لماذا نحب أن نكتب عن الأفلام؟

بقلم: سمر الفيومي

سؤال هام طرحته إحدى الكتب النقدية التي صادفتها، حيث كان عنوان الفصل الأول هذا السؤال، وكانت الإجابة نقدية جادة تحمل الفن السينمائي أكثر مما يحتمل. ظننت أن الموضوع يتعلق أكثر بالشعور، أو ربما لأن كل ما يتعلق بدواخلنا النفسية يستهويني، فقررت التعمق بداخل محبي السينما.

توقفت لثوانٍ لأفكر… لماذا حقاً أشعر أن عليّ أن أكتب عن فيلم ما؟ وكانت الإجابة كالآتي دون ترتيب، مجرد استحضار لحالة النشوة التي تصيبني عقب مشاهدة فيلم ممتع. مشاهدة فيلم يغمرك بمشاعر لم تكن تدرك وجودها أصلاً، تذكر كم من المرات التي ذرفت فيها الدموع رغم أنك قبل مشاهدة هذا الفيلم كانت حالتك النفسية جيدة، لكنك وبشكل ما تأثرت وتوحدت حالتك النفسية مع الأبطال. ضحكاتك العالية التي انتشلتك من العبس، شحنات الغضب التي قمت محملاً بها متأثراً بالجو العام لهذا الفيلم. الأمل، الحنين، رغبة الحب وتقاسم الود، والكثير من المشاعر التي نتشربها من الأفلام.

كل هذا يحدث عند مشاهدتك لفيلم جيد الصنع. تخرج من التجربة محملاً بما لا تطيق، تبدأ في الحديث والثرثرة عن تفاصيل الفيلم والشخصيات، وفي مرحلة ما تشعر أن هذا غير كافٍ فتبدأ رحلة الكتابة عن الفيلم. لكنها مختلفة تماماً عن المشاهدة والحديث مع زملائك.

في الكتابة تستحضر مشاعرك وملاحظاتك أثناء المشاهدة، يعمل خيالك بمقام شريط السينما، فتبدأ في عرض الفيلم بمخيلتك، لكنه ليس عرضاً مصمتاً كما تلقيته، وإنما يكون العرض مصحوباً بانفعالاتك أثناء التلقي. مرحلة الكتابة وحدها تكلفك عناء الانتقاء والتحليل. انتقاء الكلمات بعناية، فحينما تتحدث مع صديقك قد تقول بشكل عام “لم يعجبني الفيلم” أو “كان فيلماً سيئاً”، لكن حينما تدخل في عمق الكتابة، تبدأ في انتقاء كلماتك بدقة وتتطرق لشرح نقاط القوة والجمالية في الفيلم، ثم تفند الأخطاء التي أوقعت الفيلم في فخ الملل أو انحدرت به، أي أنك تقدم رأيك بشكل موضوعي خالٍ من الانفعالات المبهمة.

أيضاً إدراكك للجمهور المتلقي يضع على عاتقك مسئولية الحيادية والحرفية، فلا تقدم نقداً مبنياً على أهوائك الشخصية، بل تستند لنقاط تم طرحها بالفعل. الكتابة عن الأفلام تتيح لنا إعادة اكتشاف الأفكار التي تم طرحها، لكن من خلال سرد مختلف، كما تتيح أيضًا فرصة للتفاعل مع الفن بشكل أعمق وفهم الرسائل الخفية.

علينا إدراك أن الأفلام لا تثير مشاعر فقط، بل تدفعنا أيضًا للتفكير بشكل أعمق في القضايا التي تطرحها، ما يولد الرغبة في الكتابة. فيمكن أن يناقش الشخص مشهداً مؤثراً من فيلم ويتساءل: “لماذا أثر هذا المشهد فيّ؟” هنا يتداخل التحليل الشخصي مع الأكاديمي، حيث نبدأ في تحليل الأدوات السينمائية مثل الإضاءة، الموسيقى، أو الأداء التمثيلي وهكذا.

الكتابة ليست مجرد استجابة للمشاعر التي يثيرها الفيلم، بل هي أداة لفهم الفيلم بطريقة أكثر عمقًا. عند الكتابة عن فيلم اجتماعي، يمكن للشخص أن يبدأ بملاحظة موضوعات معينة مثل الطبقية أو العدالة الاجتماعية، ثم ينتقل لتحليل كيف يعبر الفيلم عن هذه القضايا باستخدام الأدوات السينمائية.

يمكن القول إن الرغبة في الكتابة تنشأ من محاولة الفرد لتفسير تجربته الشخصية مع الفيلم من خلال التحليل الأكاديمي. فكما سبق وذكرت، مشاهدة فيلم قد تثير مشاعر معينة مثل الحزن أو الفرح، لكن تحليل الفيلم والكتابة عنه تساعد في تفسير سبب شعورنا بهذه المشاعر، وتقدم إطارًا لفهم العلاقة بين الأساليب السينمائية وتجربتنا الشخصية.

لذلك فالرغبة في الكتابة تتجاوز الانطباعات الأولية للمشاهدة لما هو أعمق، كمحاولاتك لفهم العالم من خلال نافذة الفن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى