما عن قصة إيرل، والذي مات في سجنه، فيقول إنه بعد هروبه من السجن المرة الأولى قد تعرف إلى رجل غامض يدعى راؤول، هو من اشترى البندقية، وحجز غرفة في الفندق المقابل لفندق لوريان، وأنه ضحية عملية احتيال معقدة، والحقيقة أن إيرل لم ترد له أية بصمات في حمام الفندق الذي أشيع أن عملية إطلاق النار قد تمت منه؛ كما لم يتواجد له على البندقية سوى بصمتين فقط، وأشاع ويليام بيبر محامي إيرل الأخير أن الحكومة الأمريكية استأجرت رجلًا من المافيا يدعى راؤول، لتصفية كينج، ووضع إيرل كبش فداء.
*المهاتما غاندي.. قُتل على يد أحد محبيه*
كتب مراسل إحدى الصحف عقب اغتيال المهاتما غاندي في يناير (كانون الثاني) 1948: «بموته بكت الإنسانية»، كان في طريقه إلى جلسة صلاة، دخل وسط الحشود متكئًا على أكتاف ابنة اخته الفتاة المخلصة مانو، حيث جمع المصلين غافلًا عن الخطر الكامن بينهم، فتقدم منه ناثورام جودز، ساحبًا بندقيته النصف أوتوماتيكية، واستقبله بثلاث رصاصات، وكأن القدر يسخر منه، هو الرجل الذي انتزع بقوة استقلال بلاده لسنوات عبر المقاومة السلمية، دون عنف، ها هو يموت بالرصاص.
إذا كان لا بد من موتي برصاص رجل مجنون، عليَّ تقبل ذلك بابتسامةٍ على شفتيَّ، دون غضب في نفسي، لأن الله في قلبي. *المهاتما غاندي
بهذه الكلمات ختم غاندي حياته، قالها قبل مقتله بيومين اثنين، وكان يطمح في أن يعيش ليتجاوز 105 أعوام، بعد أن تجددت لديه رغبة الحياة عقب إنهائه صيامه الذي رفض فيه تناول الماء، كان صيامًا كاملًا لإيقاف العنف الطائفي بين الهندوس والمسلمين لتقسيم البلاد.
عقب الاغتيال، وقف جودز شاحبًا في انتظار رجال الشرطة للقبض عليه، لم يحاول حتى الهرب، وتم القبض على المتآمرين معه، وحكم عليهم جميعًا بالإعدام في نوفمبر (تشرين الثاني) 1949.
كان جودز هندوسيًّا، تربى على تعاليم فير سافار كار وغاندي، مُشيرًا إلى أنهما أيديولوجيتان ساهمتا في تشكيل الوعي العام الهندي على مدى 30 عامًا؛ إلا أنه غضب على غاندي من جراء قبوله تقسيم الهند؛ مبررًا ذلك بقوله: «عندما دخل الهندوس مسجدًا في دلهي، شرع غاندي في الصيام احتجاجًا على هذا الفعل، لكنه لم يفعل شيئًا عند قيام المسلمين بذبح الهندوس في باكستان»، والحقيقة أن غاندي كان يعلم أن مسلمي باكستان لن يتعاطفوا مع احتجاجه بالصيام؛ إلا أن جودز يشير إلى أن غاندي إن كان أبًا حقًّا للمجتمع الهندي، فقد أخفق في واجباته.
كان جودز يعتقد أن كل مواقف غاندي مؤيدة لقضايا الإسلام، وفي المقابل يهمل احتياجات الهندوس؛ إلا أن الحقيقة كانت على العكس من ذلك؛ إذ رفض غاندي تقسيم الهند، إلا أن البرلمان لم يلتفت إلى نصائحه، وكان مقتل أكثر من 5 آلاف شخص من جراء حركة عنف طائفية هو العذر الذي استخدمته الهيئة التشريعية لإقناع غاندي أن التقسيم هو الحل؛ أعطى غاندي موافقته مُجبرًا وحزينًا، وفي يوم الاستقلال –من الاحتلال البريطاني– لم يشارك غاندي الآخرين الاحتفال بما كان سببًا رئيسيًا فيه.
كان هناك خمس محاولات سابقة لاغتيال المهاتما غاندي بدأت منذ عام 1934، واستمرت حتى قبيل أيام من النجاح في الاغتيال عام 1948، وقد شارك ناثورام جودز في تلك المحاولات كلها؛ وقد كانت هناك ادعاءات تشير إلى أن شرطة بومباي ربما تكون متواطئة مع الجاني، وكان رأي المنظرين يشير إلى أن عملية القتل تم تدعيمها من المؤسسات الحاكمة.
كان لغاندي الكثير من الأعداء، بدايةً من البريطانيين، الذين رأوا في غاندي شخصًا مناهضًا لهم؛ إذ يشير بعض المؤرخين إلى أن بريطانيا كانت تدعم جماعات الهندوس المتطرفة، كتلك التي انضم إليها جودز، وصولًا إلى الجناح السياسي المسؤول عن عملية تقسيم الهند، والذين ربما أرادوا إزاحة المهاتما غاندي عن طريقهم.
الجدير بالذكر أن المهاتما غاندي أصبح رجلًا ذا تأثير عظيم في كل أنحاء العالم وليس في الهند وحدها؛ إذ اتخذه المناضلون ضد الاضطهاد والعنصرية أمثال مارتن لوثر كينج ونيلسون مانديلا مثلًا أعلى وقدوة، وأصبحت تعاليمه رسائل في الإنسانية، باقية حتى الآن.