ماذا تعرف عن ثائر الجيل الرابع الشهيد ” #خالد_الدعيس “؟ (بورتريه)
#معين_برس | فارس السريحي
على مدى أربع سنوات، كان البطل خالد عبدالقادر عبدالله حسن الدعيس، في صدارة اليمنيين المواجهين لانقلاب مليشيا الحوثي الإنقلابية على الشرعية الدستورية والإجماع الوطني، وسخّر فيها شعره، وفكره، وسلاحه، وكل جهوده للقضية والهوية اليمنية، والحيلولة دون عودة نظام حكم الإمامة البائد في ثوبها الجديد.
في 30 مارس 2019م، استشهد الشاب الثلاثيني “خالد الدعيس”، وهو يقاتل إلى جانب وحدات الجيش اليمني ورجال المقاومة الشعبية في جبهة مريس بمحافظة الضالع (جنوبي اليمن)، لمواجهة زحوفات مليشيا الحوثي التي حشدت مسلحيها ومعداتها القتالية الضخمة للسيطرة على المنطقة.
أسرة جمهورية
ينحدر الشهيد خالد الدعيس، من مديرية بعدان بمحافظة إب (وسط اليمن) ؛ سليل أسرة ذات تاريخ نضالي، فوالده “عبد القادر عبد الله حسن الدعيس” أحد الشخصيات الإجتماعية البارزة، وأحد أعضاء مجلس النواب اليمني الذين انحازوا لثورة الشباب الشعبية السلمية العام 2011، وتوفى إثر إصابته بجلطة قلبية في 10 أكتوبر 2015م.
وكما ذكر الشهيد خالد في أحد منشوراته بصفحته على الفيس بوك؛ أن والده مات كمدا بشكل مفاجئ عن عمر ناهز 54 بعد عام من سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء، حيث نزح بعدها إلى منطقته في بعدان.
أما جده “عبدالله”، وهو برلماني أيضا، فبعد أن قتل الإمام يحيى بن حميد الدين والده بالسم؛ اضطر للتشرد والنزوح؛ ولجأ بعد ذلك للغربة في السعودية وهو طفل في الرابعة عشر من عمره؛ وعاد إلى الوطن وهو في الـ 27 من عمره بعد نجاح ثورة 26 سبتمبر، حيث عاش بقية عمره، وانتخب عضوا بالبرلمان. وفق ما ذكره الشهيد خالد.
عرف جده الثاني “حسن” بكونه فيلسوف ثورة 1948 وأحد أبرز ثوارها، وكان من أشد المواجهين للإمامة، بمحاضراته وآرائه الحرة، وأنشطته المكثّفة لاستنهاض اليمنيين وتذكيرهم بهويتهم وتاريخهم، الأمر الذي أثار حفيظة الطاغية يحيى حميد الدين، الذي اتهمه بالزندقة وقام بتشكيل محكمة صورية لإعدامه بتهمة مروقه عن الدين وإنكاره البعث.
ويقول عنه حفيده “خالد” في ذات المنشور: “اعتقله بني هاشم في عام 1944 وعمره 76 سنة، ومن بعدان سيق إلى حجة وسجن هناك، يعني ابتعاداً عن الأهل وسجناً ومعاناه… ذاقت أسرته الأمرين وظل كبار أولاده مقيمين عند عتبات قصور السعادة والبشاير وهم يراجعون لدى بني هاشم لإطلاق سراح أبيهم، وقبل ذلك بزمن كان ثلاثةٌ منهم يتناوبون كرهائن عند بني هاشم…”.
ويضيف: “بعد قرابة 4 أعوام أُطلق سراحه وعاد إلى إب بعدان وقامت حركة 1948 وفشلت في مهدها فاضطر لأن ينزح هارباً عدن، مما يعني أيضاً نزوحاً وتشرداً ومعاناه، وأثناء غيابه هدم بني هاشم بيوته ونهبوا أمواله وأحرقوا ما بقي واعتقلوا إبنه وتشردت باقي أسرته.
ويشرح الشهيد خالد كيف خدع الهاشميون جده الثاني حسن حيث أعطاه “الهالك القميء الهاشمي أحمد ذميم الدين” الأمان فعاد من عدن إلى تعز وهناك كان هاشمياً آخر استضافهُ ودس له السم في الغداء وأشار عليه الإمام أن يعجل السفر إلى بلاده ليموت بعيداً هناك دون شبهة الغدر به، فعاد إلى بعدان وبعد 10 أيام نال منه السم وطفح جلده ومات بسبب بني هاشم- رحمه الله.
تكوين شخصية البطل
وكان لأسرة الشهيد خالد، دوراً كبيراً في تكوين شخصيته الاجتماعية والثقافية والسياسية وتشكيل وعيه الجمهوري، وتنمية حبه لوطنه وعزته وكرامته، وفي إدراكه العميق بخطر الإمامة وأحفادها المتربصون باليمن أرضاً وإنساناً.
يقول “خالد” عن نفسه في ذات منشور بصفحته على “فيس بوك”، إنه “ولد مع الوحدة وعاش بسلام وبساطة إلى أن عاد بنوا هاشم وسيطروا على البلاد فاضطر للنزوح والابتعاد عن الأهل، يعني نزوحاً وتشرداً ومعاناه، بسبب بني هاشم”..
هذه عيّنةٌ واحدةٌ لـ75 عاماً عاشتها أربعة أجيال هم الإبن وأبوه وجده ووالد جدّه منذ العام 1944 إلى 2019 ، فقد كان وجود بني هاشم وتحكمهم يعني القتل أو السجن أو التشريد والنزوح والمعاناة لهذه الأسرة الثورية التي أبت الضيم، ورفضت الطاغوت، وماهي إلا نموذج واحد لآلاف الأسر اليمنية المناضلة.
