كيف أدت التغيرات الإقليمية إلى انفجار الوضع في سوريا؟
معين برس:
شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا عسكريًا ملحوظًا في محيط مدينة حلب، مع معارك عنيفة بين الجيش السوري والجماعات المسلحة، في وقت يتزايد فيه الحديث عن التحركات الإقليمية والدولية التي تؤثر على المشهد السوري.
ويرى الخبراء أن هذه التطورات لا يمكن فهمها بمعزل عن التغيرات الإقليمية والدولية التي أعادت ترتيب المصالح الاستراتيجية في المنطقة.
التغيرات العسكرية: استخدام الجيش السوري للطائرات المسيرة منذ مطلع العام، مما هدد مواقع هذه الفصائل.
الوضع الدولي: انشغال روسيا بالحرب الأوكرانية، وانخفاض نشاطها العسكري في سوريا، أعطى فرصة للفصائل لتعزيز مواقعها.
وضع إيران: ضعف إيران وحلفائها خلق فراغًا استغلته الفصائل لتوسيع نفوذها.
الدور التركي: التحركات العسكرية الأخيرة قد تكون محاولة تركية للضغط على دمشق لتقديم تنازلات في أي تسوية سياسية قادمة.
تصعيد على خلفية تغيرات إقليمية
تركزت المعارك في الأيام الأخيرة في مناطق مثل إدلب وحلب، مع محاولات من الفصائل المسلحة لتعزيز وجودها بدعم خارجي، بحسب تصريحات الخبير العسكري والاستراتيجي العميد تركي الحسن.
ويشير الحسن إلى أن “هذه العمليات ليست عشوائية، بل منظمة بدعم تركي مباشر، من خلال استخدام المدفعية والراجمات وتنسيق الاستخبارات التركية مع قادة الفصائل المسلحة، الذين اجتمعوا مؤخرًا في مناطق مثل تل رفعت ومنغ استعدادًا لمهاجمة مدينة حلب”.
أشار الخبير العسكري والاستراتيجي، العميد تركي الحسن، إلى أن ما يحدث حاليًا هو نتيجة مباشرة لتداخل عوامل خارجية، مؤكدًا أن “التصعيد الحالي مخطط له منذ فترة، ويأتي في سياق تناغم بين أجندات إقليمية، أبرزها الدور التركي”.
وأوضح أن الدعم التركي للمجموعات المسلحة في الشمال السوري قد أخذ منحى جديدًا، حيث قدمت تركيا دعمًا مباشرًا لعمليات عسكرية منظمة ضد الجيش السوري في حلب وإدلب.
يعتبر الحسن أن “ما يحدث هو جزء من استراتيجية تركية تهدف إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، في إطار حسابات الأمن القومي التركي، التي تربطها أنقرة بالتحركات الكردية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)”.
وأشار الحسن إلى وجود نحو 17 ألف جندي تركي في إدلب وشمال حلب، مؤكدًا أن هؤلاء الجنود يتموضعون جنبًا إلى جنب مع الجماعات المسلحة، التي وصفها بأنها “تحت السيطرة المباشرة للاستخبارات التركية”.
وجهة نظر تركية حول الدعم للجماعات المسلحة
من إسطنبول، نفى مدير مركز إسطنبول للفكر، الدكتور بكير أتاجان، أن تكون تركيا مسؤولة عن كل الفصائل المقاتلة في الشمال السوري، مشيرًا إلى أن “بعض الفصائل مدعومة من تركيا بشكل معلن، ولكن لا يمكن تحميل أنقرة مسؤولية جميع الجماعات المسلحة”.
وقال أتجان، إن السياسة السورية على مدى السنوات السابقة أسهمت في تأجيج الصراع الإقليمي.
وأضاف أن “هيئة تحرير الشام على سبيل المثال موضوعة في قائمة الإرهاب التركية، وبالتالي لا يمكن لتركيا دعمها”.
وفي رده على اتهامات دعم الجماعات المسلحة في إدلب وحلب، أشار أتاجان إلى أن “تركيا تتبنى موقفًا دفاعيًا لحماية أمنها القومي، خاصة في ظل التهديدات التي تشكلها الجماعات الكردية المسلحة على حدودها”.
وأكد أن “أنقرة تحارب الإرهاب بجميع أشكاله وتسعى لإقامة استقرار شامل في المنطقة”.
وفيما يتعلق بالتصعيد الأخير، أضاف أتجان: “لا يمكن لتركيا أن تدين العمليات المسلحة في مناطق خارجة عن سيطرتها المباشرة، ولكنها دائمًا تدين الاعتداءات التي تستهدف أراضيها أو قواتها”.
واعتبر أن الحديث عن دعم تركي شامل لكل الفصائل المسلحة غير دقيق، مشيرًا إلى أن الفصائل قد تتحرك أحيانًا بشكل مستقل أو لتحقيق مصالح خاصة.
انعكاسات إقليمية ودولية
تشير التطورات الميدانية إلى أن الوضع في شمال سوريا لا يقتصر على صراع محلي، بل يمثل جزءًا من التوترات الإقليمية والدولية.
ويرى العميد الحسن أن “هناك تناغمًا بين الهجمات الإسرائيلية على سوريا وتحركات الجماعات المسلحة في الشمال، ما يعكس توجيهات خارجية تهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة”.
وبحسب العميد تركي الحسن، فإن مشروع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يمثل خطرًا مشتركًا على الأمن القومي لكل من سوريا وتركيا. ورغم هذا، يرى أن تركيا تستغل “التهديد الكردي” كذريعة لتعزيز نفوذها في المناطق الحدودية.
محاولات للضغط السياسي
من جانبه، يرى الدكتور بكير أتاجان، مدير مركز إسطنبول للفكر، أن التحركات العسكرية قد تكون جزءًا من محاولات تركية لإجبار دمشق على الدخول في تسوية سياسية.
وقال: “تركيا لن تخاطر بأمنها القومي وتنسحب من الشمال السوري ما لم يتم تأمين حدودها”.
موقف إقليمي ودولي
وفيما يتعلق بالدور الدولي، أكد العميد الحسن أن العلاقات بين سوريا وحلفائها، روسيا وإيران، ما زالت قوية، على الرغم من مزاعم تخليهما عنها. وأضاف: “العلاقة مع روسيا وإيران قائمة على قواعد ثابتة، ونأمل أن تعود العلاقات السورية التركية إلى طبيعتها”.
ومع استمرار تصاعد الأحداث، يبدو أن الحلول الدبلوماسية بين دمشق وأنقرة تواجه تحديات كبرى.
ويرى الحسن أن “استعادة السيادة السورية تتطلب انسحابًا تركيًا كاملًا وجدولة واضحة لذلك، فضلًا عن إنهاء دعم الفصائل المسلحة”.
في المقابل، يؤكد أتجان أن “تركيا لن تتنازل عن مصالحها القومية، لكنها تفضل تسويات تحقق استقرارًا مشتركًا”.