مقاتل جسور
وكانت جبهة مريس بالضالع، هي المحطة الأخيرة لتضحيات البطل “خالد” الميدانية، وفيها سطّر أروع معاني التضحية والفداء في الدفاع عن الوطن من غزو المليشيا الإمامية، وفيها ارتقى شهيداً مقبلاً غير مدبر، كما أراد وتمنى منذ البداية.
قبل استشهاده بساعات كتب على كتب منشورًا بصفحته على “الفيس بوك” بمثابة “رسالة وداع ذكر فيها بعض المواقف الوطنية وجانبًا من مشاركاته الميدانية بجبهات القتال وطبيعتها، وشخص فيها سير المعركة ومكمن الخلل.
وقال: “منذ خمسة أيام تطوّعت مع رجال وأبطال وأحرار مقاومة خاصة بإحدى مديريات الضالع أكرموا مؤاخاتي لهم ، واحتفوا بي حتى أخجلوني عليهم سلام الله.. خمسة أيام كنّا في موقع صد مقابل للحقب تصدى الأبطال خلالها بثبات لمحاولات التسلل .. ليالي رائعة حقاً عشتها ولا زلت ؛ كان في البال والخاطر الحقب ودمت وما بعدهما، ولكن؟!!
وأضاف بالقول: “قبل خمسة أيام أيضاً كانت التحذيرات تحوم حول ناصة، واليوم وفي السابعة صباحاً حاولت التطوع للانضمام لتعزيزات تنطلق لناصة… رُفِضَ الطلب بحجة كفاية العدد… ليتهم احتجوا بعدم الكفاءة بدلاً عن الكفاية، لكنهم لا يعلمون أن مرارة الموت على أيدي بني هاشم أهون من مرارة العيش في ظلّهم، بل هي عندي حلاوةٌ لا مراره..”.
قضى خالد عاماً في جبهات مأرب ، ثم أربعة أشهر في قعطبة يحمل بندقية والده التي هرّبها من منطقته قبل فترة، مقاتلاً بها مليشيا الدمار .. حتى “الجعبة والقرون والرصاص والميري” كانت من حُر ماله وفق ما ذكره البطل.
وأرفق رسالته بصورة قال إنها التقطت “صباح اليوم بعد رفضهم صعودي لأنال شرف الموت أو الثبوت على ناصه الذي يقف خلفي بشحوب ولكن بكبرياءٍ حميرية، ولا أدري عن وجهي ماذا يحمل هل يحمل وجه قتيلٍ أم فاتح… أم منسحب”.
استشهاد ثورة
كان لخبر استشهاد “خالد” أثراً بالغاً في نفوس اليمنيين، وغصت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بمئات المنشورات التي تحدثت عن الشهيد وبطولاته ومناقبه، وتداول النشطاء قصائده الثورية ووصاياه التي دونها بصفحته على الفيس بوك، طيلة السنوات الماضية.
يتحدث وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان، عن خالد بعد استشهاده، بالقول: “خالد يغادرنا شهيداً ..يا الله ..ألجمتني المفاجأة .. الشاعر المقاتل والمثقف الثائر يغادر تحت سفوح جبل ناصَهْ، ما زلت غير مصدّق! كتب بيانه الأخير “وصيّته ” وأذاعها تحت جبل ناصَهْ في دمْت قبل استشهاده بساعات”.
مضيفاً: هذا هو علي عبدالمغني هذا الجيل، هذا بطل أبطال هذا الزمان، جدّه الأكبر شيخ بعدان ثائر اليمن وفيلسوفها ضد الإمامة حسن الدعيس، خالد هو الجيل الرابع (…) كان واعياً بتاريخ اليمن وجغرافيته، لم يكن حزبياً ولا تابعاً لأحد، كان حزبه اليمن الكبير، في داخله كتيبة ثوار وثكنة محاربين! في رأسهِ هديرُ بلاد وبين ضلوعهِ دمدمةُ شعبٍ وآهات جيل.
بطل قومي
لم يتوقف “خالد” لحظة واحدة عن خدمة المعركة الوجودية التي يخوضها مع أبناء شعبه لاستعادة ما تبقى من البلاد من قبضة الإماميين، وكان دؤوباً في استنهاض القيم الوطنية في نفوس اليمنيين بكتاباته وشعره ونقاشاته، وساهم في تأسيس القومية اليمنية لذات الأهداف، وعمل بشكل حثيث لتوحيد الصف الجمهوري المقاوم للعنصرية الحوثية في عموم البلاد.
تقول القومية اليمنية عن الشهيد خالد الدعيس “كان أحد طلائعها، كشاعر وثائر ومقاوم، وأحد الذين كافحوا في سبيل مجد الأمة اليمنية، التي تقاوم باستبسال الجائحة الامامية في نسختها الراهنة ممثلة بمليشيا الحوثي؛ الامتداد العسكري والسياسي للإمامة الهاشمية في اليمن وارتباطاتها الخارجية”.
إنه وفق بيان القومية اليمنية: “خلاصة من روح الزبيري والبردوني وعلي عبد المغني؛ وهو الذي لم يقتصر دوره على الكلمات والنصوص الشعرية الخالدة، بل دفع في سبيل الأهداف اليمانية روحه التي انطفأت لتوقد ألف شعلة خالدة ستحمل اسم خالد.
وفي الختام دعوة توجهها القومية اليمنية لـ”تخليد اسم خالد الدعيس ونقل قصته الثورية للأجيال كأحد الرموز الذين يستحقون التباهي بهم، على طريقة أعلام اليمن الخالدين من نشوان بن سعيد الحميري إلى لبردوني والزبيري ومطهر الارياني ولطفي جعفر امان والفضول.